لا تخجل من طلبِ العلمِ أَبداً سواءً بالسُّؤَالِ أَو بالإِسترسالِ، بمعنى أَن تسأَل فتتعلَّم أَو أَن تُحاورَ فتتعلَّم، إِذ يلزمكَ أَن تُحاولَ اقتناصَ فُرصةَ العلمِ بأَيِّ حالٍ من الأَحوالِ، شريطةَ أَن تثِقَ بسلامتهِ وتتثبَّتَ من مصادرهِ. وهذهِ الصِّفةُ للعلمِ هي التي أَغلقت كُلَّ أَبوابَ الأَعذارِ...
{قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}.
إِنَّ من أَخطرِ الأَمراضِ التي يُصابُ بها المرءُ والتي تحولُ بينهُ وبينَ طلبِ العلمِ وزيادةِ المعرِفةِ وخسارةِ الحوارِ والنِّقاش والجدالِ، مَرضانِ؛
الأَوَّل هوَ الإِعتِدادُ بالنَّفسِ [خِداعُ الذَّاتِ] عندما يظُنُّ أَنَّهُ امتلأَ عِلماً فباتَ يعرِفُ كُلَّ شيءٍ فلا داعي، إِذن، لأَن يتعلَّمَ المزيدُ، وهو الأَمرُ الذي يدفعهُ للتكبُّرِ على العلمِ والعُلماءِ.
يقُولُ تعالى {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}.
ويقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِه أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِه}.
الثَّاني؛ هوَ الإِستهزاءُ بالعلمِ لضَعفِ قُدرتهِ على الإِستيعابِ، فكلَّما فشلَ في فهمِ رأيٍ أَو فكرةٍ استهزأَ بها وسخِرَ من صاحبِها.
فالإِستهزاءُ والتَّقليلُ من شأنِ الفكرةِ دليلُ جهلٍ كما يصِفُهُ القرآن الكريم بقولهِ تعالى {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} وقولهُ عزَّ مِن قائلٍ {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} وقولهُ {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ* إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ* فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ}.
وإِنَّ سلاحَ المُواجهة لهذَينِ الخطرَينِ هو الصَّبرُ، الصَّبرُ على التَّعلُّمِ وعلى العلمِ لحينِ الوقُوفِ على حقيقتهِ ما إِذا كانَ سليماً أَم لا؟! وما إِذا كانَ جديداً يستحقُّ أَن تعرفهُ أَم لا؟!.
إِنَّ في قصَّةِ الحوارِ الذي دارَ بينَ نبيَّ الله موسى (ع) والعبدُ الصَّالحِ [الخِضرُ (ع)] معاني بليغةٌ يلزم الإِلتفات إِليها بهذا الصَّددِ؛
يقولُ تعالى {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا* قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا* قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا* وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}.
١/ إِنَّ معيار العِلم لا يتحدَّد بالمَوقعِ والمكانةِ الإِجتماعيَّة أَو بالسِّنِّ القانوني أَو بأَيِّ شيءٍ آخرَ، أَبداً، فالمعيارُ هوَ السَّعي وراءَ طلبِ العلمِ والمعرفةِ للإِستزادةِ فقط من أَجلِ المزيدِ من الوعي لبناءِ الشَّخصيَّةِ السَّليمةِ ولتحقيقِ حياةٍ حرَّةٍ كريمةٍ {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} وقولُ الصَّادقِ (ع){كانَ فيما وعظَ لُقمانُ ابنهِ، أَنَّهُ قالَ لهُ؛ يا بُنيَّ اجعَل في أَيَّامِكَ ولَيالِيكَ وسَاعاتِكَ نصِيباً لكَ في طلَبِ العِلمِ، فإِنَّك لن تجدَ لهُ تضييعاً مثلَ ترْكهِ}.
يقُولُ تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}.
