استقبل المسلمون في أنحاء العالم، شهر رمضان المبارك، هذا العام ايضاً في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية الكبيرة، التي اثرت وبحسب بعض المصادر سلباً على حياة الناس، خصوصا وان العديد من الدول العربية والاسلامية قد سعت الى تشديد اجراءاتها الصحية...
استقبل المسلمون في أنحاء العالم، شهر رمضان المبارك، هذا العام ايضاً في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية الكبيرة، التي اثرت وبحسب بعض المصادر سلباً على حياة الناس، خصوصا وان العديد من الدول العربية والاسلامية قد سعت الى تشديد اجراءاتها الصحية للحد من انتشار الفيروس وفرض اجراءات التباعد والعمل على تقليل التجمعات ومنع الحفلات والزيارات العائلية. ويرى بعض المراقبين ان شهر رمضان لهذا العام ربما سيكون أشد قسوة من العام الماضي، بسبب ارتفاع اعداد الاصابات و تفاقم معاناة الكثير من العوائل العاجزة عن تدبير متطلبات الحياة، بعد أن فقد الكثير وظائفهم بسبب الجائحة، وفي ظل حالة كساد تعاني منها معظم الاقتصادات في العديد من الدول الإسلامية.
وهو ما اثر على الاجواء الخاصة التي يتميز بها شهر رمضان عند المسلمين، حيث يعرف شهر رمضان المبارك وكما نقلت بعض المصادر في العديد من الدول الإسلامية، بأنه شهر الولائم العائلية، وتجمعات الأهل والأقارب، وكذلك الشهر الذي يتجمع فيه المسلمون بأعداد كبيرة، لأداء صلاة الجماعة وغيرها من الفرائض الاخرى المستحبة، وكلها عادات وعبادات يبدو أنها لن تجد لها نصيبا هذا العام أيضا.
وقد حرصت منظمة الصحة العالمية، على تنبيه المسلمين إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر، في ظل استمرار مخاطر انتشار الفيروس، وضمن إرشادات أصدرتها تتعلق بالممارسات الرمضانية، أكدت المنظمة على ضرورة الأخذ بتدابير التباعد البدني، الواجب اتباعها أثناء الصلاة، والإفطار الجماعي، والعُمرة، وغيرها من الفعاليات الاجتماعية أو الدينية.
رمضان وكورونا
بدأ شهر رمضان في ظل جائحة كوفيد-19 التي حصدت أرواح مليون شخص في أوروبا. وسيمضي المسلمون شهر رمضان، في ظل قيود صحية ومخاوف من إصابات جديدة. ففي مصر أكثر دول العالم العربي تعدادا للسكان مع أكثر من مئة مليون نسمة، انطلق شهر رمضان. وقد انشغل سكان القاهرة بالقيام بمشترياتهم تحضيرا لهذا الشهر الكريم مهملين وضع الكمامات أو التباعد الاجتماعي. وعرضت الكثير من المتاجر فوانيس رمضان في الأحياء.
وفي تونس حيث جرى شهر رمضان العام الماضي وسط الإغلاق العام، اضطرت الحكومة هذه السنة إلى العودة عن قرار تمديد حظر التجول ليبدأ عند الساعة 19,00، وفرضته اعتبارا من الساعة 22,00 بسبب موجة احتجاجات. وأوضحت سميرة خليفي (45 عاما) "عادة بعد الصوم نذهب إلى المدينة القديمة في تونس وإلى بلدة سيدي بوسعيد نتنزه ونتبادل الدعوات ويركض الأولاد في الشارع" وأضافت الرسامة "لكن هذه السنة لن يتسنى لنا سوى القيام بجولة قصيرة، سيكون الأمر حزينا". وفي المغرب اتخذت إجراءات قبل فترة قصيرة لمناسبة شهر رمضان منها تمديد حظر التجول ومنع الاحتفالات والتجمعات.
ويحل شهر رمضان على سوريا بعد شهر من دخول النزاع الدامي فيها عامه العاشر، فيما تشهد البلاد أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ اندلاعه، مع تسارع تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار في السوق السوداء، وارتفاع الأسعار بمعدلات قياسية، وأزمة محروقات حادة باتت تحد من القدرة على التنقل في مناطق سيطرة الحكومة. ولم تُعلن الحكومة السورية عن أي إجراءات جديدة وسمحت وزارة الأوقاف بإقامة صلاة التراويح ضمن المساجد مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية للتصدي لفيروس كورونا، من خلال التعقيم والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات.
وأدّى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلى استغناء عائلات كثيرة عن عادات رمضانية، مثل شراء معمول الفستق الحلبي. ويقول كيان مُحسن، وهو ربّ لعائلة مؤلفة من ستة أفراد، "كنا نستمتع بعادات شهر رمضان وطقوسه الخاصة، لكن اليوم همومنا أكبر منّا، ونحن مضطرون لمضاعفة ساعات عملنا كي نستطيع مواكبة حاجيات رمضان الأساسية". ويوضّح على سبيل المثال "كنا نشتري الناعم (أكلة حلو شعبية رمضانية) كل يوم، لكن هذه السنة ربما نتمكن من شرائه مرة واحدة في الأسبوع". بحسب فرانس برس.
