كعادتنا نترقب كل عام هلال شهر رمضان المبارك، وكالعادة أيضاً تعلن بعض الدول رؤية الهلال في حين أن دولاً أخرى تعلن رؤية الهلال في اليوم التالي. ونشهد الخلاف نفسه بين فقهاء المذاهب الإسلامية. والراجح لدى الكثير من العلماء أنه لا عبرة باختلاف المطالع لقوة الدليل...
كعادتنا نترقب كل عام هلال شهر رمضان المبارك، وكالعادة أيضاً تعلن بعض الدول رؤية الهلال في حين أن دولاً أخرى تعلن رؤية الهلال في اليوم التالي. ونشهد الخلاف نفسه بين فقهاء المذاهب الإسلامية.
والراجح لدى الكثير من العلماء أنه لا عبرة باختلاف المطالع لقوة الدليل القائل بعدم الاختلاف ولأنه يتفق مع روح الشريعة الغراء ويوائم ما قصده الشارع الحكيم من وحدة المسلمين فهم يصلون إلى قبلة واحدة ويصومون شهراً واحداً ويحجون إلى مكانٍ واحد. على أن هذا الرأي الراجح لا يلغي الرأي الآخر ولا يسوّغ للآخرين أن يعيبوا عليه.
فعلماء الشريعة يتفقون على جواز الرؤية من خلال المراصد بينما يختلفون في الحسابات الفلكية، بحكم أنها ليست حديثة بل كانت قبل مجيء الإسلام ولم يعتبر الشرع لاعتبارات ظاهرة وأخرى قد نجهلها. إن تنبؤات الفلكيين في المدة الأخيرة اختلفت مع بعضها البعض وذلك لحدوث تراكم من حالة اليأس لدى هؤلاء الفلكيين من عدم إتباع أغلب الدول العربية لحساباتهم وتنبؤاتهم، فأصبح جزء منهم يحور هذه الحسابات لتتناسب مع الواقع، وأغلب الواقع يتم إثبات الشهر مبكراً مع حدوث الاقتران للشمس والقمر وليس مع رؤية الهلال.
إن الذي أثبتهُ الواقع وشاهده الناس عبر حياتهم أن الهلال عند ظهوره قد يُرى في سماء بعض البلاد بعد غروب الشمس ولا يُرى في بلاد أخرى إلا في الليلة التالية إذ قد تكون الرؤية متيسرة في بعض الأقطار ومتعسرة في بعض آخر، ومن هذا الواقع يصبح اختلاف مطالع الأهلة أمراً واقعياً وظاهرةً مستمرةً لا جدال فيها؛ غير أن من خالف هذا القول قد نظر للمسألة من زاويةٍ أُخرى أكثر تعميماً وهي أنه قد أجمع المسلمون على أن طلب رؤية هلال رمضان واجب كفائي وليس فرض عين فيكفي أن يلتمسه بعض المسلمين لتتحقق الرؤية ويبدأ رمضان لأن الله تعالى ربط بين رؤية الهلال وبدء الصيام فقال الله سبحانه (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (سورة البقرة 185)، وبيّن الرسول (ص) ذلك بقوله في الحديث المتفق عليه (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) والخطاب لعموم الأمة لذلك كان لزاماً على سائرها أن يصوموا بثبوت رؤية الهلال في أي بُقعة من البقاع. ومن هنا اختلفت كلمة الفقهاء.
المرء يتفهم جيداً أن تختلف بدايات أي شهر عربي بين بلد وبلد إسلامي بعيد مثل باكستان مثلا، ولكن العجيب هو هذا التخالف، ولا أقول الاختلاف بين الدول العربية المتلاصقة وأسأل:
ماذا يعني هذا... !؟ هل قوّة إبصار أهل غرب الأردن أقوى من شرق الأردن؟ أم أنّ القمر في دورته العربية العجيبة يمر بفلسطين أولا ثم يميل إلى العراق ويعود بعدها إلى الأردن؟ ! أم أنه يهلّ على مصر ثم يخطف رجله للجزائر ليعود في اليوم التالي للمغرب كالشمس التي كانت ـ تزاور ـ عن أهل الكهف في سباتهم العميق الطويل؟ ولعل الاختلافات العربية وحساسيتها الصغيرة قد فعلت المستحيل فأصابت دورة القمر الفلكية بالخلل الشديد...
هل وصل بنا العند والتفكير إلى هذا الحد...؟ والبعض يطلب قمراً صناعياً إسلامياً (بالذات) !لتحديد بدايات الأشهر العربية، وهذا عجيب، فالأقمار تحلق في فضائنا بالمئات وأصغرها قادر على أن يقدّم لنا بيانات ببدايات شهورنا القمرية لمدة خمسين عاما مقبلة ! ولكن يبدو أنّ هذا حرام، فهي ليست أقماراً ''إسلامية''.
فما هو القمر الإسلامي؟ ! أقصى ما يمكننا هو جمع تكاليفه ولكن من اخترع وصمّم وأنشأ هذه الأقمار؟ ! هل هم إسلاميون؟ العلم يا ناس لا وطن له ولا دين ولكن لمن نقول هذا؟ !
ورغم اشتراك جميع الدول الإسلامية في جزء من الليل، إلا أنّ هناك فتاوى بالصوم والإفطار حسب الطلب وتبعاً للعلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء بين الدول ولذلك لن يكون عجباً أن نرى بعد ذلك بعض الدول التي تصوم في ذي القعدة أو حتى ذي الحجة تبعاً لفتوى أو رؤية هلال... كل هذا الضياع والخلاف ونجد من ينادي بتوحيد المقامات الموسيقية على مستوى الدول العربية والإسلامية حتى يكون هناك وحدة في اللحن والنغم.
وربما ينجحون في هذا المسعى وقد نجحوا في تحديد مواعيد بدء ونهاية البطولة العربية وتصفيات القارات وكأس العالم في كرة القدم ولكنهم فشلوا في تحديد أول أيام رمضان وأول أيام عيد الفطر.
وممّا لا شك فيه أنّ هذا الضعف قد عانينا منه أهوالا وشدائد على مرّ التاريخ مثل الأندلس وشرق أوروبا وضياع فلسطين وتقسيم السودان وتمزيق ليبيا وما يحدث الآن في سوريا واليمن... وكل هذه الأزمات والخلافات تحدث بسبب ضعف الخلق وحب الدنيا والبعد عن رجاحة العقل وسيطرة الفكر المتطرف الذي يقوده شيوخ ودعاة الفتن الذين يأتمرون بأوامر الغرب وأمريكا.
وانطلاقاً من روح الشريعة، نقول إن شهر رمضان شهر عبادةٍ وتقرب إلى الله تعالى، علينا أن نسرع الخطى لإزالة هذه الجفوة القائمة بين قادتنا وعلمائنا من أجل خير هذه الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس، حينما نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر. وأعتقد أن الوقت حان أكثر من ذي قبل إلى أن يتخذ علماؤنا موقفا موحدا يهدف في روحه ومعناه إلى تحقيق أغراض الشارع الحكيم من تعاليمه وسننه.
خلاصة الكلام: نتمنى أن نرى اليوم الذي نصوم فيه معاً، ونحتفل بالعيد معاً وقبل أن يصبح شهر الفوازير ـ أقصد رمضان ـ مقتصراً على المسلسلات والبرامج والأفلام و الأغنيات.
اضف تعليق