q

عند الحديث عن ملف شبكات تهريب البشر نجده ملف شائك ومعقد ويحمل الكثير من الانتهاكات الحقوقية، فبعد الاتفاق الذي حدث ما بين تركيا والاتحاد الأوربي في العام الماضي حول إغلاق مسار اهم طريق بحري إلى اليونان عن طريق تركيا أصبحت واجهة مهربو البشر الذين يعملون دون رادع قانوني نحو سواحل ليبيا الانطلاق الرئيسي للمهاجرين الى أوربا.

يدخل المهاجرون غير الشرعيين الى ليبيا بأساليب ملتوية وطرق متعرجة بواسطة مسالك فرعية صعبة تعرف بشبكات تهريب البشر وتكون هذه الشبكات بعيدة كل البعد عن الرقابة الأمنية. لذا زاد عدد المهاجرين الذين ينطلقون إلى إيطاليا في قارب من أفريقيا بواقع أكثر من 50 في المئة هذا العام بعد أن وصل نصف مليون شخص خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

ينقل المهربون المهاجرين على زوارق مطاطة متهالكة عادة ما تكون مزودة بقدر من الوقود يكفي بالكاد لوصولها للمياه الدولية حيث تنتشل سفن إنقاذ أوروبية أغلبهم. وتشير التقديرات الأممية الى غرق 600 مهاجر منذ بداية عام 2017 وتم انقاذ 23 الف اخرين من قوارب قبالة سواحل ليبيا.

ليس فقط الغرق هو من يؤدي بحياة المهاجرين فهناك حروب تقام ما بين شبكات مهربي البشر حيث تختلف تلك الشبكات فيما بينها وتصل الخلافات الى تراشق اطلاقات النار والتي تؤدي بحياة المهاجرين ايضا يقع المهاجرون ضحايا الاشتباكات التي تحصل ما بين خفر السواحل وشبكات التهريب نتيجة الإطاحة بهم وامساكهم من اجل ذلك وصفت المحكمة الجنائية الدولية تلك الحوادث تدخل ضمن جرائم الحرب.

وعليه ابرم اتفاق او مذكرة تفاهم ما بين إيطاليا والحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، والتي يؤيدها الاتحاد الأوروبي، وتعهدت بتقديم تدريبات ومعدات وأموال لمكافحة مهربي البشر. وسط تنديد المنظمات الحقوقية حول المخيمات الموجودة في ليبيا والتي بحسب المنظمات بعيدة كل البعد عن الشروط التي تقام بها المخيمات. في الوقت نفسه حظيت إيطاليا بدعم من عشرة رؤساء بلديات في الصحراء بجنوب ليبيا لمكافحة تهريب البشر.

من جانب اخر أصدرت تقارير من السلطات الإيطالية تثير الدهشة والاستغراب لكونها تؤكد ان هنالك تعاون او وجود اتصالات هاتفية بين مهربي البشر الليبيين وجماعات الإغاثة التي تعمل على إنقاذ القوارب. مما أدى الى اقامت دعوى جنائية ضد تلك المنظمات التي من المفروض انها تقوم على مساعدة أرواح المهاجرين لا كسب المال من المهربين.

اتصال جماعات الاغاثة بالمهربين

هنالك مثل عراقي يقول حاميها حراميها وقد انطبق هذا المثل هنا حيث يوجد اتفاق مبطن ما بين الجمعيات او المنظمات الحقوقية المختصة وجماعات الإغاثة التي تعمل على إنقاذ القوارب من الغرق ومهربين البشر بحسب ما ابلغ به المدعي الإيطالي كارميلو زوكارو لصحيفة لا ستامبا.

حيث قال ان لديه أدلة على وجود اتصالات هاتفية بين مهربي البشر الليبيين والمنظمات غير الحكومية التي تنقذ اللاجئين قبالة الساحل الليبي. ولم يذكر رئيس الادعاء في مدينة كاتانيا الساحلية بجزيرة صقلية الإيطالية ما إذا كان سيفتح تحقيقا جنائيا ولم يخض في تفاصيل الأدلة التي لديه. وفق رويترز

كما انتقدت وكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس) المنظمات غير الحكومية قائلة إنها تسهل عمل المهربين. وتنتظر قوارب الإنقاذ الإنسانية خارج المياه الإقليمية الليبية مباشرة. ويكدس المهربون المهاجرين على قوارب مطاطية متداعية تجد صعوبة في الوصول إلى المياه الدولية قبل أن تغرق.