وفي عمان أكدت ريما قبلان "بالتأكيد رمضان لن يكون مثل السنوات السابقة، لا لقاءات عائلية ولا صلوات في المسجد كما في السابق ولا خيام رمضانية ولا موائد رحمان ولا سهر وسحور في الشوارع حتى ساعات الصباح الباكر". وأعلنت السلطات السعودية مطلع نيسان/أبريل أن وحدهم الأشخاص الذين تلقوا اللقاح المضاد لفيروس كورونا سيسمح لهم بتأدية مناسك العمرة.
العمرة والصلاة
على صعيد متصل طاف معتمرون محصنون ضد فيروس كورونا حول الكعبة في مكة خلال ادائهم مناسك العمرة لشهر رمضان وهم يضعون الكمامات ويتبعون مسارات محددة تراعي التباعد الاجتماعي. وتجذب العمرة التي يمكن أداؤها في أي وقت طوال العام، ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم كل عام ولكن تم تعليقها في آذار/مارس 2020 في إطار إجراءات احترازية غير مسبوقة اتُخذت للحد من تفشي الجائحة.
وتمنح تصاريح أداء العمرة والصلاة في المسجد الحرام خلال رمضان فقط لمن تلقوا لقاحا مضادا لفيروس كورونا، وفق ما أعلنت وزارة الحج والعمرة السعودية في وقت سابق. وحددت الوزارة المحصنين بثلاث فئات، من حصل على جرعتين من لقاح فيروس كورونا أو من أمضى 14 يوما بعد تلقيه الجرعة الأولى من اللقاح أو متعاف من الإصابة. وأدت هذه الاجراءات الى رفع الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام خلال رمضان الى 50 ألف معتمر و100 ألف مصل في اليوم، وفق وسائل اعلام رسمية.
ولم يكن واضحا ان كانت هذه الاجراءات التي تأتي وسط ارتفاع أعداد الإصابات بالفيروس في المملكة يمكن أن تمتد الى موسم الحج السنوي في وقت لاحق هذا العام. وفي أواخر تموز/يوليو العام الماضي سُمح لعشرة آلاف شخص من داخل المملكة بأداء شعائر الحج الذي يعد من اركان الاسلام الخمسة، في حين شهد عام 2019 أداء نحو 2,5 مليون حاج الفريضة. وسجلت السعودية بالاجمال أكثر من 400 ألف اصابة و6,700 وفاة بفيروس كورونا. وقدمت المملكة التي يبلغ عدد سكانها نحو 34 مليونا أكثر من خمسة ملايين لقاح حتى الآن.
من جانب اخر توافد عشرات الآلاف على المسجد الاقصى في أول جمعة من شهر مضان لاداء الصلاة فيه، في أكبر حشد من نوعه منذ انتشار جائحة كوفيد في 2020. وقال الشيخ عزام الخطيب مدير عام أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى "صلى اليوم سبعون ألفًا في أول صلاة جمعة من رمضان". وجاء المصلون من القدس ومن الضفة الغربية المحتلة وكذلك من البلدات والمدن العربية داخل إسرائيل.
ونشرت الشرطة الاسرائيلية قوات كبيرة منذ ساعات الصباح الباكر في منطقة القدس الشرقية المحتلة وأزقة البلدة القديمة وأغلقت محاور الطرق. وقالت الشرطة في بيان إنها اتخذت هذه الإجراءات "بهدف السماح بحرية ممارسة الطقوس الدينية لعشرات آلاف المسلمين الذين وصلوا لأداء الصلاة وبهدف الحفاظ على النظام العام وتنظيم حركة المرور". وفرضت اسرائيل في العام الماضي قيودا صارمة تزامنت مع بدء شهر رمضان ومنعت المصلين من الوصول الى المسجد الاقصى مع منع التجمعات لاحتواء الوباء.
ويأتي السماح بالصلاة في الأقصى بعد حملة تطعيم واسعة شملت أكثر من نصف سكان إسرائيل بمن فيهم سكان القدس الشرقية الفلسطينيون. وتحتل إسرائيل الشطر الشرقي من المدينة منذ 1967 وتعتبر القدس بشقيها عاصمة لها وهو ما لا يعترف بها القانون الدولي. وسمحت اسرائيل لعشرة آلاف فلسطيني من الضفة الغربية تلقوا اللقاح ضد كوفيد بالمجيء للصلاة، وفق مكتب التنسيق الحكومي الاسرائيلي التابع لوزارة الدفاع الاسرائيلية.
