فحروبنا حروب عادلة ومعاركنا حضارية قيمية تهدف إلى جعل كلمة الله هي العليا وراية الحق والعدل خفاقة في سماء الإنسانية المعذبة، فكم نحن بحاجة لدراسة تلك الأحداث التي صنعت التاريخ المشرق وبنت الحضارة الراقية في هذه الحياة، وسنقف اليوم مع تلك المعركة الحاسمة ونتذكرها في...
وقعت معركة بدر الكبرى في 17 من أول شهر رمضان فُرض على المسلمين عام 2 هجري
مقدمة عسكرية
يقال: إن الحياة هي صراع إرادات، والتاريخ أبو العلوم، والحروب عجلة الحضارات، وذلك لأن الحروب الكبرى تدفع الإنسان للإبداع في مجال الصناعات الدفاعية أو الهجومية حسب طبيعة المعركة التي يخوضها الجانبان، حتى أن بعضهم جعل من الحرب هو السِّمة الأساسية للحياة، لما لها من تأثير على اتجاه ومسارات التاريخ البشري منذ أقدم العصور وحتى الآن حتى أن أولئك الذين بنو حضارتهم على بحار من الدماء، والجماجم والأشلاء بعد الحرب العالمية الثانية حيث صنعوا واستخدموا السلاح النووي لأول وآخر مرة إلى الآن يستخدم هذا السلاح الشنيع إلا أنه حسم المعركة ومنها بدأت رحلة الحضارة النووية، ثم الحضارة الرقمية التي نصطلي في أتونها، أو ينشوي العالم في تنورها حيث أنهم أبدعوا في صناعة القتل والدمار والموت فبقنبلة أو قذيفة أو رأس صاروخي يبيدون مدينة بأكملها بما فيها ويجعلون أرضها يباباً غير قابلة للحياة لأجيال كما في الناغازاكي وهيروشيما إلى الآن أرض ميتة.
وأما في الفكر الإسلامي والحضارة الإلهية فهي تقول: بأن السِّلم والسلام هو الأصل والحرب حالة استثناء واضطرار ولذا هي يجب أن تقتصر على مقدار الحاجة التي تحقق الهدف المقدس منها، فالمعركة تكون لبسط الخير والحق والعدل وليس لمجرد القتل والدمار واحتلال أراضي الغير وحيازة مقدراتهم كغنائم. (راجع كتاب الصياغة الجديدة، لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام، للسيد محمد الشيرازي (رحمه الله)
حروب الإسلام العادلة
ولذا من الضروري حقاً على الأمة الإسلامية في هذا العصر الذي اختلطت فيه المفاهيم وضاعت المعاني تحت بريق الحضارة الرقمية أو تحت جنازير الأسلحة النووية، ليعرف الأجيال المعاني والمفاهيم الإسلامية ليأخذوا منها ولا يأخذوا ما يرميه تجار الحرب والسلاح وصناع الموت في العالم، ولذا كان الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) الناجي الوحيد من معركة كربلاء الخالدة يقول: (كنا نعلم مغازي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسراياه، كما نعلم السورة من القرآن). (البداية والنهاية: ج 3 ص 297)
ونحن يجب أن نعيد قراءة حروب الرسول الأعظم وبعوثه وسراياه بدقة لتنقيتها من شوائب بني أمية وقريش من جهة وما دُسَّ فيها من عظائم بني إسرائيل وطاماتهم التي شوَّهوا بها وجه التاريخ المشرق لها، وكانت أول معركة وحرب خاضها المسلمون بقيادة حكيمة لرسول الله (ص) حيث أبدع فيها عدة أساليب لم يعهدها العرب قبلها وهي ما يسمى بالتكتيكات العسكرية الجديدة في المسير بالأرتال، والقتال بالصفوف، والمناورة بالقوات حيث كان القتال على شكل مثلثات وعلى رأس كل مثلث منها بطل من أبطال الإيمان فكان هو يخترق صفوف العدو ومَنْ وراءهم يوسِّعون الخرق ويفتكون بهم ولذا كانت المفاجأة التي حيَّرت العقول القرشية إلى أمد طويل.