عامل جذب

لتقصي الحقائق بشأن هذا الأمر فتح زوكارو تحقيقا في عمل سفن المنظمات غير الحكومية في فبراير شباط وأبلغ في مارس آذار البرلمان الإيطالي أنه "مقتنع" بأن المهربين على اتصال مباشر بالمنقذين لكنه لم يكن لديه دليل في ذلك الوقت. وبذلك قرر البرلمان الإيطالي من فتح تحقيق لبيان مصداقية هذا الامر.

وأبلغ ماريو جيرو نائب وزير الخارجية رويترز أنه يعتبر الاتهامات "سخيفة" لأن خفر السواحل الإيطالي يشرف على كل عمليات الإنقاذ. لكن قائد عملية مكافحة التهريب بالاتحاد الأوروبي الأميرال إنريكو كريدندينو أبلغ صحيفة إيطالية أن المنظمات "عامل جذب" وأنها تستخدم أضواء لإرشاد المهربين إلى مواقعها.

إنقاذ الأرواح

رفضت منظمات إغاثة منها أنقذوا الأطفال وبروأكتيفا أوبن آرمز وإس.أو.إس ميديراني التي تشغل سفن إنقاذ في البحر المتوسط هذه الاتهامات قائلة إنها لا تستهدف سوى أنها تساعد فعليا مهربي البشر في ليبيا بإنقاذ حياة عشرات الآلاف من المهاجرين. وقال كريس كاترامبوني الذي يشارك زوجته ريجينا في رئاسة منظمة محطة المعونة الخارجية للمهاجرين (مواس) غير الحكومية لرويترز "كان سيموت المزيد لو لم نكن هناك."

وخلال زيارة لكندا حذر رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتيلوني من تجريم المنظمات غير الحكومية قائلا إنها "تنفذ الأرواح ويجب توجيه الشكر لها". وبدأت المنظمات غير الحكومية في نشر سفن لمساعدة المهاجرين في مايو أيار 2016 وأنجزت 26 في المئة من كل عمليات الإنقاذ بينما أنجز خفر السواحل والبحرية الإيطالية أكثر من 40 بالمئة من عمليات الإنقاذ.

وأكملت سفن تجارية ووكالة حماية الحدود الأوروبية (فرونتكس) وسفن في مهمة مكافحة المهربين بالاتحاد الأوروبي وغيرها من سفن لقوات بحرية أجنبية باقي عمليات الإنقاذ. وجلبت سفن لمنظمات إنسانية نحو 1200 مهاجر إلى موانئ في صقلية بعد إنقاذهم في الأيام الماضية.

فكرة خطيرة

في فبراير شباط وقعت إيطاليا مذكرة تفاهم مع الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، والتي يؤيدها الاتحاد الأوروبي، وتعهدت بتقديم تدريبات ومعدات وأموال لمكافحة مهربي البشر. لكن أريان هيهنكامب مدير عام أطباء بلا حدود ورئيس بعثة المنظمة في ليبيا قال إن فكرة تسكين المهاجرين بطريقة إنسانية على الأراضي الليبية "مستحيلة". بحسب وكالة رويترز.

وقال هيهنكامب للصحفيين في روما بعد أن وصوله من ليبيا "الاعتقاد خلاف ذلك هو فكرة خطيرة." ووصف سبعة معسكرات في طرابلس ومحيطها بأنها مراكز اعتقال ينتشر فيها العنف وسوء المعاملة وتسيطر عليها جماعات مسلحة. وقال وزير الداخلية الإيطالية ماركو مينيتي إن حقوق الإنسان يجب احترامها وإن المعسكرات الجديدة يجب فتحها بمساعدة من وكالات الأمم المتحدة لكن هذا لم يحدث إلى الآن.

دعم فني وتكنولوجي

طار رؤساء البلديات سرا إلى روما حيث التقوا بوزير الداخلية ماركو مينيتي الذي طلب منهم مكافحة تهريب البشر في مقابل تدريبات ومعدات ودعم اقتصادي. وقال مصدر بارز بالوزارة لرويترز "هم أعربوا عن دعمهم لتنفيذ وتطبيق الاتفاق. وأضاف المصدر أن السفير الإيطالي الجديد لدى ليبيا عقد أيضا أول اجتماع مع السلطات الليبية بشأن وضع الاتفاق موضع التنفيذ.

