q

مع احتدام التوتر بين الرياض وطهران بسبب بعض المشكلات والازمات الجديدة، دخلت فرنسا حلبة الصراع والتنافس فبعد أن انحاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقوة تجاه السعودية ضد إيران، تتأهب فرنسا وبحسب بعض المصادر، للعب دور الوسيط بين الخصمين الخليجيين المتنافسين، لكن حيادها الشديد قد يجردها من أي وسيلة ضغط ذات مغزى، وقام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة لم تكن معدة سلفا للسعودية بعد زيارة الامارات حيث التقى ولي العهد محمد بن سلمان، هذه الزيارة عدها البعض تحرك جديد من قبل فرنسا من اجل تأمين مصالحها في هذه المنطقة المهمة، التي اصبحت هدف رئيسي لأمريكا وروسيا وباقي الدول العظمى.

وخلال زيارته دبي سار ماكرون على خط دقيق وهو يطالب بموقف دولي حازم تجاه برنامج إيران النووي والصاروخي وبين التحذير ضمنيا من أن نهج الرياض تجاه خصمها الشيعي مبالغ فيه. والسير على هذا المنوال قد يساعد على حماية روابط فرنسا التجارية والاقتصادية في إيران ويتيح متسعا من الوقت للسعودية، لكن بعض الدبلوماسيين يتملكهم القلق من أن الرئيس البالغ من العمر 39 عاما والحديث العهد بالشؤون الدولية قد يترك فرنسا في مهب الريح في نهاية الأمر. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي ”ينبغي أن نحد من المخاطر التي يمكن أن نواجهها في المنطقة. يمكن أن نتلقى ضربات عديدة وليس لدينا نقاط نضغط بها عليهم... لا أعتقد أن من صالحنا أن ندخل في عراك بين القوى“.

وسواء في عهد الرئيس السابق فرانسوا أولوند الذي أخذ صف السعودية أو في عهد سلفه نيكولا ساركوزي الذي انحاز لقطر، وطدت فرنسا أواصر جديدة مع الدول العربية الخليجية بينما اتخذت منحى متشددا إزاء إيران خلال المفاوضات النووية. لكن خلال حملته الانتخابية تعهد ماكرون باتخاذ نهج مختلف. وانتقد علنا السعودية وقطر لما رآه دعما لجماعات إسلامية متشددة في المنطقة. وبعد الاتفاق النووي الذي رفع العقوبات عن إيران عادت فرنسا لتعاملاتها التجارية والاستثمارية معها. لكن خلال نفس الفترة، أحدث ولي العهد السعودي (32 عاما) تغييرا واسعا على الساحة وأقام علاقات وثيقة مع ترامب واتخذ نهجا يتسم بقدر أكبر من المواجهة مع إيران.

ومنذ تولى ماكرون الرئاسة، عرض الوساطة في ليبيا وأوكرانيا وسوريا وفي الأزمة مع قطر بل وفي فنزويلا. وفي كل مرة كان يحاول تجنب الانحياز مع أحد ضد أحد. لكن هذا قد لا يجدي. قال جلال حرشاوي الباحث بجامعة (باريس 8) ”فرنسا تدرك تماما أن هناك مشكلة زعامة في الجانب الأمريكي وتعي أن هذه ربما كانت فرصة لإحداث اختلاف“. وأضاف ”لكن يبدو حتى الآن أن ماكرون وفريقه في حالة انعدام تركيز وأنهم في عجلة للإعلان عن مبادرات كبرى، لكن النتائج محدودة للغاية“.

لقاء سريع

وفي هذا الشأن التقى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في الرياض التي وصلها في زيارة خاطفة تهدف خصوصا الى احتواء التوتر بين الرياض وطهران. وقالت وكالة الانباء السعودية الرسمية (واس) ان ولي العهد بحث في اجتماعه مع الرئيس الفرنسي "العلاقات السعودية الفرنسية، والشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين، والفرص لمواصلة تطوير التعاون الثنائي ضمن رؤية المملكة العربية السعودية 2030".

كما تناولت المباحثات "مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، والجهود المبذولة من أجل أمن واستقرار المنطقة، بما فيها التنسيق المشترك تجاه مكافحة الإرهاب". ونقلت واس عن ماكرون "استنكار فرنسا" لاستهداف الحوثيين من اليمن مدينة الرياض بصاروخ بالستي، وتأكيده على "وقوف فرنسا وتضامنها مع المملكة". وكان ماكرون قال في ختام زيارة للامارات العربية المتحدة استمرت 24 ساعة ان زيارته المفاجئة الى الرياض تقررت في اليوم نفسه. وقال الرئيس الفرنسي ان القرار "اتخذ هذا الصباح. من المهم التحدث الى الجميع"، مضيفا ان فرنسا تضطلع بدور "لبناء السلام". ولفت الى انه سيبحث مع ولي العهد السعودي ملفات ايران واليمن ولبنان الذي اعلن رئيس وزرائه سعد الحريري استقالته في شكل مفاجئ من العاصمة السعودية.

