مناسبة حقيقية للإنسان من اجل التغيير الإيجابي والتطلع نحو الأفضل والاكمل. وان يكون الانطلاقة الصادقة في تطوير حياتنا ومستقبلنا، وكسر القيود والاغلال التي تعيق حركة الانسان وتقدمه نحو الامام في تحقيق تطلعاته واماله. وان يكون هذا الشهر فرصة للتصالح مع النفس والاخرين لتحقيق الرضا والاطمئنان...
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ﴾
صدق الله العلي العظيم
مع قرب حلول شهر ربيع القران الكريم، شهر الطاعة والمغفرة والرحمة، شهر العمل والوعي والتكامل، يتقدم مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث بخالص التهاني واصدق التبريكات بهذه المناسبة العظيمة الى الامة الإسلامية، ومراجع الدين الكرام، واتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام)، والإنسانية جمعاء.
انه شهر الرحمة والغفران الذي ننتظره بفارغ الصبر لنستقبله بقلوب مفتوحة وارواح مطمئنة، ولنجعل من هذا الشهر الفضيل فرصة نحو التغيير الإيجابي في حياتنا والتقرب الى الله (عز جل) ودعاه في ان يجعل هذا الشهر مليئاً بالبركات وتعزيز الفضائل ومكارم الاخلاق وقبول صالح الاعمال.
ويوجه مركز الامام الشيرازي للدراسات وبالبحوث دعوة صادقة الى العالم الإسلامي بوجه خاص والإنسانية عموماً للتذكير بأبرز الرسائل التي حث عليها شهر رمضان الكريم ومنها:
- التشجيع على العبادة والتقوى وتهذيب النفس واصلاحها والسعي للتغيير وتعزيز قيم التقدم لدى الانسان.
- خروج الانسان من ذل المعصية الى عز الطاعة للتخلص من السلاسل والاثقال التي تعيق تقدم الانسان في طريق التكامل.
- التدبر والتفكر في آيات الله (عز وجل) والبحث عن الحكمة والمعرفة وتثقيف الانسان لنفسه في هذا الشهر الذي انزل فيه القران هداية للناس ليكونوا على بينة من امرهم واطلاع وليخرجهم من ظلمات الجهل والتخلف الى نور الحكمة والعلم، وخصوا التدبر في الآيات المنسية الحيوية.
- فيه الدعوة الصادقة نحو قيم التسامح والتأخي والعفو والرحمة والتكافل بين الانسان وأخيه الانسان من اجل بناء جسور التفاهم والمحبة ولنكون سبب في اسعاد الاخرين وربما في تغيير حياتهم نحو الافضل.
- الاستفادة من قيم الاعتدال والصبر والتألف الاجتماعي والعطاء وغيرها، والتي يدعو اليها هذا الشهر الكريم في سعينا نحو تحقيق الهدف من خلق مجتمعات تنعم بالازدهار والسعادة والأمان والتقدم.
في خطبة لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) في شهر رمضان من مسجد الكوفة يقول فيها:
"أيُّها الصائمُ تَدَبّرْ أَمرَكَ فإنّكَ في شهرِكَ هذا ضيفُ ربِكَ انظُر كيفَ تكون في ليلِك ونهارِكَ وكيف تحفَظُ جوارِحَكَ عن معاصي ربِكَ، انظر أن لا تكونَ بالّليلِ نائماً وبالنهارِ غافلاً فينقَضِي شهرُكَ وقد بَقِيَ عليكَ وِزْرُكَ فتكونَ عند استِيفاءِ الصائمينَ أُجُورَهُم من الخاسرينَ وعند فَوزِهِم بكرامةِ مليْكِهِم منَ المحرومينَ وعندَ سعادَتِهم بمُجَاوَرَةِ ربِّهم منَ المَطرُودِيْنَ".
في هذا المقطع من خطبة سيد البلغاء (عليه السلام) يتم التركيز على ثلاث أمور مهمة تعين الفرد على الاستفادة من هذا الشهر الكريم، بل وفي عموم حياته وهي:
1- تدبر الامر: ان وضع الاستراتيجية الخاصة بك في تنظيم حياتك وتدبر امرك، من الأمور المهمة التي تعين الانسان على النجاح في مسيرة حياته، بدلاً من العبثية والفوضى التي لن توصلك الى أي نتيجة سوى الفشل والحرمان والضياع.
2- اغتم الفرصة قبل فوتها: الفرص تمر مر السحاب، لذلك فإن اغتنامها والاستفادة منها قبل ضياعها او ذهابها يعتبر من الحكمة والعقل، ولا توجد فرص تساعد الانسان في حياته المادية والروحية يمكن اغتنامها أكثر من الفرص المتوفرة في شهر رمضان الكريم، لذلك فالمحروم من حرم الخير والنجاح في هذا الشهر.
