(شهر رمضان يجمعنا) ما اجمل هذه الجملة، تترك في الروح نسائم الرحمة وتجدد الطاقات الايجابية في الاجساد الهزيلة، لكل شيء إناء خاص به.. يتدرج مدى شعور الأشخاص ورؤيتهم للأمور، فجملة واحدة قد تترك أثرا مختلفا في قلب كل شخص فوق هذه الكرة الأرضية.
كل انسان يلتقطها حسب درجة علمه وفهمه ونيته!، (شهر رمضان يجمعنا) هذه الجملة تذكرني بأجمل أيام حياتي في بيت الجدة، فهو عبارة عن محكمة قضائية لحل المشاكل الأسرية، وهو مكان للاجتماعات العاطفية والعائلية، تفوح رائحة الحب في كل مكان منه، لا زلت أشم رائحة الحنان عندما أغمض عينيّ، صوت ضحكاتهم يؤنس لياليّ المظلمة.
في بيت الجدة، جميع الغرف متاحة للدخول حتى الخاصة منها، الثلاجة تُفتح وتُغلق أكثر من أي شيء آخر كأنها معرض متاح للجميع عند الشعور بالاكتئاب .لا أعرف لماذا لم أقل بيت الجد؟ ربما تأثير النساء في نشاط وجمالية البيت يفوق تأثير الرجال، أو هن من يُلَمّ بهنَّ الشمل، المرأة كشمعة تضيء البيت فاذا انطفأت ينطفئ معها نور البيت.
شهر رمضان كان له نكهة خاصة، كان يجمعنا اكثر من باقي الشهور، فكل غيظ وقهر كان يودّع القلوب لتصفوا الأرواح، لاستقبال هذا الشهر الكريم كل العائلة كانت تجتمع على مائدة واحدة بعيدة عن هموم الدنيا حقا، كان رمضان كريما معنا، اذكر بعض القصص التي ترسخت في ذاكرتي من تلك الجلسات المخلصة الخالدة، وكم أثر أسلوبهم الراقي على أفعالي، صدق من قال العلم في الصغر كالنقش على الحجر، تعلمت منهم أن شهر رمضان مبدأ كل خير، ولابد أن اجعل لأيامي السوداء يوم أبيض أنسى فيه كل ألم وقهر، في شهر رمضان أخرج من دائرة النرجسية والتكبر لأرى غيري وأشعر بهم، تعلمت من هذا الشهر ان أكون كريما وأبذل ما في وسعي من الطيبات، سواء كان طعاما أو كلمة أو فعلا و.... كل هذا الفضل يرجع الى بيت الجدة.
لقد رحل الماضي بجميع جمالياته ومشاكله، كل شيء استحدث وتعير حتى شهر رمضان، تغيرنا وتغير معنا معنى هذه الجملة، فشهر رمضان في زمننا الحاضر باتت له نكهة جديدة، أو ربما نكهة مصطنعة، إنه طيب في الظاهر ولكن ما خفيَ كان أخطر وأعظم في عصرنا الآن، إن شهر رمضان الآن يجمعنا في أيامنا هذه عند التلفاز، والمسلسلات المغرية الخلابة، أحقا يجمعنا هذا الشهر حول والمسلسلات التي تجرنا واحدة تلو أخرى وصوت الموسيقى يعلو في أرجاء البيت؟! كم منا يفطر هكذا؟ كم منا يتحمل الجوع والعطش وفي الاخير يفطر مع المسلسلات والموسيقى، وكأن الصوم كان مخصصا للنهار فقط !.
هناك من ينسى فلسفة الصيام أو يخصصه للنهار فقط، ربما نسي هؤلاء ان ربنا جعل شهر رمضان كفرصة ذهبية للجميع .. عن الإمام الرضا (ع) عن آبائه عن علي (ع) انه قال: ـ
إن رسول الله (ص) خطب ذات يوم فقال (ص): ـ
(أيها الناس انه قد اقبل عليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعائكم فيه مستجاب، فسلوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه).