وتصاعدت الحرب الكلامية بين ايران والسعودية وخصوصا على خلفية النزاع في اليمن والازمة السياسية الناشئة في لبنان. واضاف الرئيس الفرنسي "سمعت مواقف متشددة جدا" عبرت عنها السعودية "حيال ايران لا تنسجم مع رأيي"، و"في نظري ان العمل مع السعودية على الاستقرار الاقليمي هو امر اساسي". ويرغب ماكرون ايضا في الحفاظ على الاتفاق النووي الذي وقع العام 2015 للحؤول دون امتلاك طهران سلاحا نوويا مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. وبات هذا الاتفاق في خطر بعدما رفض الرئيس الاميركي دونالد ترامب القريب من العاهل السعودي وولي عهده الاقرار بالتزام ايران بنوده. بحسب فرانس برس.

واعتبر ماكرون انه "ينبغي الحفاظ" على الاتفاق على ان "يضاف اليه ركنان: مفاوضات حول النشاط البالستي لايران مع عقوبات اذا استدعى الامر، ومناقشة استراتيجية تحد من الهيمنة الايرانية في المنطقة برمتها". واوضح انه لا يزال عازما على زيارة لبنان العام المقبل. وقال "ساذكر ايضا بمدى اهمية استقرار لبنان ووحدة اراضيه" لافتا الى ان "اتصالات غير رسمية" جرت مع الحريري مؤكدا ان الاخير لم يطلب الانتقال الى فرنسا بعد انتشار شائعات في هذا المعنى.

موقف متحيز

على صعيد متصل اتهمت إيران فرنسا بتأجيج التوتر في الشرق الأوسط باتخاذ موقف ”متحيز“ بشأن سياسات طهران في المنطقة وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن طهران أساءت فهم موقف بلاده ”المتوازن“. ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي قوله ”يبدو أن فرنسا لديها موقفا متحيزا تجاه الأزمات الراهنة والكوارث الإنسانية في الشرق الأوسط... هذا الموقف يؤجج النزاعات الإقليمية سواء كان بقصد أو غير قصد“.

وعبر وزير خارجية فرنسا جان إيف لو دريان عن قلق بلاده من دور إيران في أزمات الشرق الأوسط ومن برنامجها للصواريخ الباليستية المثير للجدل. وقال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السعودي عادل الجبير في الرياض ”دور إيران والمناطق المختلفة التي يعمل فيها هذا البلد يثير قلقنا“. وأضاف ”أفكر خاصة في تدخلات إيران في الأزمات الإقليمية... وأفكر في برنامجها الباليستي“.

ورفضت إيران مرارا دعوة فرنسا لإجراء محادثات بشأن برنامجها الصاروخي قائلة إنه دفاعي وغير مرتبط بالاتفاق النووي مع القوى العالمية المبرم عام 2015. وسئل ماكرون خلال اجتماع قمة للاتحاد الأوروبي بمدينة جوتنبيرج بالسويد عن الاتهامات الإيرانية فقال إن طهران أساءت فهم موقف فرنسا ”المتوازن“ الذي يركز على التحدث مع الجميع وعدم التحيز للسنة أو الشيعة. وقال “نريد أن تنتهج إيران استراتيجية أقل عدوانية في المنطقة وأن نتمكن من توضيح استراتيجيتها في مجال الصواريخ الباليستية التي لا تخضع لسيطرة على ما يبدو. ”إيران قوة نريد أن نجري حوارا معها وسنواصل التحدث معها“. بحسب رويترز.

وقال الجبير إن تحركات المملكة كانت ردا على ما وصفه بسلوك إيران ”العدائي“. ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية عن قاسمي قوله إن الجبير يكرر مزاعم لا أساس لها. وقال ”تلميحات وزير الخارجية السعودي ولعبة إلقاء اللوم لن تقلل بالقطع مسؤولية هذا البلد عن تقويض الاستقرار والأمن الإقليميين“.

نهج صارم

الى جانب ذلك قالت فرنسا إنها تريد حوارا ”حازما“ مع إيران بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية ومفاوضات محتملة بشأن القضية بعيدا عن الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى العالمية عام 2015. واقترحت باريس بالفعل إمكان بحث عقوبات جديدة للاتحاد الأوروبي ضد إيران بسبب اختباراتها الصاروخية وهو ما رفضته على ما يبدو مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد فيدريكا موجيريني حرصا منها على عدم زيادة المخاطر المحدقة بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه بشق الأنفس وقيد أنشطة إيران النووية المثيرة للجدل.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنييس روماتيه إسباني ”فرنسا قلقة من الوتيرة المستمرة لبرنامج إيران الصاروخي الذي لا يتوافق مع قرار مجلس الأمن (التابع للأمم المتحدة) رقم 2231 ويمثل مصدرا لعدم الاستقرار وانعدام الأمن للمنطقة“. ويدعو القرار 2231، المنصوص فيه على الاتفاق النووي، إيران إلى عدم الاضطلاع بالأنشطة المتعلقة بالصواريخ القادرة على حمل قنابل نووية بما في ذلك عمليات الإطلاق التي تستخدم تكنولوجيا من هذا القبيل. ولم يصل القرار إلى حد حظر هذا النشاط صراحة. بحسب رويترز.

