تتمتع العلاجات التي تركز على تغيير السلوكيات بنفس درجة فاعلية العلاجات التي تعتمد على تغيير الأفكار في التعامل مع الاضطرابات المزاجية المدمرة، اذ يعاني ما يقرب من 350 مليون شخص حول العالم من الاكتئاب، بإمكان المعالجين استخدام العديد من الأساليب المختلفة لتقديم المساعدة، ولكن...
بقلم: ديزي يوهاس
يعاني ما يقرب من 350 مليون شخص حول العالم من الاكتئاب. بإمكان المعالجين استخدام العديد من الأساليب المختلفة لتقديم المساعدة، ولكن الأدلة والبراهين العلمية القوية لا تدعم أيًّا من هذه الأساليب كما تدعم العلاج المعرفي السلوكي. فهذا الأسلوب -الذي يعتمد على التغيير الداخلي للتفكير ثم التغيير الخارجي للسلوك- يركز بصفة أساسية على أنماط التفكير وتدريب المرضى على التعرف على التفكير الإشكالي وإعادة وضعه في إطار جديد. لكن الآن أصبح لدى خبراء الصحة النفسية خيار آخر؛ إذ ثمة أدلة متزايدة تشير إلى أن أسلوب العلاج المعروف باسم التفعيل السلوكي على نفس درجة فاعلية العلاج المعرفي السلوكي.
يتميز أسلوب التفعيل السلوكي بأنه يعتمد على التغيير الخارجي أولًا ثم التغيير الداخلي؛ إذ يركز المعالجون على تعديل السلوكيات بدلًا من تغيير الأفكار. يقول ديفيد ريتشاردز -الباحث في الخدمات الصحية بجامعة إكزتر في إنجلترا-: "تتمثل فكرة هذا الأسلوب العلاجي في أن ما يفعله المرء وما يشعر به متصلان بعضهما ببعض". على سبيل المثال، إذا كان هناك مريض يحب الطبيعة ويقدر العلاقات الأسرية، فربما يشجعه المعالج على أن يُدرج في برنامجه اليومي نزهة على الأقدام مع أحفاده في الحديقة. ففعل ذلك يمكن أن يزيد من مكافآت الاندماج بدرجة أكبر مع العالم الخارجي -وهو الأمر الذي قد يكون شديد الصعوبة لمرضى الاكتئاب- كما يمكن أن يمثل بديلًا لوسائل التسلية الأكثر سلبية مثل اجترار الذكريات الأليمة. جدير بالذكر أن أسلوب التفعيل السلوكي موجود منذ عدة عقود، وتُستخدم بعض عناصره في العلاج المعرفي السلوكي، بيد أنه لم يخضع للاختبار حتى الآن بالدرجة والدقة المطلوبَين لتقييم قوته النسبية بوصفه نهجًا مستقلًّا قائمًا بذاته في العلاج.
في دراسة تُعَد من بين الأكبر من نوعها، قاد ريتشاردز بحثًا تعاونيًّا يضم 18 باحثًا يعملون في ثلاثة مراكز للصحة النفسية في المملكة المتحدة، استخدموا العلاج بأسلوب التفعيل السلوكي والعلاج المعرفي السلوكي وجهًا لوجه. قسم الباحثون 440 مريضًا من مرضى الاكتئاب إلى مجموعتين، وطبقوا أحد أسلوبي العلاج مع كل مجموعة لمدة 16 أسبوعًا تقريبًا، ثم تابعوا مدى تقدم حالة المرضى بعد مرور 6 أشهر ثم 12 شهرًا وأخيرًا 18 شهرًا من بدء العلاج. وكما تكشف ورقة بحثية نُشرت على الإنترنت في شهر يوليو في دورية "ذا لانسيت" The Lancet، وجد الفريق أن العلاجين على الدرجة نفسها من الفاعلية. وبعد مرور عام آخر، سجل ما يقرب من ثلثي المرضى في كلتا المجموعتين تراجع الأعراض بنسبة 50% على الأقل.
قد تغير هذه النتائج من الإرشادات والتوجيهات العلاجية. على سبيل المثال، يمكن للمرضى المصابين بالاكتئاب البدء بعلاجات أكثر بساطة مثل التفعيل السلوكي، ثم الانتقال إلى مرحلة الرعاية الأكثر تخصصًا إذا لم يستجيبوا لذلك العلاج. ويشبه هذا النهج وصف الأدوية المضادة للاكتئاب التي تحقق معدل نجاح يمكن مقارنته بمعدل نجاح تلك العلاجات. يقول جورج أليكسوبولوس -الطبيب النفسي المتخصص في الطب النفسي للمسنين بكلية طب وايل كورنيل، والذي لم يشارك في الدراسة-: "نعتقد أن التفعيل السلوكي يمثل خطوة أولى جيدة في العلاج، وهذا العمل يتناول هذه النقطة".
بالإضافة إلى ذلك، وجد ريتشاردز وزملاؤه أن العاملين المبتدئين في المجال الصحي بإمكانهم تقديم العلاج بأسلوب التفعيل السلوكي بعد مدة قصيرة من التدريب، مما يجعله أقل تكلفة بكثير في التنفيذ من العلاج المعرفي السلوكي، الذي يتطلب معالجين متخصصين ومحترفين. ومن شأن هذا التمييز بين العلاجين أن يجعل أسلوب التفعيل السلوكي كنزًا ثمينًا بالنسبة للدول النامية التي تعاني ندرة الموارد المتاحة للصحة النفسية.
اضف تعليق