الفقير دينيا غالبا تجده مصابا بالقلق، ويحيط به الخوف على حياته، وأفراد عائلته، حاضرا ومستقبلا، لكنه في نفس الوقت لا يعرف لماذا هو خائف، ومن أي شيء يخاف بالضبط، وهذه المجهولية تزيد من حالة الاضطراب لديه، فالذي يخاف من شيء يعرفه يمكن أن يفكر في نوع من المكافحة والمعالجة والخلاص منه...
توجد في حياتنا روادع معروفة، بعضها قانوني، والآخر عُرفي، وهناك الرادع الشرعي الديني أيضا، هذه الروادع تسعى لضبط شخصية الإنسان، وتنظيم تفكيره، وتقويم سلوكياته المختلفة كونه ليس الوحيد في هذا العالم، فهناك كائنات بشرية وغيرها تتقاسم معه هذا الكوكب، ولها حقوق عليه، مثلما له حقوق عليها.
هذا التداخل في الحقوق والواجبات تجاه الذات والآخرين، أكّدَ الحاجة للروادع التي تنظِّم تفكير وسلوك الإنسان والسيطرة على غرائزه، بشكل متوازن، بعيدا عن حالة انفلات الغرائز أو قمعها بشكل تام، والدين وضعه الله تعالى لكي يشرف على عملية الموازنة بين انفلات الغرائز وقمعها، فلا انفلات ولا قمع، بل وسطية ينظمها الدين بمساعدة الروادع الأخرى كالعُرف الاجتماعي، والقوانين الوضعية كما ذكرنا سابقا.
ماذا يحدث إذا افتقر الإنسان للدين؟
إذا كان الإنسان لا يؤمن بالدين، ومنغمس في دوّامة الحياة المادية، ماذا سيجري له، وهذا الفقر الديني كيف سينعكس على حياته؟، هذه أسئلة جوهرية يمكن أن تساعد الناس على إيجاد الأجوبة التي تجعل حياتهم أفضل، وإذا أردنا أن نقارن بين إنسان مصاب بفقر الدين، وآخر يتنعّم بنعمة الدين، فإن الإجابة يمكن أن نراها في واقعنا، ونجدها عند الناس الذين يتحركون من حولنا في عالم الحركة اليومية.
الفقير دينيا غالبا تجده مصابا بالقلق، ويحيط به الخوف على حياته، وأفراد عائلته، حاضرا ومستقبلا، لكنه في نفس الوقت لا يعرف لماذا هو خائف، ومن أي شيء يخاف بالضبط، وهذه المجهولية تزيد من حالة الاضطراب لديه، فالذي يخاف من شيء يعرفه يمكن أن يفكر في نوع من المكافحة والمعالجة والخلاص منه، ولكن الذي يخاف شيئا مجهولا يكون اضطرابه أشدّ وآلامه مضاعفة.
المكتمل دينيا إنسان مستقر نفسيا وروحيا، يعيش الاستقرار بأقوى درجاته، لماذا؟، لأنه ببساطة يؤمن بالله وعنده دين يضيء له دروب الحياة المختلفة، ويفتح له أبواب الفكر والسلوك الصحيح، ويغلق أمامه أبواب الشر والحرام، وفي نفس الوقت يترك له الحرية في فتح هذه الأبواب والدخول في العالم الذي يفضله على سواه.
لكن الإنسان الممتلئ بالدين غالبا لا تغريه أبواب اللذات المحرّمة، ولا تعنيه أبواب المال الحرام، ولا الرشوة ولا الاختلاس حتى لو كان مباحا له، إن ما يغري الإنسان المتدين بشكل حقيقي هو البقاء على حالة الاستقرار النفسي والإيمان، وضمان حياة مستقرة متوازنة له ولأفراد عائلته، ويطمح أيضا باستقرار البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها من خلال تقديم النصح للآخرين وتنوير دروبهم، لاسيما إذا كانوا من الناس المضطربين التائهين المتأرجحين بين عالم الروح وعالم المادة أو الجسد.
الشعور بالضمان الديني
إن أشقّ وأصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان في حياته حالة الضياع التي يعيشها بسبب فقدانه للدين والإيمان، لأن هذه الحالة سوف تسحبه إلى عوالم لا ضوء فيها ولا طريق واضح ولا حاضر مضمون ولا مستقبل يمكن تأمينه لنفسه أو لأفراد عائلته، وأكثر شيء قسوة في حياة الإنسان عندما يكون خائفا من الحاضر ويائسا من المستقبل.
وحالة اليأس من المستقبل والخوف من الحاضر هي صفة تلاصق الفقراء دينيا، الواقع يؤكد لنا عند دراسة حالات بعض الأشخاص، الذين عاشوا التيه والضياع ثم اهتدوا إلى الصواب والاستقرار، حدث هذا لهم حين افتقروا للدين، ثم أسعفهم الحظ أو العقل أو أحد المؤمنين ليسحبهم من متاهة اللا دين واللا إيمان إلى حقيقة الاستقرار النفسي والاطمئنان، والشعور بالضمان الديني والإلهي لحاضرهم ومستقبلهم.
خطير جدا ذلك الشعور بعدم الانتماء للآخرين، وهذا لا يحدث إلا للفقراء دينيا، فالضائعون التائهون هم وحدهم من يغطّ في عزلة عن الناس، يعيش في حالة خوف منهم، وقد يبلغ به الأمر إلى كراهية الآخرين دونما سبب يُذكَر، فهو ناقم على نفسه وذاته لأنه لا يعرف كيف يعيش ولا يعرف ماذا يريد، لأنه متأرجح بين الواقع والضياع.
الخلاص موجود أمامه لكنه لا يراه، بسبب فقدانه للإيمان، ورفضه للغنى الديني الذي ينقذه من حالة التيه، ويأخذ بيده إلى مرفأ السلام والاستقرار، لهذا على الإنسان الذي يعرف أنه في حيالة تنافر مع العالم، وأنه شخص فاقد للأمل، وخائف ومضطرب، ولا يعرف السبب، فعليه أن يعالج حالة الفقر الديني المصاب بها.
ولعل هذا الشهر الكريم من أعظم الفرص التي تُتاح لأولئك الفقراء دينيا، فيجدون في أجواء شهر رمضان فرصة سانحة ومناسبة للولوج في عالم الدين الرحيب، حيث الأمان والاطمئنان والسعادة والاستقرار، والتوسط بين الحقوق والواجبات، والتخلص من حالات الاغتراب والتيه والاضطراب إلى الأبد.
اضف تعليق