"الفرق بين المثابرة والعناد أن احدهما نابع من عزيمة قوية على فعل الشيء وأما الآخر فنابع من عزيمة قوية على عدم فعله".
في رحلة الحياة يمر الإنسان بمراحل متعددة ليكتشف ذاته، ويصل الى أعلى المستويات في المعرفة والإدراك ولا يحصل ذلك إلا حينما يعرف ماذا يفعل وكيف عليه أن يقوم بواجباته في الحياة وماذا يريد، فكثيرا ما يبني الشخص أمامه حواجز ضخمة ليخلص نفسه من المتاعب ويتحجج بأنه لا يستطيع العمل ويجلس في مكانه، هكذا يصبح كميت يمشي بين الأحياء، هذا إن مارس المشي وما أغلق الباب على نفسه وبقي في التابوت يأكل ويشرب ويمارس الروتين!.
يرى علماء النفس أن العناد هو حالة مِن التعبير عن الرفض للقيام بعملٍ ما حتى لو كان مفيدًا، أو الانتهاء عن عمل ما وإن كان خاطئًا، والإصرار على ذلك وعدم التراجُع مهما بُذلت محاولات للإقناع أو حتى الإكراه والقسْر، لذلك من يريد أن يفعل ما يريد، سيأتي بألف دليل كي يفعل ذلك والذي لا يريد ان يفعل أو يقوم بعمل ما سيأتي بألف حجة ليقول لا أستطيع ذلك!.
الفرق الأساسي بين الشخص الناجح والفاشل قوة الإرادة والمثابرة، فكما نرى في معظم الأحيان الناجحين لم يستسلموا أمام العوائق، وبادروا مرارا وتكرارا لتجاوزها، لقد سُئِل أحد الناجحين عن معنى المثابرة، فقال: إنها ثلاثة
أولاً: الاستمرار في العمل.
ثانياً: بذل المحاولات المتكررة.
ثالثاً: الإعادة مع بعض التغيير اللازم.
كثير من الشخصيات المهمة من الذين حققوا نجاحا باهرا كصاحب مطعم مكدونالد ساندرز الذي كان باستطاعته أن يقول لا أستطيع لأنه كان كبيرا عندما فكر أن يبدأ بالعمل، ولكن المهم بدأ وأحسن في اتخاذه لهذا القرار، وقد توفى والد ساندرز وهو في عمر 6 سنوات واضطرت الأم للنزول للعمل لكي تستطيع الصرف على المنزل، كان ساندرز الكبير ولم يجد مفرا هو أيضاً من العناية بالبيت وأخوته وتقديم الطعام لهم، وفي سن السابعة أتقن طهي عدة أطباق شهية ومنها الدجاج المقلي وعمل أيضا في أكثر من مهنة، حتى تزوجت والدته ودخل هو الجيش وهو فى عمر 16 وعمل في أكثر من وظيفة، من ملقم فحم لقائد عبارة نهرية لبيع بوالص التأمين ثم درس القانون وباع إطارات السيارات وعمل مدير محطات وقود.
بدأ هارلند دافيد ساندرز الرجل العجوز المشهور ذو الشعر الأبيض الذي ترمز صورته إلى أشهر محلات الدجاج المقلي كنتاكى، بدأ مشروعه وهو في الأربعين من عمره, حيث كان يقف في محطة القطار ويبع للمسافرين دجاجه المقلي اللذيذ، استمر 9 سنوات أتقن فيها ساندرز الخلطة السرية الموجودة حاليا في مطاعم كنتاكى والتي تتكون من 11 نوع من التوابل، وفي عامه الـ 45 أنعم عليه محافظ ولاية كنتاكى بـ لقب الكولونيل لمهارته في طهي الدجاج المقلي, ولكن بعد ذلك تم تغيير مسار القطار فأصبح المكان لا يجذب المارين مثل السابق، وتكاثرت الديون على ساندرز مما جعله يبيع عربته ليسدد الديون والضرائب، وعاد لبيته ينتظر التأمين الاجتماعي ليعيش منه ولكنه أدرك انه لا يزال في 65 من عمره ويمكنه العمل مجددا، فبدأ بطرح الفكرة على المطاعم، ولاقى دجاجه اللذيذ قبول من جميع المستثمرين أصحاب المطاعم، وبعد 12 عاما أصبح هناك 600 محل يبيعون دجاج الكونونيل ساندرز.
وعند سن 77 قرر بيع كل ممتلكاته لمستثمرين مقابل 2 مليون دولار عام 1964 وفي عام 1966 أصبحت شركة مساهمة في البورصة وفي عام 1971 بيعت مره أخرى مقابل 275 مليون دولار، وفي 1986 اشترتها شركة بيبسى مقابل 840 مليون دولار، وفي عامه الـ 90 قرر ساندر قطع250 ألف ميل لزيارة جميع فروع كنتاكى الموجودة في أكثر من مائة دولة وتضم أكثر من 33 ألف عامل.
قشة بعد قشة يصنع العصفور عشه
الفشل يأتي من قِصْر الهمة، التبرير والأعذار مثل التحجج بكبر السن، التردد، التأجيل والتسويف والخوف وحب الدنيا كما يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: عليكم بالجد والاجتهاد والتأهب والاستعداد والتزود في منزل الزاد ولا تغرنكم الحياة الدنيا.
من قوانين الحياة تهيئة الأجواء والأسباب لنزول البركات، فالذي يسعى يصل الى ما يريد في نهاية المطاف وهذا وعد الله عز وجل ولطفه على عباده، لذلك عندما كانت السيدة مريم في أعجز حالاتها وهي "النفاس" يأمرها الباري بأن هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا. ولو شاء أن تجنيه من غير أن تهز النخلة لكانت جنت الرطب، ولكن الله يريد أن يعلمنا بأن لكل شيء سبب, فلنتخيل حال امرأة ضعيفة وهي في حال النفاس فإنها بالتأكيد تكون أضعف ما تكون المرأة عليه، والنخلة شجرة قوية يصعب هز جذعها القوي ولكن الله قال: (وهزي إليك بجذع النخلة...)، فالله يأمرنا بالسبب لنتعلم, كان من الممكن أن يسقط لها الرطب بلا هز.
كما نشاهد نماذج أخرى وهم في أصعب الظروف وأحلكها، لكنهم لم يتوقفوا عن المحاولة وفي الأخير وصلوا الى مبتغاهم، لذلك جميل أن يحلق الإنسان بجناحين نحو هدفه، ولكن إن لم يقدر فليركض وان لم يقدر فليجرِ، ويخطو خطوة بعد خطوة وإن لم يستطع فليزحف لأن التوقف عن المحاولة يعني الموت.
فإياك أن تموت قبل يومك.
اضف تعليق