أَرأَيتَ البعضُ! فبمجَّردِ أَن قرأَ كتاباً أَو حضرَ درساً أَو اغتنمَ فُرصةَ حِوارٍ تراهُ يشمخُ بأَنفهِ وكأَنَّهُ قبضَ على ناصِيةِ العلمِ بِلا مُنازعٍ فيجلُسَ مجلِسَ العُلماءِ في وسائلِ التَّواصُلِ الإِجتماعي يُناقِشُ هذا ويردُّ على ذاكَ ويتَّهِمُ ثالث ويطعنُ برابعٍ ويُفسِّقُ خامسٍ ويتحكَّمُ بالجنَّةِ والنَّارِ وكأَنَّهُ قسيمُها وخازِنُها!.
المرءُ بحاجةٍ مُستمرَّةٍ للتعلُّمِ حتَّى آخرَ لحظةٍ من حياتهِ قادِرٌ على توظيفِها لطلبِ العلمِ، أَلم يقُل رسولُ الله (ص) {أُطلبُوا العِلمَ مِنَ المهدِ إِلى اللَّحدِ}؟! فلماذا نتوقَّف عن طلبِ العلمِ بمُجرَّد أَن يتقدَّم بنا العُمر؟! حتَّى أَنَّ بعض الشَّباب يُجيبكَ إِذا سأَلتهُ عن سببِ توقُّفهِ عن طلبِ العلمِ والمعرِفةِ [عُگُب ما شاب ودُّوا للكُتَّاب] وهو بعدُ لم يبلُغ العقد الثَّالث من عمُرهِ!.
أَقُولُ لهؤُلاء؛ أَنَّ المَوتَ فقط هو الحائلُ الوحيدُ بينكُم وبينَ طلبِ العلمِ، فاجتهدُوا في طلبهِ قبلَ فواتِ الأَوانِ، فـ {قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُه} كما يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع).
٢/ ولكي تستمرَّ في طلبِ العلمِ يلزم أَن تتسلَّح بالصَّبرِ ومِنَ الصَّبرِ التَّواضُعِ، خاصَّةً في طلبِ علمٍ جديدٍ لم يسبَق لكَ أَن طرقتَ بابهُ، ولم تخُض غِمارهُ من قبلُ أَو تعرِف كُنهَ خِبرتهُ فهو غريبٌ عليكَ بعضَ الشَّيءِ ولذلكَ قد تشعُر بالمللِ مثلاً أَو الغَرابةِ والغُربةِ أَو ثِقلِ الحديثِ، ولذلكَ يلزم أَن تصبِرَ حتَّى تستوعِبهُ.
إِنَّكَ إِن لم تنسجِم بإِرادتِكَ مع مثلِ هذا النَّوعِ من العلمِ والمعرِفةِ فليسَ بوسعِ أَحدٍ أَن يقنعكَ بهِ أَو يُحمِّلكَ إِيَّاهُ، فالرَّغبةُ والإِندفاعُ الذَّاتي أَوَّلاً ثُمَّ تأتي بعدَ ذلكَ المُرغِّبات والمُشوِّقات كعوامِلَ ثانويَّة.
يقُولُ تعالى {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.
٣/ لا تخجل من طلبِ العلمِ أَبداً سواءً بالسُّؤَالِ أَو بالإِسترسالِ، بمعنى أَن تسأَل فتتعلَّم أَو أَن تُحاورَ فتتعلَّم، إِذ يلزمكَ أَن تُحاولَ اقتناصَ فُرصةَ العلمِ بأَيِّ حالٍ من الأَحوالِ، شريطةَ أَن تثِقَ بسلامتهِ وتتثبَّتَ من مصادرهِ.
يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {كُلُّ وِعَاءٍ يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيه إِلَّا وِعَاءَ الْعِلْمِ فَإِنَّه يَتَّسِعُ بِه}.
وهذهِ الصِّفةُ للعلمِ هي التي أَغلقت كُلَّ أَبوابَ الأَعذارِ التي يتحجَّج بها الفاشلُونَ والجاهلُونَ والمُتخلِّفُونَ لتبريرِ حالهِم التَّعيس، فلَو كانَ وعاءُ العلمِ مُحدَّدٌ بزمانٍ ومكانٍ وأَحجامٍ لهربَ المُقصِّرونَ من تحمُّلِ مسؤُوليَّةِ واقعهِم المريضِ وذهبُوا بها عريضةً.
اضف تعليق