بعض الناس يشعر بشهر رمضان وكأنه مفروض عليه، ويجب عليه أن يتضور جوعا ويتحمل العطش رغما عنه ثلاثين يوما، لذلك يعد الأصابع لينتهي هذا الشهر، كي يعود الى حياته المعتاد عليها، في حين يراه آخرون انه عبارة عن ثلاثين جزءا يستأنسون بتلاوة القرآن فيه، حيث لتلاوة القرآن فضيلة كبرى، وبخاصة في شهر رمضان المبارك، فإن فضيلة ذلك لا تعد ولا تحصى، وهذه الفضيلة تحصل في وقت تتزامن فيه التلاوة مع التدبر والتفكّر الذي يطهر الروح ويوفر الأرضية للعمل.
وبينما كنت غارقة في هذه الجملة (رمضان يجمعنا) ومعانيها المتعددة، تذكرت في هذا الشهر الفضيل، هناك سبب أعطى لشهر رمضان لونا أجمل في بلدنا، فهناك من صار سببا لتجمع الناس ونشر الأمن والأمان بينهم، فلولا هؤلاء لما عشنا شهر رمضان بأجوائه الإيمانية المؤثرة! إنهم أبطال الحشد الشعبي، أولئك الذين ينفردون في عزمهم وإخلاصهم لوطنهم وشعبهم، إنهم سبب اجتماع العوائل الآن !ولولاهم لما عشنا ما نعيشه من خيرات الآن، انهم يتحملون الوحدة والشدة والخطر والجوع والظمأ، كي نترفه نحن هنا! فكيف نكافئهم؟هل ندعوا لهم؟ لقد حثّـ علينا ذكراهم، وكرمهم، وجودهم، وتكريمنا بأرواحهم وبأغلى ما يملكون.
إذاً ما أكرمهم؟؟.
عند الافطار نبحث عن بارد المعين وهم؟ هل فكرنا ماذا يشربون؟ كيف يفطرون؟ هم يتحملون الصعاب بطريقة، وعائلاتهم بطريقة أخرى! ربما والدته لم تشتهي أن تمد يديها الى الطعام، لأنها تفكر في ابنها الوحيد، ماذا يعمل الآن في سواتر القتال؟ وكيف يأكل؟ وماذا يأكل؟ ربما تبكي ابنته عند مائدة الإفطار، وتصرخ باكية مشتاقة الى والدها! وربما زوجته تضع لقمة في فمها ولا تستطيع مضغها من شدة التفكير في شريك حياتها.. هؤلاء لديهم أناس يفكرون بهم وبغربتهم، يا ترى عندما يحين وقت الإفطار هل يفطر امامنا روحي فداه؟ أم حزنه على شيعته يجعله ينصرف عن الطعام؟.
يا ترى من يؤنس وحشته في هذه الليالي الموحشة؟ مولاى دماؤنا تُستباح! وقلوبنا تنهش من أفعال الأرجاس، أما حان الوقت لكي تجمعنا تحت ظلك لنقر عينا؟.
سمعت صوت الخطيب يقرأ هذا الحديث الشريف المروي عنه (عج): (فإنا نحيط علما بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالأذى الذي أصابكم إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم البلاء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله، وظاهرونا على أنبائكم من فتنة قد أناقت عليكم، يهلك فيها من حم أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي امارة لادرار حركتها، ومناقشتكم لأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره المشركون).
بينما كنت مسرورة من سماع هذا الحديث المبارك وصلت الى جواب للسؤال الذي كان يدور في بالي منذ سنوات، لماذا لم يظهر؟ أدركت نحن السبب، وهذا كان جواب سؤالي في قوله (عج) :
(ليعمل كل امرئ منكم بما يقربه من محبتنا، وليجتنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا يبعثه فجأة حين لا تنفعه توبة، ولا ينجيه من عقابها ندم على حوبة، والله يلهمكم الرشد وبلطف لكم في التوفيق برحمة). فأدركت على قدر حركتنا سوف نقترب الى الظهور!. شهر رمضان فرصة ذهبية للتغير لنقترب حتى وان كان خطوة صغيرة الى علة وجودنا (بيمنه رزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء).
اضف تعليق