فحروبنا حروب عادلة ومعاركنا حضارية قيمية تهدف إلى جعل كلمة الله هي العليا وراية الحق والعدل خفاقة في سماء الإنسانية المعذبة، فكم نحن بحاجة لدراسة تلك الأحداث التي صنعت التاريخ المشرق وبنت الحضارة الراقية في هذه الحياة، وسنقف اليوم مع تلك المعركة الحاسمة ونتذكرها في هذه الأيام الرمضانية المباركة لا سيما وأن الأمة تخوض معركة وجودية في هذا الزمن الأغبر مع أعدائها والمجرمين من أبنائها.
مواعظ التاريخ وذكرياته
يقول السيد الشهيد السعيد والمفكر الإسلامي الكبير السيد حسن الشيرازي (قدس سره الشريف) في ضرورة دراسة التاريخ وتجديد الذكريات في هذا الشهر الكريم: (فتاريخ هذا الشهر المبارك، حافل بذكريات، تعتبر حجر الزاوية، في كيان الإسلام على ممر القرون فقد تتابعت فيه الأمجاد الخالدة لهذه الأمة الوسطى، وهي تحمل بين جنباتها، أحداثاً جساماً، كان لها دور كبير، في انقلابات خطيرة، غيرت سُنّة التاريخ، في كثير من قِطاع الأرض..
وإنْ كان لا ينفع المسلمين أنَّ آبائهم بنوا أمجاداً، ولكن الأمم الناهضة، التي تريد الحياة، لا بدَّ أنْ يعيش تاريخها ذكريات تضيء الطريق، للجيل الطالع فيلخِّص من تجارب الماضي، ما يبني به الحاضر، ويحدِّق في الأخطاء السابقة، حتى لا تتكرر في المستقبل... فينظر من خلال حاضره المظلم، إلى مستقبله الوضّاء.. ليحبك خيوط قدره بيديه، ويطوي الشعارات المفروضة عليه لإنقاذ أهدافه وأهداف الحياة، بقلب معصومٍ من الخطأ، بمقدار ما أخطأ آبائه، وخطاً خبيرة، بمقدار ما جرَّب آبائه، من قبل..
والمسلمون، أمّة لأنّهم أصحاب رسالة إنسانية، وتتركز على عقيدة سليمة.. وهم تاريخ لأنّ عقيدتهم أحدثت أخطر انقلاب، وقوّض دولاً وأقام دولاً، وأشعل ثورة بناءةً في العقول، ولا تزال فتية شهباء.. فعلينا: أنْ نستضيء بهذا التاريخ، في سيرنا الصَّاعد، ونفحص حوادثها بدقة بالغة، لنستنطق منها العِبر والتجارب.. ونتابع تلك الأحداث التي رافقت تفتُّح الإسلام، بنوع خاص، لأنّها حُجّة علينا بتقرير المعصومين، ولأنّها أثقل بالتجارب والعظات.. وكانت تشغل خواطر المسلمين -من أقدم عصور الإسلام - ذكريات قبل سواها، ويفجر شلالها هلال رمضان، لتبعث فيهم عزيمة غلباء). (حديث شهر رمضان؛ للسيد الشهيد السعيد)
معركة بدر هي الفرقان حقاً
ومعركة بدر الكبرى هي المعركة الأولى التي أرادها الله سبحانه، فقال: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال: 17)، وذلك لأن الصحابة الذين كانوا 313 فقط خرجوا طلباً للقافلة والعير بقيادة صخر بن حرب أبو سفيان، ليقتصوا بعض ما سرقته ونهبته قريش من أموالهم في مكة المكرمة، فخرجوا على غير هيئة الحرب والاستعداد لها، فكانوا لا خيول ولا سلاح لديهم بل بعضهم معه عصاه أو جريد من سعف النخل وكانوا ضعفاء وفقراء وجائعين وساروا أكثر من 170 كم حتى وصلوا إلى شقة بعيدة عن المدينة، ولكن الله سبحانه وتعالى أرادها معركة ليُعطي للمسلمين والمشركين والأجيال عبر العصور وكر الدهور درساً بليغاً مفاده (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران: 126)، و(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)
وهذه هي قواعد النصر والهزيمة في سنن الحق سبحانه وتعالى، وليس غيرها، نعم يتطلب منا أن نعدَّ العدة ونهيئ أسباب النصر على العدو من كل النواحي العسكرية والتدريبية والاحتياطات والمؤن وذلك بقوله تعالى: ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60)، فالإعداد الجيد مطلوب للأخذ بالأسباب والظواهر ولكن يبقى التوكل على الله في إنزال النصر على عباده المؤمنين كما فعل في معركة بدر حيث أنزل الله سبحانه ثلاثة آلاف من الملائكة، ليثبتوا المؤمنين، ويقاتلوا معهم الكافرين.