3- حصاد العمل: اذن فهو فرص للعمل والعطاء والتزود بالخير، سيما وان الأجر على قدر المشقة، لذلك لا يوجد مكان بين الناجحين لمن تكاسل وغفل وابتعد عن التفاعل والعمل في هذا الشهر.
وقد اعتبر المرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) شهر رمضان الكريم يمثل الفرصة الأفضل في ايقاظ المسلمين من سباتهم وتوعيتهم وشحذ هممهم وتطوير مهاراتهم في طريق التكامل الروحي والإنساني، وهو الترجمة الواقعية للأفكار، وهو شهر التقدم والتعاون والاخوة والأمة الواحدة، وشهر البركة والحركة، وهو بمثابة الاحياء للنفس البشرية بعد موت البعض وسبات البعض الاخر.
يقول الامام الشيرازي: "في شهر رمضان تترجم الأفكار إلى وقائع، وتتحول الحروف إلى حركة والكلمة إلى حياة، يتحول الإنسان إلى أمة كإبراهيم (عليه السلام) حيث كان أمة قانتاً لله، يكون أُمة بتقدمه في هذا الشهر، فهو يعبد الله ما يعادل عبادة سنة، وهو في المجتمع ليس فرداً، بل أفراداً متعاونين متآخين، وهو في الكون بذرة تبعث الحياة في كل ركن من أركان الدنيا، فشهر رمضان شهر الحركة والبركة".
ويضيف: "كل جسم ساكن إذا مسه نسيم هذا الشهر يأخذ بالحركة، فالكثير يخرجون للتبليغ في هذا الشهر المبارك، والكثير يشتغلون في الليل والنهار، وإذا ما حاولنا ان نحصي انتاج بعض الأفراد لوجدنا إنهم ينتجون ما يعادل الإنتاج في عام كامل".
كما يدعو مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث جميع الأحبة الى الاستفادة من القران الكريم الذي اقترن اسمة ونزوله في هذا الشهر الكريم، كقوله تعالى في سورة البقرة: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، والاستفادة تأتي عبر "برنامج التجديد" كما سماه السيد محمد الشيرازي في قوله: "وإن في القرآن الكريم يجد الإنسان برنامج التجديد الذي يبتغيه ويسعى من أجل تحققه في هذا الشهر"، والذي يمكن تلخيصه في عدد من النقاط أبرزها:
1- السعي نحو التغيير الى الأفضل من خلال تعزيز وتطوير النقاط الإيجابية التي يمتلكها الفرد وتقليل او تصفير النقاط السلبية الموجودة لديه.
2- عمل برنامج متكامل لتطوير المهارات المعرفية والثقافية والتزود بالعلم لفتح افاق فكرية وعقلية أكبر لدى الانسان من خلال الاطلاع على العلوم والأفكار والأخلاق والقيم والمعرفة والحكمة والتعليم التي يحتويها القران الكريم.
3- الاستفادة من الرسائل المعنوية التي تعزز قيم التفاؤل والصبر والثقة بالله (عزوجل) في مواجهة التحديات والصعاب المختلفة التي تواجه الانسان في هذه الحياة وصولاً الى التكامل المطلوب.
4- التدبر والتفكر والتأمل في آيات القران الكريم وقصصه ومواعظة يعطي الانسان فرصة أكبر لفهم أعمق للحقائق والقيم التي يحملها، بالإضافة الى التزود بالحكمة والتعقل.
5- الاستفادة من القران الكريم لتنظيم وتحسين مستوى حياتنا الاجتماعي والقيمي والثقافي والأخلاقي والاقتصادي. وخصوصا الآيات الحيوية في القرآن الكريم، والاستقامة على العمل بها من اجل الإنقاذ والتحرير والإصلاح والنهضة، حيث قال الله تعالى: (ان تنصروا الله ينصركم)، وذلك عبر: (وامرهم شورى بينهم)، (ان الله يأمر بالعدل والاحسان)، (انما المؤمنون اخوة)، (ان هذه امتكم امة واحدة)، (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، (لا اكراه في الدين)، (ادخلوا في السلم كافة)، (وتعاونوا على البر والتقوى).
وأخيرا نأمل ان يكون حلول هذا الشهر الكريم مناسبة حقيقية للإنسان من اجل التغيير الإيجابي والتطلع نحو الأفضل والاكمل. وان يكون الانطلاقة الصادقة في تطوير حياتنا ومستقبلنا، وكسر القيود والاغلال التي تعيق حركة الانسان وتقدمه نحو الامام في تحقيق تطلعاته واماله.
وان يكون هذا الشهر فرصة للتصالح مع النفس والاخرين لتحقيق الرضا والاطمئنان وتحقيق السلام والاستقرار الذاتي ونشر السلام والمحبة في جميع انحاء العالم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر... هو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار).
اضف تعليق