تستيقظ صباحًا وهناك ما يشغل ذهنك، تشعر بشيء من الضيق في صدرك، وكأن هناك ما يتوجب عليك عمله ولكنك لا تتذكره، حالة من التوتر ترافقك طيلة اليوم، تلاحقك في نومك وأحلامك، وفي كل خطوة تخطوها، كما لو كان التوتر رفيق دربك الدائم المزعج.. لكنه ليس برفيق سوء كما قد تظن، فللقلق جوانب إيجابية...
بقلم: مروة صلاح
تستيقظ صباحًا وهناك ما يشغل ذهنك، تشعر بشيء من الضيق في صدرك، وكأن هناك ما يتوجب عليك عمله ولكنك لا تتذكره، حالة من التوتر ترافقك طيلة اليوم، تلاحقك في نومك وأحلامك، وفي كل خطوة تخطوها، كما لو كان التوتر رفيق دربك الدائم المزعج.. لكنه ليس برفيق سوء كما قد تظن، فللقلق جوانب إيجابية كما يؤكد علماء.
أظهرت نتائج اختبار أجراه فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا ريفرسايد (URC) أن القلق كثيرًا ما يكون سلوكًا إيجابيًّا ومحفزًا على التفكير والتخطيط، وبالتالي يساعد على تحقيق نتائج جيدة في الدراسة والعمل.
فالقلق -كما ترصد الدراسة- يساعد على تخطي الأحداث الصادمة من خلال الإعداد والتخطيط، إذ يميل الشخص القلق إلى أخذ إجراء لحل المشكلة التي تتسبب في توتره، ويحاول الحصول على معلومات أكثر تساعده على حل المواقف الصعبة، ومن ثَم النجاح في حل المشكلات، كما تقول كات سويني، الباحث الرئيس في دراستها، "على الرغم من السمعة السلبية للقلق إلا أنه ذو فوائد كثيرة، منها مثلًا التحفيز على إنجاز العمل".
عرضت سويني في الدراسة المنشورة أبريل الماضي في دورية Social and Personality Psychology" Compass" دور القلق في تحفيز السلوك الوقائي، وكيف يقود الناس لتجنب الأحداث والمواقف السلبية في حياتهم، وتُعَد هذه الورقة جزءًا من بحث أكبر لها حول ارتباط الانتظار وترقُّب الأخبار بالقلق، وأثر ذلك على صناعة القرارات. وما إذا كان هناك طريقة للوصول إلى "انتظار جيد".
والورقة هي خلاصة أبحاث أجريت منذ عام 1998 وحتى هذه اللحظة حول هذا الأمر، اعتمدت على إجراء اختبارات لقياس رد فعل الأفراد القلقين. ففي إحدى الدراسات التي أجريت على 350 امرأة أمريكية مهددة بالإصابة بالسرطان، لاحظ الباحثون أنهن كن أكثر اهتمامًا بعمل الفحص الدوري المنزلي لسرطان الثدي وإجراء الفحص بالأشعة السينية بانتظام.
كما أن الأشخاص القلقين من الإصابة بسرطان الجلد، كانوا أكثر استخدامًا لمستحضرات الحماية من الشمس لمواجهة مشاعر الخوف من الإصابة به.
تقول سوني: "هناك علاقة بين درجة القلق والسلوك الوقائي أيضًا"، وتتابع: "فعند مقارنة النساء اللواتي أبلغن عن قلقهن بدرجة معتدلة مع مَن أبلغن عن معدلات قلق كبيرة أو قليلة نسبيًّا، نجد أن الفئة الأولى أشد حرصًا على عمل فحوصات السرطان مقارنة بالفئتين الأخريين، لذلك يمكننا القول إن معدلات القلق القليلة والمُبالَغ فيها يمكن أن تؤثر على رد الفعل على نحو سلبي".
القلق ليس مرضًا
"مجرد شعور طبيعي داخل الإنسان، ولا يُعَد مرضًا"، هكذا استهلت ريم الضيف -مدرس مساعد علم النفس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة- حديثها لـ"للعلم"، موضحةً أنه طالما لم يتعارض هذا الشعور مع علاقات الإنسان الاجتماعية وأداء الوظائف المختلفة كالعمل والدراسة، فهو ذو فوائد عديدة له، منها تحفيزه على الاستعداد لموقف مثل الامتحانات ولقاءات العمل، لكن في حالة تعارضه مع أنشطة الانسان يتحول إلى توتر ومرض، مثل الخوف من مواجهة الناس.
وتضيف ريم أن معدل القلق لدى الشخص وتحوله إلى مرض نفسي يرتبط بالعوامل البيولوجية، فجزء منه يُتوارث جينيًّا، وجزء آخر يعتمد على عوامل اجتماعية، وما إذا كانت التنشئة في بيئة هادئة أم ملأى بالتوتر وكبت المشاعر، فعلى سبيل المثال المجتمعات العربية تعيب على الرجل البكاء، وهو ما قد يخلق حالة من كبت المشاعر يتبعها قلق وتوتر.
تشرح دينا عريبي -مدرس وباحث مساعد علم نفس بالجامعة الأمريكية في القاهرة- كيف يؤثر القلق على الجسم: "في الغالب تتسبب التغيرات الهرمونية في تدفق سيل من المشاعر، ومن ثَم تؤثر على الأفكار، مما يؤدي إلى تغيير السلوك".