وقالت روماتيه إسباني ”فرنسا تود بحث جميع الخيارات الدبلوماسية: حوار سياسي صريح وحازم مع إيران وتحقيقات تجريها الأمانة العامة للأمم المتحدة وإذا لزم الأمر عقوبات أوروبية جديدة ضد الكيانات أو الأفراد الإيرانيين الضالعين في البرنامج الباليستي وأخيرا فتح مفاوضات بشأن الأمر“. وأي عقوبات يفرضها الاتحاد الأوروبي تستلزم موافقة جميع أعضائه الثمانية والعشرين بالإجماع لكن لا يوجد إجماع بشأن الخطوات العقابية الجديدة ضد إيران وهي حقيقة أوضحتها موجيريني.

ورفضت إيران دعوة وجهها الرئيس الفرنسي ماكرون لإجراء محادثات حول برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني قائلة إن صواريخها دفاعية ولا علاقة لها بالاتفاق النووي مع القوى العالمية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي”فرنسا على دراية كاملة بموقف بلادنا الراسخ بأن شؤون الدفاع الإيرانية غير قابلة للتفاوض“.

وأضاف في بيان نشره الموقع الإلكتروني للخارجية الإيرانية ”قلنا للمسؤولين الفرنسيين مرارا إن الاتفاق النووي غير قابل للتفاوض ولن يُسمح بإضافة قضايا أخرى له“. واتهمت الولايات المتحدة إيران بتزويد الحوثيين في اليمن بصاروخ أطلق باتجاه السعودية في يوليو تموز ودعت الأمم المتحدة إلى محاسبة طهران على انتهاك قرارين لمجلس الأمن الدولي.

وتتهم السعودية وحلفاؤها إيران بتزويد الحوثيين بالصواريخ وأسلحة أخرى ويقولون إن الأسلحة لم تكن موجودة في اليمن قبل نشوب الصراع في 2015. وتنفي إيران الاتهامات وتلقي باللائمة في الصراع على الرياض. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات أحادية الجانب على إيران قائلة إن تجاربها الصاروخية تنتهك قرارا للأمم المتحدة يدعو طهران إلى عدم القيام بأنشطة متعلقة بالصواريخ القادرة على توصيل أسلحة نووية.

ماكرون و ترامب

من جانب اخر نبه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مقابلة مع مجلة "تايم" نشرت الى ان ايران ستصبح "كوريا شمالية جديدة" اذا عملت الولايات المتحدة على تقويض الاتفاق النووي الذي وقع مع طهران في 2015. وروى ماكرون انه حاول اقناع الرئيس الاميركي دونالد ترامب في تشرين الاول/اكتوبر بالاستمرار في تأييد الاتفاق النووي. وقال "قلت له فقط: ما هو خياركم؟ ماذا تقترحون؟ اذا كنتم تريدون قطع كل العلاقات مع ايران في ما يتصل بانشطتها النووية فانكم ستخلقون كوريا شمالية جديدة. ما هو خياركم؟ اعلان الحرب، مهاجمة ايران؟ سيكون ذلك جنونا".

ومن دون ان يندد به، رفض ترامب في 13 تشرين الاول/اكتوبر الاقرار بالتزام ايران الاتفاق النووي الذي وقعته مع الدول الست الكبرى (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا) والهادف الى منعها من امتلاك سلاح نووي. وحذر ماكرون من ان الوضع قد يتدهور في شكل اكبر واضاف "هذا ما سبق ان عشناه مع كوريا الشمالية. وفجأة، نستيقط بعد عشرة او اثني عشر عاما من دون اي مراقبة (فيما ايران) تملك سلاحا نوويا". واعتبر ايضا ان ترامب لم يكن يملك خطة بديلة بعدما اعلن في حزيران/يونيو انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ الذي وقعته 195 دولة في 2015، الا اذا جرى التفاوض مجددا حول الاتفاق بحيث بات مضمونه ملائما لواشنطن في شكل اكبر. بحسب فرانس برس.

واكد ماكرون انه ابلغ نظيره الاميركي "لا يمكن اعادة التفاوض مع 180، 190 دولة، هذا غير ممكن"، داعيا اياه الى "اعادة النظر في قراره". وقال ايضا لترامب "انتم غير موافقين ولكن ما هي خطتكم البديلة؟ اجهل خطتكم البديلة". وتابع في الموضوع نفسه "حين ترون الالتزامات التي اعلنتها المدن الكبرى والدول والقطاع الخاص، اعتقد اننا قادرون على الوفاء بالالتزامات" التي اعلنها الرئيس السابق باراك اوباما لجهة الحد من الانبعاثات الاميركية لثاني اكسيد الكربون بنسبة تراوح بين 26 و28 في المئة في 2025 مقارنة بما كانت عليه العام 2005. واكد ماكرون ايضا ان نظيره الاميركي لن يشارك في قمة باريس في 12 كانون الاول/ديسمبر والتي تنظمها فرنسا لمناسبة مرور عامين على توقيع اتفاق المناخ، "الا اذا اعلن في شكل واضح انه قرر الانضمام الى نادي" الموقعين.

اضف تعليق