وفي باحات المسجد، افترش المصلون نساء ورجالاً السجاجيد للصلاة، وعند انتهائها لفوها ووضعوها على اكتافهم وغادروا المسجد. وقال داود سلهب ذو اللحية البيضاء الكثيفة وهو من سكان القدس الشرقية إن السماح بالصلاة في الأقصى "يوم ذهبي". وقال مجد أبو مياله (27 عاما) المقيم أيضا في القدس إنه تلقى اللقاح ضد فيروس كورونا الذي ساعد في خفض معدلات العدوى في إسرائيل. لكن عمته المقيمة في رام الله لم تحصل على تصريح للمجيء. وأضاف "في كل عام في رمضان تدخل القدس للصلاة. لكن ليس هذا العام. كان الامر صعبا. طلبوا منها أن تحصل على تصريح".
واشار الشاب أشرف شويكي وهو من القدس أيضا إلى أنه وجد "صعوبة في الوصول إلى المسجد بسبب حواجز الشرطة الكثيرة". وأعادت إسرائيل أعدادا كبيرة من المعابر العسكرية لعدم حملهم تصاريح للدخول القدس. وقال أبو محمد الذي قدم من الخليل إلى معبر بيت لحم: "لقد حصلت على التطعيم وعمري أكثر من 65 سنة، لكنهم أعادوني ولم يقولوا السبب". وقال مصطفى أبو صوي من إدارة الوقف إن عدد المصلين هذا العام كان الأكبر منذ بدء الجائحة، لكنه أقل بكثير من السنوات التي سبقت. بحسب فرانس برس.
وطُلب من المصلين الحفاظ على التباعد الاجتماعي في باحات المسجد. ولكن في الداخل، قال محمد وهو طبيب في الرابعة والثلاثين من عمره "اليوم صلى أحدنا بجانب الاخر". وقال خطيب المسجد الاقصى الشيخ عمر الكسواني "اتخذنا جميع الاحتياطات والاجراءات الوقائية بتعقيم الساحات بعد كل صلاة خشية من عدوى كورونا وهناك مجموعات من الكشافة تقوم بتنظيم صفوف المصلين".
رسالة بايدن
الى جانب ذلك وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن وزوجته جيل "أحر التحيات" و"أطيب التمنيات" إلى المجتمعات المسلمة في الولايات المتحدة وحول العالم، بمناسبة حلول شهر رمضان، مستخدما عبارات مثل "رمضان كريم" و"إن شاء الله" بالعربية، كما استشهد بآية من القرآن الكريم.
وقال بايدن: "نتذكر مدى صعوبة هذا العام فيما يبدأ عدد كبير من إخواننا الأمريكيين الصوم. لا يستطيع الأصدقاء والأحباء أن يجتمعوا معا للاحتفال واللقاء في ظل هذا الوباء، وستجلس عائلات كثيرة لتناول الإفطار بدون أحبائهم الذين فقدوهم".
وأضاف: "لكن مع ذلك، تبدأ مجتمعاتنا المسلمة هذا الشهر بأمل متجدد. سيركز كثيرون على تعزيز وعيهم بوجود الله في حياتهم وإعادة تأكيد التزامهم بخدمة الآخرين التي يفرضها عليهم إيمانهم والتعبير عن امتنانهم للبركات التي يتمتعون بها، ألا وهي الصحة والرفاه والحياة نفسها". وأكد بايدن أن المسلمين الأمريكيين "أثروا بلادنا منذ تأسيسها". وقال: "لكن مع ذلك، لا يزال المسلمون الأمريكيون هدفا للتنمر والتعصب وجرائم الكراهية. هذا التحيز وهذه الهجمات ليست إلا أعمالا خاطئة وغير مقبولة ويجب أن تتوقف. لا ينبغي أن يعيش أحد في الولايات المتحدة في ظل الخوف من التعبير عن إيمانه، وستعمل إدارتي بلا كلل لحماية حقوق كافة الناس وسلامتهم".
وأشار بايدن إلى أنه أنهى في أول يوم من رئاسته حظر السفر الذي فرضه سلفه دونالد ترامب على مواطني بعض الدول الإسلامية. وأكد بايدن أنه سيواصل "الدفاع عن حقوق الإنسان في كل مكان، بما في ذلك للأويغور في الصين والروهينغيا في بورما (ميانمار) والمجتمعات المسلمة في مختلف أنحاء العالم". وقال بايدن: "فيما نتذكر من فقدناهم منذ رمضان الماضي، نأمل أن تكون الأيام المقبلة أكثر إشراقا. يذكرنا القرآن الكريم بأن ”الله نور السماوات والأرض“ ويخرجنا من الظلمة إلى النور". وأضاف: "ستقام احتفالاتنا في البيت الأبيض بشكل افتراضي في رمضان هذا العام، إلا أن زوجتي جيل وأنا نتطلع إلى استئناف الاحتفال بالعيد في البيت الأبيض بشكل مباشر وجهاً لوجه العام المقبل إن شاء الله. نتمنى لعائلاتكم شهرا ملهما وكريما".
اضف تعليق