دور القيادة المُلهَمة
وهذه المعركة قادها رسول الله (ص) بكفاءة عسكرية راقية جداً، تلك القيادة المبدعة المُلهَمة في الحقيقة، وقد تنوَّعت وجوه الإبداع القيادي في تلك المعركة تحتاج منا لبحث مستقل، وحارب فيها بعض الأصحاب الكرام وأبدعوا حقاً حيث أراد الله سبحانه أن تكون فرقاناً مائزاً بين الحق والباطل، وبين الجاهلية والإسلام، وبين الاستضعاف والقوة المسلحة بالإيمان، فقال في وصفها: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنفال: 41)
فيوم الفرقان هو يوم بدر الكبرى، وجميل ما كتبه سماحة السيد الشهيد الشيرازي (رحمه الله) عن هذه المعركة الفاصلة بين عهدين عهد الجاهلية وما فيها من نقائص، وعهد الإسلام وما فيه من كمالات: (في السابع عشر من رمضان عام 2هـ، أحرز المسلمون أولى انتصاراتهم على الطغيان، في معركة بدر الكبرى، التي هي أولُ لقاءٍ مسلحٍ بين الإيمان والكفر، وأولُ تجربة قاسية، عاشت بين شيعة الحق وأشياع الضلال..
فلقد ثبتت الفئة المؤمنة، ثلاثة عشر عاماً، في أرجاء مكة، والعذاب يلفها، من احتشاد غلواء قريش، على خنق الإيمان في القلوب.. حتى هاجر النبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنون، من العذاب إلى المدينة، ليتخذوا منها قاعدة حريزة.. وقد كانت هجرتهم هذه، مبعث شماتة في صدور قريش، التي اعتبرتها ضعفاً وجبناً، مكللين بالهزيمة الشنعاء.. فيما، لم يكن هناك، ما يوحي بالضعف أو الهزيمة، لأنَّ المقاومة التي تؤدي إلى الانتحار في الظلام، دون تحقيق هدف -من قريب أو بعيد -لا تعتبر نصراً!.. والاختفاء من جانب، للظهور من الجانب الآخر، أقوى وأثبت، لا تسمى هزيمة!.. ولكنَّ قريش الغاشمة، كانت تلتمس الوقيعة في المسلمين، إنْ عزّ عليها الصدق فبالأكاذيب، فحسبها أنّها تنال من محمّدٍ فحسب، رغم أنه لم يفكر في الحرب، ولا تظاهر بالاشتباك المسلح، حتى لا يعدُّو انسحابه ضعفاً متجسداً في الهزيمة، خلسة أدراج الظلام، ولكن قريش الباغية، وجدتها فرصة سانحة للتهكم والسخرية، فأمعنت فيهما تنكيلاً بالرسول الجديد..
ولكنَّ الآن مضت سنتان، أثبتتا وجود المسلمين، فقد خلص لهم (يثرب) أو كاد، وظفروا بسيوف استطاعوا أنْ يردوا بها التطاول، وينددوا المعتدين بالحرب، إنْ دأبوا في عتوهم.. وها هم الآن يعترضون (ركب قريش) انتقاماً لتنكيلها بالنفر الباقين في مكة من المؤمنين.. وها هم الآن يقارعون التهديد بالوعيد، ويتصدون للتهكم بالتهكم، ويخاطبونهم، مخاطبة الند للند، لا مخاطبة العبيد للأسياد، كما كانوا بالأمس..