وقال كثيرون منهم ومن بينهم حامد الخيالي رئيس بلدية سبها إنهم يعارضون فكرة إقامة مراكز احتجاز يمولها الاتحاد الأوروبي في ليبيا لإيواء مهاجرين قبل أن يغادروا إلى أوروبا. لكن الاتفاق يعرض ملايين اليورو دون أن يذكر مبلغا محددا من أجل "برامج للتنمية" لإيجاد وظائف وتشييد بنية أساسية في المناطق التي يعتمد فيها المواطنون على التهريب لكسب عيشهم وهي مساعدة قد تساعد في الفوز بدعم السلطات المحلية.

حوادث وخلافات

دائما ما تسجل خفر السواحل الليبي اشتباكات ما بين المهربين أنفسهم تارة وأخرى ما بين تجار البشر وخفر السواحل ويروح ضحيتها في اغلب الأحيان المهاجرين ففي حادثة نشوب خلاف كبير ما بين مهربون البشر أنفسهم بحسب ما بينته المنظمة الدولية للهجرة إن معارك بين عصابات تهريب بشر متنافسة في ساحل ليبيا المطل على البحر المتوسط أسفرت عن مقتل 22 شخصا. وقال المتحدث باسم المنظمة جويل ميلمان إنه يعتقد أن القتلى مهاجرون وليسوا مهربين لأنهم من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. وأضاف خلال مؤتمرا صحفي نقلا عن معلومات من زملاء في ليبيا أن أكثر من مئة شخص أصيبوا.

وفي حادثة أخرى قتل أربعة اشخاص وأصيب صحفيا ألمانيا بجروح طفيفة كان على متن زورق خفر السواحل عندما تعثر وسقط أثناء محاول خفر السواحل اعتقال رجال مدججين بالسلاح كان زورقهم قرب سفينة مهاجرين قرب مدينة الزاوية على مسافة نحو 45 كيلومترا غربي طرابلس.

وقال أيوب قاسم المتحدث باسم خفر السواحل الليبي لرويترز إن خفر السواحل رصد القارب على الرادار خلال دورية. وذكر أنهم طلبوا من المسلحين التوقف لكنهم رفضوا الانصياع مما يعني أنهم على الأرجح يقومون بتهريب مهاجرين غير شرعيين. وأضاف أن المسلحين فتحوا النار على الدورية فرد خفر السواحل بإطلاق النار. وحتى نهاية الشهر الماضي عبر 23125 مهاجرا البحر المتوسط إلى إيطاليا لقي 595 منهم حتفهم مما يشكل زيادة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي وفقا لبيانات المنظمة الدولية للهجرة.

جريمة ضد الانسانية

من اجل ذلك اكدت مدعية المحكمة الجنائية الدولية في مقابلة مع وكالة فرانس برس انها ستوسع تحقيقها حول تهريب المهاجرين انطلاقا من ليبيا بغرض تحديد ما اذا كانت هناك عناصر تشكل جرائم حرب. واعتبرت فاتو بنسودا ان الوضع الميداني "يتدهور"، مؤكدة عزمها "على جعل ليبيا اولوية في التحقيقات" العام المقبل، وذلك في المقابلة التي اجريت معها في مكتبها في لاهاي.

وردا على سؤال عن امكان اعتبار تهريب مئات الاف المهاجرين من ليبيا الى اوروبا بمثابة جريمة ضد الانسانية، قالت "قد يكون الامر على هذا النحو (لكنه) يتوقف على ادلة سنجمعها".

وتابعت بنسودا "عدد الجرائم كبير والمؤسف ان غالبية الضحايا هم مدنيون ونساء واطفال". ورغم ان ليبيا لم تصادق يوما على معاهدة روما التي نصت على انشاء المحكمة الجنائية الدولية، طلب مجلس الامن الدولي من المحكمة التحقيق في هذا البلد في شباط/فبراير 2011 بعد بدء الثورة ضد معمر القذافي وما اعقبها من قمع دام.

اضف تعليق