أدخلَ أحد الأولاد رأسه بين قضبان الحديد الخاصة بالبناء، والتي كانت متروكة على جانب الشارع، كان خائفا ويتألم بشدة، كما كان واضحا من ملامحه، لم يبلغ من العمر سوى خمس سنوات، عندئذ أخذ يبكي بشدة، لم يكن هو الوحيد المصدوم في تلك اللحظة لأن والدته أيضا أوشكت أن تصاب بنوبة قلبية!.
من كثرة القلق لم تعرف الأم ماذا تفعل، كانت في حالة خوف وقلق من جانب ومن جانب آخر في حالة دهشة منعتها من أن ن تفعل أي شيء لإنقاذ ولدها، في تلك الأثناء جاء شخص آخر ليخلص الولد من المأساة، وفعلا تمكن بذكائه وسرعة تصرّفه في تلك اللحظات أن يُخرج الولد سالماً من بين القضبان، ولولا ذلك ربما كان الطفل يتعرض لأذى كبير، فيدخل الى المشفى من فرط الخوف وهول الموقف!.
في جميع مراحل الحياة هناك أمور تجبر الإنسان على أن يتراجع خطوات الى الوراء، أو يضم رأسه بين يديه ويسحب قميصه الى الأعلى ويغطي رأسه ليفكر بما سيحدث، أو ماذا سينتظره في المستقبل، مثلا الخوف من فقدان الأحبة، أو فقدان المستوى المطلوب في العمل، ثم فقدان الشهرة التي سعى إليها الإنسان كثيرا وبذل الغالي والنفيس من اجلها، أو الخوف من فقدان الصحة.
ووفقا للاستطلاعات، هناك بعض المخاوف أكثر شيوعا بين الناس، وهي الخوف من الشياطين والأشباح، ووجود قوى الشر، والفشل، والخوف من المجهول، والثعابين، والمرتفعات، والمياه، والأماكن المغلقة، والأنفاق، والجسور، والإبر، والرفض الاجتماعي، والامتحانات، والتحدث أمام الجموع.
وهذا الموضوع بالتحديد يدفع الإنسان ليتحول الى شخص بائس جبان يخاف أن يتحرك أو يخطو خطوة نحو الأمام، ففي كثير من الأحيان يرضى بما هو فيه ولا يسعى الى أن يتطور، أو يخاف من التغيير والتقدم، أو الدخول في السباق مع غيره خشية الفقد والحرمان، هكذا يتبدل الشخص الى إنسان دون حركة أو بالأحرى إنسان تقليدي يقضي يومه بالنوم والأكل والعمل المعتاد.
كذلك يسبب الخوف التغير في الوظائف الأيضية والعضوية ويفضي في نهاية المطاف إلى تغيير في السلوك، مثل الهروب، الاختباء، أو التجمد تجاه الأحداث المؤلمة التي يتصورها الفرد، فيؤثر ذلك على عقل وجسد الانسان بشكل خطير، وربما يفكر المرء بهذه الأمور مدة قصيرة ومن ثم يرجع الى حياته الاعتيادية، ولكن الخطر يكمن في ملازمة الخوف مدة طويلة للإنسان، حيث يعلق الشخص بأفكاره السلبية ويتمسك بخوفه وكأنه من أركان حياته، هكذا يتبدل الفرد الى إنسان بائس لا يقدم ولا يؤخر.
إذا كان الخوف بمقدار بسيط ربما يكون ذلك تحفيزاً يدفعه نحو التقدم، أو يوقفه إذا أراد ان يدخل الى سباق خطير، او اراد ان يهلك نفسه بطريقة او اخرى، فالانسان الذي يخاف الفشل يسعى اكثر فأكثر ليصل الى المستوى المطلوب، ومن يخشى المرض سوف يهتم بنفسه ومستوى أكله وملبسه ومشربه كي لا يبتلى بالمرض.
وقد يتأثر الخوف بالسياق الثقافي والتاريخي، على سبيل المثال، في أوائل القرن العشرين، خاف العديد من الأميركيين من شلل الأطفال، وهناك اختلافات بين الثقافات حول كيفية استجابة الناس للخوف.
فالخوف يوقف الإنسان عن التفكير عندما يجب عليه أن يكون حازماً في أمر ما، ويجعله يتردد ويصعب عليه الوصول الى قرار حازم، ويجعله ذلك يرتبك في الوقت الذي يجب عليه ان يقدم أفضل ما لديه، ويتلكأ عند إلقاء المحاضرات وفي حضور المؤتمرات، وفي حالة أخر قد يجعل الخوف الشخص يشعر بالارتجاف ويُصاب بالشلل، في الوقت الذي يجب عليه أن يركض بأقصى سرعته كي يبتعد عن الخطر.
نصائح مقترَحة لمعالجة الخوف
- التوكل على الله والايمان به فالله وحده قادر على ان يقول لشيء كن فيكون وهو الذي يدفع الضر عن الانسان وهو الذي يساعده ان يخرج من الظلمات الى النور وهو الذي يغمره بالنعمة كما قال في كتابه: يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَٰلِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ؟.
- مواجهة المخاوف هناك مفتاح ذهبي لفتح القفل الذي تم تركيبه على عقل الإنسان، حتى يمنعه من التطور ويجعله في حالة هلوسة، ويقفز في مكانه كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ- فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ.
- إن العلاج السلوكي المعرفي حقق نجاحا باهرا في مساعدة الناس على التغلب على الخوف. لأن الخوف هو أمر أكثر تعقيدا من مجرد نسيان أو حذف الذكريات، فإن النهج الفعال والناجح ينطوي على مواجهة الناس مرارا لمخاوفهم. من خلال مواجهة مخاوفهم بطريقة آمنة يمكن للشخص فيها أن يقلل من فعل الذاكرة أو المحفزات التي تثير الخوف، وتعرف هذه الطريقة باسم " العلاج بالتعرض"، وهذا العلاج يمكن أن يساعد في علاج نسبة تصل إلى 90٪ من الأشخاص المصابين بنوع محدد من الرهاب.
- تعزيز الإيجابية والتفاؤل لأن الخوف يجبر الانسان ان يتعود على المشاعر السلبية حيث يفكر انه وصل الى نهاية العالم ولكن عن طريق الأمل و التفاؤل يفكر بان يقضي على خوفه ويشعر بالسعادة لأن الإيجابية تساعد الفرد ان يوسع نظرته الى الحياة و يكون ذا نظرة صائبة تجاه الأمور.
- هناك طرق مختلفة لعلاج الخوف عن طريق زيارة الطبيب النفسي والعلاج الدوائي حيث توجد أدوية تساعد الفرد ان يكون اكثر اتزاناً ويصبح قادراً على تحمل المخاطر والتكيف معها.
- التنفس بشكل عميق لأن في حالة الخطر يصيب الشخص بتدفق الدم و ضيق النفس لذلك ربما يتسارع في كيفية المواجهة و يلقي نفسه في التهلكة ولكن التنفس بشكل عميق يساعد العقل ان يفكر بشكل أدق و يواجه المشكلة بشكل أصح.
كما قال نجيب محفوظ: الخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة.
الأيادي المرتجفة والعقول الجبانة لا تستطيع ان تتطور ولا يمكن لها أن تبني المستقبل، والعالم في أمس الحاجة الى الأفراد الشجعان ليزرعوا الحب والأمان في الأرجاء، فلنودع الخوف ونطرده من حياتنا، ولنبدأ رحلة التغيير من داخلنا ونملأ الدنيا جمالاً وحيوية.
اضف تعليق