وبتضخم هذه المؤثرات، تطوّر الاشتباك بين المؤمنين والمشركين، من التنابذ والمناقضات الفردية، إلى الحرب الباردة.. فألبت قريش، جيوشها الضاربة، وفرزت زهاء ألف سياف إلى (المدينة) لتقضي على آخر مسلم فيها.. وشهر النبي (صلى الله عليه وآله) في وجوهها من لديه من مقاتلين..
ورغم أنَّ الفئة المؤمنة، كانت أقل عدَّة وعديداً، ولكنها قبلت التحدِّي، بلا تخاذل، فلها (إحدى الحُسنين) وإنْ فازت بالجنّة، فهي الأمل الذي هاجرت إليه، وإن كتب لها النصر، كان لها فخراً، لأنَّ الفخر للفئة المنتصرة، إذا تساوى الخصمان، فكيف إذا انتصرت الفئة القليلة، واندحرت الفئة الكثيرة؟!.. وشاء الله أنْ تكون هناك آية، في انتصار فئة قليلة، على فئة كثيرة بإذن الله... كما قال القرآن الكريم: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاس فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال: 26)
و(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال: 9)
و(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) (الأنفال: 12)
وشاء الله أنْ تَدمغ آيةُ الحق -مهما تضاءلت - آية الباطل- مهما تضخمت- لو كره المجرمون، فما النّصر إلاّ من عند الله العزيز الحكيم.. وشاء الله إذلال الأسياد الجبابرة، بأيدي تلك القلة، التي عاشت طويلاً، تهضم العذاب والإزدراء.. فأبو جهل -ذلك الطاغية- الذي صفع عبد الله بن مسعود، يوم سمعه يتلو كتاب الله، وهو يقول: حتى أنت يا رُويعِيَ الغنم ـ بعد أنْ صُرع في المعركة، ليلفظ أنفاسه الأخيرة، حملق بعينيه في شابّ، وضع نعله على رقبته، ليحزَّ رأسه، فنادى: من أنت؟ فأجاب عبد الله أنا رويعيَ الغنم! فرد الطاغية الحقير لقد ارتقيت مرتقاً صعباً، يا رويعي الغنم، أسرع وأجهز عليّ!!.
وأمية ـ الذي كان يكوي (بلال الحبشي) ويطرحه عارياً تحت الحديد على الرمضاء ـ هو الذي انتهى بسيف بلال، بعد أن أثخنه (معاذ) و (معوذ) من أصحاب رسول الله.. فما كان النّاس، يعتبرون المسلمين في مكة، إلا فئة متنصلة مستضعفة، لا تطيق حولاً، ثم أثبتت واقعة بدر: كيانهم المجيد، ومثلت الانتصار الساحق لهم، والإعلان الأول لثورة الإسلام، وشخصيته الاجتماعية، باستئصال المؤامرة الكبرى، ضد الإسلام، والرسول، والمسلمين). (حديث شهر رمضان؛ للسيد الشهيد السعيد)
معركة بدر عقدة قريش
وفعلاً الباحث في التاريخ الإسلامي يجد أن هذه المعركة التي أرادها الله تعالى بكل تفاصيلها وقادها الرسول بكل جرأة وبسالة وشجاعة وإبداع عسكري فريد، صارت عقدة لقريش مسلمها قبل كافرها، لأنها جعلت منها شمَّاعة تُعلق عليها كل مصائبها حتى جعلت ممَّن حضر قريش منزهاً معصوماً ليس بينه وبين الجنة إلا أن يغمض عينيه فاخترعوا الكثير من الأحاديث في فضل أهل بدر كروايتهم فيما يُسمُّنه الصحيح فقال (ص): (لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إلى أهْلِ بَدْرٍ؟ فقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ، فقَدْ وجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّةُ، أوْ: فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) (صحيح البخاري: ح3983 ومسلم: ح 2494 والحديث صحيح)
