ايران بعد نجاحها المبدئي في تحقيق اتفاق نووي مع القوى الكبرى الست، والذي وصف بالعادل للطرفين، ما زالت امام تطبيق تفاصيل هذا الاتفاق (التاريخي) الشاقة.. طبعا بعد اقراره من قبل السلطة التشريعية في كلا من ايران والولايات المتحدة الامريكية، سيما وان اطراف متشددة واخرى متحفظة من اي تعامل او تنسيق مستقبلي بين البلدين يمكن ان ينتج على هامش هذا الاتفاق، وبالتالي قد يضر بمصالح المعارضين للتقارب منذ البداية.

هذا النفس يمكن ان يلاحظ في كلا البلدين، لكن في ايران قد يبدو اكثر وضوحا... بين الاصلاحيين اصحاب المشروع، وبين المتشددين الرافضين للفكرة جملة وتفصيلا، لكن مع قبول المرشد الاعلى لإيران، ايه الله (خامنئي) للتفاوض مع الغرب حول الحق النووي، لم يكن من خيار اخار امام المحافظين سوى الاذعان لرغبة زعيمهم الديني والسياسي.

خامنئي لم يترك الباب مفتوحا على مصراعيه امام علاقة حميمة مع (الشيطان الاكبر) بعد ان "طرد هذا الشيطان ولا ينبغي ان نسمح بعد طرده من الباب ان يعود من النافذة ويتغلغل من جديد"، بل اكتفى بتبادل المنفعة النووية والاقتصادية مع الخصم الاول لخط المقاومة، وهو يدرك تماما ان الاسهاب في تفاصيل اي علاقة مع العدو يمكن ان ترتد بالضد على مكانته الدينية والسياسية في ايران ومحور الممانعة في المنطقة.

بالمقابل فان الطامحين للوصول الى قطف ثمار الاتفاق النووي مع الغرب قاب قوسين او ادنى من حصد النجاحات المتوقعة في الانتخابات التشريعية القادمة في بداية العام المقبل، فأعضاء البرلمان ومجلس الخبراء (خبركان)، سينافس عليهما التيار الاصلاحي بقوة بعد ان حقق النجاح النووي المؤمل انعكاسه على الواقع الاقتصادي الداخلي لإيران... وبالتالي سيكون الناخب الايراني فخورا بانتخاب اعضاء يمثلونه في البرلمان ومجلس الخبراء من الاصلاحيين، وهو على ثقة بانهم سيحققون المزيد الاصلاحات (الداخلية) التي اطلقوها الى جانب وعودهم بإنجاز الاتفاق النووي مع الغرب.

ويرى الكثير من المتابعين ان تحقيق اصلاحات داخلية قد تكون مهمة اشد صعوبة من انجاز الاتفاق النووي، سيما وان الداخل الايراني هو منطقة نفوذ المحافظين (المتشددين)، وهم لا ينسجمون مع الكثير من الافكار التي يطرحها انصار الاصلاحات، بل ويرون في الاصلاحات خطر يمكن ان يهدد نفوذهم الداخلي.

المعركة الانتخابية التي ستجري عام 2016 ستكون اقوى من سابقتها التي جرت عام 2009، وتعرض خلالها المرشحين والمؤيدين للتيار الاصلاحي للكثير من حملات التشوية والاعتقالات والاتهام بإثارة الفتنه وشق الصف الداخلي للمجتمع الايراني... لكن الاوضاع في عام 2016 اختلفت كثيرا عن الماضي القريب... وموقف الاصلاحيين، وبالتحديد بعد عام 2013 ووصول (حسن روحاني) الى رئاسة الجمهورية، اصبح اكثر قوة وقربا من احلام الشارع الايراني... وهو ما اثبتته الفرحة بيوم توقيع الاتفاق النووي ونزول الملايين الى الساحات العامة للاحتفال بالنصر، وتتويج المفاوضين كأبطال حقيقيين.

ربما ستشكل ملامح المعركة الانتخابية القادمة الاصلاحات الداخلية، وسيدلي كل فريق بوعوده وتحذيراته، فالمرشد الاعلى حذر من محاولة "العدو بكل ما لديه التغلغل الثقافي من خلال المساس بالمعتقدات السائدة في المجتمع والعمل على تغييرها"، على اعتبار ان "هدف العدو هو ان يتخلى الايرانيون عن مثالهم الثوري ويفقدون قوتهم"، فيما سيسعى الطرف الاخر (الاصلاحي) من اطلاق حملة وعود جديدة لمنح المزيد من الحريات العامة وحرية التعبير، ورفع القيود المفروضة على النشطاء والمعارضين السياسيين، اضافة الى حرية الصحافة والاعلام، وهي معركة لن تكون سهلة للطرفين بالتأكيد.

اضف تعليق