وتُعرف السيطرة المثبطة أيضًا بالتحكم المثبط، وتشير إلى القدرة على مقاومة الإغراء والتحكم في السلوك ومقاومة رد الفعل العفوي وقمع الأفكار غير المرغوب فيها وتجاهل المشتتات والامتناع عن السلوكيات المحفوفة بالمخاطر؛ إذ تدفع الطفل -على سبيل المثال- إلى البقاء في مقعده، حتى لو تحمس لترك المقعد...
بقلم دينا درويش
ذكرت دراسة كندية-بولندية مشتركة أن الأكاذيب التي يلجأ إليها الطفل في فترة مبكرة من عمره تكون -على الأرجح- تلقائيةً وغير متعمدة، مشيرةً إلى أن "الآباء يُبلغون بأن أطفالهم يبدأون الكذب في وقت مبكر بدايةً من بلوغهم سن عامين ونصف".
استهدف الباحثون في الدراسة التي نشرتها دورية "بلوس وان" (PLOS ONE) تحديد مدى تأثير "السيطرة المثبطة" على سلوكيات الأطفال في سن عامين ونصف، وتُعَدُّ "السيطرة المثبطة" من المهارات المهمة التي تساعد الطفل على التعلُّم والنجاح في الحياة مستقبلًا.
وتُعرف "السيطرة المثبطة" أيضًا بـ"التحكم المثبط"، وتشير إلى "القدرة على مقاومة الإغراء والتحكم في السلوك ومقاومة رد الفعل العفوي وقمع الأفكار غير المرغوب فيها وتجاهل المشتتات والامتناع عن السلوكيات المحفوفة بالمخاطر؛ إذ تدفع الطفل -على سبيل المثال- إلى البقاء في مقعده، حتى لو تحمس لترك المقعد".
استعان الباحثون بنموذج معدل لقياس مقاومة الإغراء (الامتناع عن الإتيان بسلوكيات غير مقبولة أخلاقيًّا رغم وجود رغبة في عملها دون النظر إلى وجود شخص يراقبه أم لا) لتحديد مدى لجوء الأطفال إلى الكذب، وضمت عينة البحث 252 طفلًا جرت متابعتهم على مدى ثلاث مراحل عمرية مبكرة هي عام ونصف، وعامان، وعامان ونصف.
خلال التجربة شغَّل الباحثون صوت نباح كلب تحت الطاولة، وأخفوا مصدر الصوت بحيث يكون بعيدًا عن رؤية الطفل؛ إذ وضعوا دميةً لكلب في صندوق بلغ ارتفاعه 20 سم وطوله 45 سم وعرضه 30 سم، وفيه فتحتان مقاس 5 سم × 5 سم على الجوانب، ثم وضعوا الصندوق على الطاولة.
بعد ذلك، سألت الباحثة الطفل عن الشيء الموجود داخل الصندوق، وسمحت له بإلقاء نظرة خاطفة على اللعبة الموجودة داخل الصندوق من خلال الفتحتين، وعندما استجاب الطفل، تم فتح الصندوق بحيث يصبح الطفل حرًّا في لمس اللعبة لمدة 10-20 ثانية.
في المرحلة الثانية، كررت الباحثة الإجراء نفسه مع لعبة قطة، وشغلت صوتًا مختلفًا لا يمكن التعرف عليه، ووضعت الصندوق على الطاولة، وطلبت من الطفل عدم لمس الصندوق أو اختلاس النظر من خلال الفتحتين لمعرفة ما بداخله.
بعد ذلك، استدارت الباحثة وذهبت إلى ركن الغرفة؛ حيث جلست أمام خزانة وظهرها إلى الطفل للتأكد من أن الطفل لا يستطيع رؤية وجهها، وبعد 30 ثانية، عادت الباحثة إلى الطفل ووقفت دون حراك، ونظرت إلى الطفل، ثم توقفت لمدة 5 ثوانٍ قبل أن تسأله: هل ألقيت نظرةً خاطفةً على ما بداخل الصندوق؟
وأظهرت النتائج أن 35٪ من الأطفال البالغ عمرهم عامين ونصف اختلسوا النظر من خلال الفتحتين لمعرفة ما بداخل الصندوق مقابل 65% لم يفعلوا ذلك، وأن معظم هؤلاء الأطفال اتبعوا تعليمات البالغين بغض النظر عن وجود الوالدين معهم أم لا.
تقول مارتا بياليكا بيكول -أستاذ الإدراك الاجتماعي في جامعتي "نيكولاس كوبرنيكوس" و"جاجيلونيان" البولنديتين، والباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": الأطفال الذين لم يختلسوا النظر كانوا أقل اندفاعًا من الأطفال الذين استرقوا نظرةً خاطفةً لمعرفة ما بداخل الصندوق، وأظهر الأطفال في سن الثانية مستويات أعلى من "السيطرة المثبطة"؛ إذ كانوا قادرين على الانتظار مدةً أطول من نظرائهم في تأخير إشباع رغبتهم فى التعرف على ما في داخل الصندوق.
ووجدت الدراسة أيضًا أن 27٪ فقط من الأطفال البالغ عمرهم عامين ونصف كذبوا مدعين أنهم لم يختلسوا النظر لمعرفة ما بداخل الصندوق، في حين زعم 40٪ أنهم اختلسوا نظرةً خاطفةً لمعرفة ما بداخل الصندوق رغم أنهم لم يفعلوا ذلك.
تقول "بيكول": من الناحية الرسمية، يمكن وصف هؤلاء الأطفال بأنهم كاذبون لأنهم اعترفوا بفعل كاذب، ومع ذلك، فإن التفسير الأوقع لهذا السلوك هو أنهم منحازون إلى الإجابة بـ"نعم" ردًّا على سؤال الكبار حول ما إذا كانوا قد ألقوا نظرةً خاطفةً على ما بداخل الصندوق أم لا.
وتتابع: كان لدى الأطفال الذين لم يختلسوا النظر تحكُّم مثبط أعلى في سن عامين وعامين ونصف، وأدى انخفاض السيطرة المثبطة في سن الثانية إلى زيادة احتمالية أن يختلس الأطفال النظر في سن 2.5 بمقدار 6 مرات.
وردًّا على سؤال لـ"للعلم" حول إمكانية تطبيق نتائج هذه الدراسة فى مجتمعات أخرى، تقول "بيكول": يجب أخذ الاختلافات الثقافية بين بعض الشعوب وبعضٍ بعين الاعتبار؛ لأننا صممنا نموذج مقاومة الإغراء الذي اعتمدنا عليه من أجل الأطفال البولنديين، كما أن الأطروحات الخاصة بقياس مقاومة الإغراء و"السيطرة المثبطة" أتت بنتائج مختلفة في دراسات أُجريت في السابق على أطفال في الولايات المتحدة الأمريكية، لذا أعتقد أنه يجب أخذ السياق الثقافي بعين الاعتبار عند إجراء تجارب مماثلة في مجتمعات أخرى.
اضف تعليق