من آثار رحمة الله هو احياء الأرض بعد موتها، كما ورد في القران الكريم، وهذا الاحياء لا يقتصر على خلق دون آخر، بل ان رحمة الله تشمل الجميع، بلا فرق، مع تحقق سنة الله في الأرض في إقامة العدل والحق
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَلَقَد كَتَبنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)
صدق الله العلي العظيم
يبارك مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، للامة الإسلامية، ومراجع الدين الكرام، واتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام)، بل وللإنسانية جمعاء، ذكرى مولد المنقذ للبشرية من الضياع والانحراف، وقائدها الى جادة الصواب والأمان.
ويغتنم، مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، هذه المناسبة في الدعاء الى المولى (عز وجل) بان يديم أيام الفرح والسرور، ويتمها بتعجيل الفرج والنصر بظهور صاحب الامر (عليه السلام) لتحقيق يوم الوعد الإلهي، اليوم الذي سينهي كل مساوئ الظلم وجشع المصالح وتظاهر الفتن، عن العالم الإسلامي وكل المجتمعات الإنسانية، لتنعم بآثار رحمة الله في ظل راية الحق التي طال انتظارها.
قال رسول الله (صلى الله عليه واله): "ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة، وحتى تملأ الأرض جوراً وظلماً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً إلا صبه الله عليهم مدراراً".
من اشد الأمور قسوة على الانسان عندما يتعرض الى الظلم والعدوان وانتهاك الكرامة، ومصادرة الحقوق وسلب الحريات، سيما وانه ولد حراً كريماً على الفطرة، قد مكنه الله (عز وجل) بالعقل والمنطق واعطاه كامل حقوقه وفيض نعمه، وفضله على كثيراً من خلقه.
ان كل اشكال الظلم التي تمارسها الدول والجماعات والأنظمة والمنظمات والافراد تجاه أي انسان، في مشارق الأرض ومغاربها، يعد انتهاك خطير يطال كل البشرية بلا فرق، فمثلما تعم النعم وتكثر الخيرات ويسود الأمان في وقت العدل والانصاف، ينتشر الخوف والكراهية والجور وتزول النعم وينعدم الأمان في وقت الظلم وانتهاك الحقوق.
كما ان الظلم يعجل بزوال النعم والخيرات، وهو سلاح خطير أنهى احلام أعظم الملوك والحكام، بل وكان السبب الرئيسي في زوال امبراطوريات وممالك ودول حكمت لقرون عن وجه خارطة العالم.
لذلك يرى مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، انه من الضروري الدعوة الى الوقف الفوري لتفاقم حالة الظلم واستمرار دوامة العنف التي تمر بها الإنسانية في مختلف بقاع العالم، والتي يستخدم خلالها القوة المفرطة بين الانسان وأخيه الانسان، من قتل للأطفال والنساء والتجويع والتهجير القسري للملايين، والقصف بالطائرات والصواريخ، فضلاً عن التعذيب والسجن ومصادرة الآراء والتمييز.
ولأن مشروع "الإسلام يهدف لإنقاذ الإنسان من براثن العبودية والظلم والجهل والاستغلال والفقر والمرض والجشع والفوضى"، فقد ركز بشكل كبير على ضرورة حفظ كرامة الانسان ومنع أي ظلم او تعدي يقع عليه، بل ورفض أي ظلم او تعدي على جميع المخلوقات والاشياء الأخرى، واللجوء الى الحكمة والتعقل ومكارم الاخلاق، حتى تستقيم الحياة وتزدهر وتنعم الناس فيه بالرفاه والسعادة، في ظل نظام عادل ينسجم مع الهدف من خلقهم، وهذا المشروع الإسلامي هو ما سيطبقه الامام المهدي الموعود كنظام عالمي انساني عادل، لا يتحقق الى في زمان الامام المهدي (عليه السلام).