فاتخذوها ذريعة ليعصموا أهل بدر من الذنوب والمعاصي والأخطاء فكلهم مغفور له، ولا تقربهم النار حتى لو فعلوا كل المعاصي كما قال أحد العلماء: (إذا كان شرب البدري للخمر لا يضر، ولا يحتاجون للتوبة من الكبائر، فليكن الزنى حتى بالمحارم غير مضر لهم أيضاً، وكذلك تركهم الصلاة، وسائر الواجبات وغيرها!، وليكن أيضاً قتل النفوس كذلك، ولقد قتلوا عشرات الألوف في وقعتي الجمل وصفين، وقتلوا العشرات، سراً وجهراً، غيلة وصبراً، فإن ذلك كله لا يضرُّ، ولا يوجب لهم فسقاً، ولا عقاباً)، لأنهم من أهل بدر فقط وربما بعضهم لم يضرب بحجر فيها، بل لم يأت بشربة ماء لرسول الله (ص) عندما طلبها منه لأن رجلاه لا تحملاه من الشجاعة والبطولة.
وأما عقدة قريش الجاهلية فقد نسمعها أنهم مازالوا يذكرون بدراً ويبكون قتلاهم فيها إلى أن قتلوا الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه جميعاً وكان شعارهم لا تبقوا من أهل هذا البيت أحداً، بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص القرشي، وهذا ما أظهره عثمان لأمير المؤمنين حين قال له: (ما أصنع إن كانت قريش لا تحبكم، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين، كأن وجوههم شنوف الذهب، تصرع أنفهم قبل شفاههم). (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ٩ صفحة ٢٣)
وتغنى به حاكمهم وطاغيتهم يزيد الشر حين دخل عليه السبايا من آل البيت ويتقدمهم رأس الإمام الحسين (عليه السلام) على رأس رمح طويل فقال مأثوماً:
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً *** ثم قالوا: يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم *** وعدلناه ببدر فاعتدل
لست من خندف إن لم أنتقم *** من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل
فمعركة بدر صارت عقدة لقريش عبر العصور والدهور، فمَنْ شارك فيها من المسلمين جعلها له نجاة، وأما غيرهم من المشركين فصارت لهم عقدة حتى انتقموا وثأروا لقتلاهم السبعين الذين أُلقوا في قليب (بئر) بدر وكانوا من طغاة العرب وكبراء قريش لا سيما شيبة وعتبة والوليد وحنظلة وفرعون هذه الأمة أبو الجهل، وكثير غيرهم كما أنهم أُسر منهم سبعين وربطوا وسيقوا بالحبال إلى المدينة المنورة، والعجيب أنهم جميعاً لما رجعوا إلى مكة فالمقتول إذا سألوا مَنْ قتله يقال: علي بن أبي طالب.
والجريح الذي نجى بنفسه إذا سألوه مَنْ جرحك يقول: علي بن أبي طالب.
والأسير إذا سألوه مَنْ أسرك يقول: علي بن أبي طالب (عليه السلام) والمعروف أن أمير المؤمنين وهو أصغر القوم سناً قتل نصف القتلى (35) ولكنه لا يجرح، لأن ضرباته أوتاراً، إذا علا قدَّ، وإذا اعترض قطَّ، ولا يأسر أحداً فإما يقتله ويعجِّل به إلى جهنم، أو يعفو عنه ويتركه طليقاً.
تلك هي معركة الفرقان حقاً كما سمَّاها الله تعالى في محكم كتابه الحكيم هلا قرأناها من جديد ودرسناها بعيون بصيرة لنستفيد من دروسها الكثيرة في معركتنا الحضارية اليوم أيها الأحبة، ونحن في شهر العبادة والطاعة وشهر الانتصارات الكبرى كيوم بدر ويوم فتح مكة أيضاً؟؟
اضف تعليق