وتقول لـ"للعلم": "عندما نوضع تحت ضغط فإنه يجعلنا نأخذ رد فعل ما، كالمواجهة أو الهروب". تستطرد: "فإما أن أفكر كيف أخرج من الموقف وإلا سأجد نفسي غارقة في المشاكل وستسيطر الأفكار السلبية على قراراتي، ويصبح لديَّ توتر حاد يؤدي إلى عدم القدرة على التركيز، وفي بعض الحالات يستوجب الأمر اللجوء إلى الطبيب للعلاج بالمهدئات أو تغيير الأفكار واستبدالها".
وتوضح أن القلق الإيجابي هو التوازن بين المشاعر والأفكار، أما السلبي فهو طغيان المشاعر على التفكير حتى تتسبب في عجز الشخص تمامًا، فالمهم أن يتمكن الشخص من الموازنة بين التوتُّر والتبلُّد.
الوجه القبيح للقلق
يتساءل روبرت سابولسكي -أستاذ علم الأعصاب بجامعة ستانفورد- في كتابه: (لماذا لا تصاب الحمير الوحشية بقرحة المعدة؟)، وكان الرد أنها حينما تتعرض لهجوم، إما أن تهرب أو تستسلم، ولكنها لا تتعرض للضغط العصبي، أما نحن فنصاب بالقرحة ونعاني الكثير من الأمراض بسبب الضغط النفسي. ويضيف: فهناك علاقة بين القلق والتأثير على ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ونظام المناعة أو الهضم أو الخصوبة. كما يرى سابولسكي أن هذا التدمير الجسدي يمكن أن يحدث بعد أسبوعين من القلق المبالغ فيه.
وتوضح عريبي أن من أهم أنواع العلاج لحالات القلق والتوتر في المدرسة السلوكية الفكرية نهج العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، وهو شكل من أشكال العلاج النفسي، يعزز السعادة عن طريق تعديل المشاعر والسلوكيات والأفكار المختلة، ويركز على الحلول، وتشجيع المرضى على تحدي الإدراك المشوه، وتغيير أنماط السلوك المدمرة.
وبفضل تطوير برامج العلاج هذه، تمكن عدد من النساء والرجال والأطفال من استعادة حياتهم، فالناس لا تنزعج من الأشياء ولكن من وجهة النظر التي تدور حولها.
على سبيل المثال، يطلب منك القائم بالعلاج كتابة الأفكار عندما يحدث شيء مزعج، ومن ثَم يعمل المعالج لاختبار مدى فائدة الأفكار ودقتها، من خلال الممارسة المتكررة والمركزة، وأهم جزء من العلاج ليس أنه يعلمنا أشياء لم نكن نعرفها، ولكنه يذكرنا بما نحتاج إليه، مثل أن تناول الطعام على نحو جيد يحقق لك السعادة، وبناء علاقات صحية، وضرورة الاهتمام بالصحة العاطفية، فهو لا يعتمد إذًا على نقل المعلومة، لكن على بناء عادة جديدة ومواجهة الأمور التي نخاف منها بشكل تدريجي ومتكرر.
وصفة لقلق إيجابي
إذًا القلق قد يكون إيجابيًّا، ولكن الإفراط في القلق أمر غير سليم، كما يوضح جيفري شوارتز، الطبيب النفسي في جامعة كاليفورنيا والمتخصص في اضطراب الوسواس القهري، والذي أورد في مقال نُشر له على هافنجتون بوست، أنه يرى أن أغلب أسباب القلق واهية ولا يوجد ما يبررها، "كما نرى فكلنا نملك الحفرة نفسها في أدمغتنا عندما نقوم بتكرار الأفكار عينها، وهذا السلوك يمكنه أن يجعل القلق عادة سيئة".
أوضح أن بين المنطقة وراء الجبهة ومنطقة تقاطع التفكير والمناطق العاطفية في الدماغ مسارًا يسمى مسار (أوسد) أو (دائرة القلق)، ويمكن أن تصبح الدائرة أكبر عند استخدامها بشكل متكرر، وهذا ما يحدث مع مرضى الوسواس القهري. وأظهر شوارتز أنه بعد عمل مسح للدماغ لمدة 10 أسابيع بدأ مرضى الوسواس القهري بتشكيل مسار جديد يعيد توجيه الحركة العقلية من خلال التركيز على أفكار جديدة.
وتعطي دينا عريبي بعض النصائح التي تساعد على الخروج من التوتر إلى القلق الإيجابي:
أولاً: الرياضة، خاصة التي تركز على التنفس مثل اليوجا؛ لأنه في حالة القلق المفرط يكون من الصعب التنفس.
ثانيًا: الاستبدال بالأفكار السلبية أفكارًا أخرى إيجابية، والرجوع إلى الخبرات السابقة للفرد التي حقق فيها نجاحات.
ثالثًا: كتابة التخوفات في ورقة، مثل الخوف من الامتحان أو مواجهة شخص جديد، وتحليلها ثم محاولة الوصول لنتيجة إيجابية.
رابعًا: الاستعانة بدعم المحيطين من الأهل والأصدقاء والمعارف.
خامسًا: الوعي أمر مهم للخروج من دائرة التفكير، ومحاولة عمل نشاط ممتع، مثل سماع موسيقى أو القيام بعمل يفرغ الطاقة السلبية.
سادسًا: بعض أنواع القلق يتم علاجها بالمهدئات، ثم يأتي العمل على تغيير الأفكار والأنشطة في مرحلة لاحقة.
سابعًا: الإيمان عمومًا بأن ما حدث هو الأفضل.
ثامنًا: العمل على علاج أخطاء التفكير، بتأكيد أن ما حدث ليس نهاية العالم.
تاسعًا: تعود على مواجهة الشيء الذي تخاف منه.
عاشرًا: تقبل إحساسك بالقلق ولا تجادل فيه، وحاول تحليل الشيء الذي تخاف منه.
اضف تعليق