ان من آثار رحمة الله هو احياء الأرض بعد موتها، كما ورد في القران الكريم، وهذا الاحياء لا يقتصر على خلق دون آخر، بل ان رحمة الله تشمل الجميع، بلا فرق، مع تحقق سنة الله (عز وجل) في الأرض في إقامة العدل والحق وتدمير الظلم والجور، وهي رحمة يتلطف بها الخالق على خلقه، بعد ان سلكوا كل الطرق، واستخدموا كل الأدوات، وجربوا كل المدارس، على امل الوصول الى غاية العدل وحقيقة الحق لكنهم فشلوا في تحقيقها.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث: (ولو قد قام قائمنا، لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام، لا تضع قدميها إلا على النبات، وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه).
وفي زمان الامام المهدي (عليه السلام) تخرج الأرض كنوزها وذخائرها المختبئة فيها، وهي كثيرة جداً، وتغزو الأمطار وتكثر الثمار وسائر النعم بحيث تختلف حال الأرض حينئذ عما كانت قبله.
وفي زمان الإمام المهدي (عليه السلام) تذهب البلايا والعاهات.
وفي زمان الامام المهدي (عليه السلام) يذهب الحقد والحسد من الناس، وتكثر العلوم.
ويود مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث ان يشير الى جملة من الحقائق الاساسية التي ينبغي على المؤمنين والمنتظرين لظهور الامام المهدي (عليه السلام) في مشارق الأرض ومغاربها، ان يضعوها نصب اعينهم خلال مسيرة حياتهم والتي ستساهم بشكل فعال في تحقيق العدالة الإنسانية ونجاح مشروع التغيير العالمي بقيادة الامام المهدي (عليه السلام).
أولا- الانتظار لا يعني الجمود والكسل (الانتظار السلبي)، بل يعني العمل والإنتاج في موارد الصلاح والعدل (الانتظار الإيجابي)، حيث يشير المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) الى هذا المعنى بقوله: "فعلينا في غيبة الإمام، أن نهيئ أنفسنا ومجتمعاتنا بالعمل الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وننتظر دولته العادلة".
ثانيا- في زمن الانتظار تقلب فيه الحقائق، فينتشر فيه الظلم ويحارب الحق ويأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، لذلك ستكون مهمة الداعين الى الحق والمعروف ورفض الظلم والمنكر والجور صعبة للغاية، لذلك الثبات على المبدأ والاستمرار في نهج الحق له نتائج عظيمة، يقول السيد الشيرازي: "المنتظِر للإمام المهدي عجل الله فرجه يلاقي صعوبات كثيرة، حيث يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، في زمان أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فحينئذ يكون كالمتشحط بدمه في سبيل الله".
ثالثا- يقول المرجع الشيرازي الراحل: "على الانسان اولاً ان يعرف امام زمانه، ويزداد معرفة يوماً بعد يوم"، ان معرفة الامام المهدي (عليه السلام) معرفة تامة والاستعداد للقيام بالواجب الذي يمليه زمن الانتظار، من اهم المراحل التي يمر بها الانسان، كونها المرحلة التي يصقل فيها الانسان اخلاقه، ويحاول الصمود فيها امام الفتن والمحن، او كما يقول الامام الشيرازي: "لا يمكن ان يكون الانسان منتظراً حقيقياً الا إذا اعد نفسه وربطها بإمام الزمان (عليه السلام)، لكيلا يضيع في زوبعة الفتن التي تجرف الناس في آخر الزمان".
ان المجتمعات الإنسانية التي ضاقت بها السبل من اثار الظلم والعدوان عليها، ما زالت تشعر بوجود فسحة من الامل وهي تبحث عن يوم الخلاص من الظلم واثاره المدمرة، يوم ينتصر فيه العدل والحق على الظلم والباطل، والخير على الشرور كلها، وتتحقق فيه إرادة العدل الإلهي على الإنسانية جمعاء، ويعم فيه الامن والسلام، اليوم الذي يدعوا فيه الامام الموعود (عليه السلام) اهل الأرض الى التكاتف من اجل نصرة الحق والوقوف بوجه الظلم، ونصرة المظلوم ومحاسبة الظالم، واسترجاع الحقوق المسلوبة الى أصحابها.
اضف تعليق