q
هل تستطيع إقناع خريج جامعي لم يحصل على فرصة عمل منذ عدة سنوات أن يدافع عن السلطة الحاكمة في حال تعرضها للخطر؟ أو هل يمكن توقع عدم انتقاد هذا الخريج للسلطة في حال الحديث عن انجازاتها؟ في السؤال الثالث هل تتوقع عدم تسرب محفزات الكراهية لدى هذا الخريج ضد السلطة الحاكمة؟

هل تستطيع إقناع خريج جامعي لم يحصل على فرصة عمل منذ عدة سنوات أن يدافع عن السلطة الحاكمة في حال تعرضها للخطر؟

أو هل يمكن توقع عدم انتقاد هذا الخريج للسلطة في حال الحديث عن انجازاتها؟

في السؤال الثالث هل تتوقع عدم تسرب محفزات الكراهية لدى هذا الخريج ضد السلطة الحاكمة؟

ومن يضمن عدم تنامي الكراهية لديه لتشمل كراهيته للدولة نفسها؟

حياتنا الراهنة قائمة على المثير والاستجابة، كيفما يكون المثير تصنع الاستجابة، فهذا الخريج الجامعي نفسه لو عاش في أسرة غير مستقرة، والده وهو يمثل السلطة العليا غير عادل في تعامله مع أفراد أسرته، يفضل أحد أبنائه على البقية، إن أخطأ لا يحاسبه، بينما ينزل العقاب الشديد ضد غيره.

حياة أبناء الأسرة صعبة لا تحكمها القواعد بل مزاج رب الأسرة، الجوع سيد الموقف، والأب يمنع أبناءه حتى من اتخاذ قرار العمل خارج الأسرة، يأمرهم بالبقاء تحت خيمته التي لا تطاق.

حياة بلا خدمات ولا حرية في اتخاذ القرار شبيهة بالسجن، السلطان هو السجان، والرعية هم السجناء، فهل وجدت يوماً سجيناً يحب سجانه؟

نتيجة لجهد ما يتحرر هذا الخريج من قيود أسرته وينطلق إلى فضاء الدولة الواسع، فما الذي اختلف بين حياته الأسرية البائسة وحياته تحت ظل الدولة العراقية الحديثة؟

يبحث عن سكن فلا يجد القدرة شراء منزل، لا الدولة توزع قطع أراضٍ جديدة، ولا تسمح لأحد بالبناء على الأراضي المفتوحة، لكنه هذا الخريج يشاهد كيف يبني الناس على الأراضي الممنوعة عليه.

الفرق بينه وبينهم، أنهم يملكون الواسطة التي تجعل السلطة الحاكمة تتغافل عن تجاوزهم على الأراضي المحرمة وفق القانون، ويبنون المنازل عليها، والمتاجر وكل شيء.

وفي بعض الأحيان لا يملك هؤلاء المتجاوزين الواسطة، بل يملكون القدرة على التجاوز وخرق القانون.

لك أن تتصور حجم الغضب الذي ينتاب مواطناً يشاهد كيف يمنع هو من التمتع بأراضي بلده، وكيف يسمح لغيره، ليس لأنه غيره قادر على تحقيق الشروط التي وضعتها السلطة للتمتع بالعقار، إنما لأن غيره يملك الواسطة والقوة التي تجبر السلطة على الاستجابة.

تمر السنوات على خريج الجامعة ولا يجد من يوفر له فرصة عمل تؤهله للعيش بكرامة، يتعطل عن الحياة ويبقى حبيس الأفكار السلبية واليأس.

لا يمكن لهذا الشاب أن يحب السلطة، يثور ضدها، يطالبها بتحقيق العدالة وتطبيق القوانين المركونة على الرفوف، كما هو الحال مع الخريجين الذين يتظاهرون يومياً في شوارع العاصمة بغداد والمحافظات.

هؤلاء الخريجين غاضبون من السلطة، ويعتقدون أنها لا تلبي طموحاتهم، بل وغير عادلة في معاملة الناس، لأنها تعتمد على معايير تختلف عن المعايير المكتوبة في القوانين، وهي معايير الواسطة وتغييب الكفاءة وتغليب القوة.

النتيجة إما يحصل الخريج على ما يريد أو يعود من حيث أتى، والأغلب أنه سوف يبقى غاضباً على السلطة حتى لو حصل على الوظيفة التي طالب بها من خلال التظاهر في الشوارع.

السبب في غضبه الدائم هو اكتشافه مدى غياب العدالة حتى بين الموظفين، نظام الترقيات يعتمد على ذات المعايير في التوظيف وتوفير فرص العمل، الواسطة والسلطة والقوة هي من تحدد الترقية وتسنم المناصب، مع إضافة معيار جديد هو انتشار الرشوة في مؤسسات الدولة.

قد يبقى الموظف في مكانه غاضباً ينتظر لحظة التغيير في البلاد، أو يساعد من يريد التغيير، وقد يترك وظيفته ليعمل في القطاع الخاص، ليكتشف من هناك أن الحال أسوأ بكثير مما كان في القطاع الحكومي.

لا يحصل على موافقة فتح المشروع بدون دفع الرشوة، وكل خطوة يحتاجها تتطلب منه الخضوع لإجراءات خارج إطار العدالة القانونية، يشاهد كيف تتم الموافقة على مشاريع غيره لذات الأسباب المتعلقة بالواسطة والقوة والرشوة، بينما يرفض هو إلا إذا فعل الشيء نفسه.

حياة مثل هذه غير مريحة للإنسان العاقل، وغالبية الشعب العراقي يعيشون تحت رحمة هذا النظام، قوانين كثيرة، وتطبيقات مخالفة لغالبية القوانين، والمعايير في التعامل بين الناس والسلطة محكومة بممارسات غير قانونية.

منذ متى وإلى متى يستمر هذا الحال؟

إنه متجذر وجزء من النظام الاستبدادي الذي يحكم العراق منذ عقود طويلة، وقد يستمر إلى عقود أطول لكونه يزداد قوة ويطغى على الحياة العامة.

تقاليد الحكم والعمل أسلوب إدارة الدولة لا تجعل المواطن مطمئناً في عيشته، في أي مكان كان، سواء كان موظفاً حكومياً أو خريجاً عاطلاً عن العمل، أو مستثمراً في القطاع الخاص.

في غالبية المعاملات الإدارية سوف يصطدم المواطن بانتشار شريعة القوة، وغياب العدالة، وسوف يكون مجبراً على كراهية السلطة الحاكمة.

وإذا كانت كراهية الشعب للسلطة مستمرة منذ عقود طويلة فمن يضمن أنها لا تتسرب إلى حد كراهية الدولة نفسها والمجتمع الذي نعيش فيه، والشواهد في هذا المجال كثيرة، لا مجال لذكرها، تستطيع صديقي القارئ البحث عنها واكتشافها بسهولة.

الخلاصة أن غياب العدالة أو حتى مجرد الشعور بغيابها يغذي الكراهية للسلطة، واستمرار هذه الكراهية قد يجعلها تترسب إلى كراهية الدولة كلها.

اضف تعليق