q

الهجمات الارهابية الاخيرة التي تعرّضت لها العاصمة طهران وراح ضحيتها 17 شخصاً، وأصيب أكثر من 50 آخرين، وتبناها تنظيم داعش بعد تهديدات سابقة، ما تزال محط اهتمام واسع خصوصا وانها اسهمت بحسب بعض المراقبين، في تفاقم الخلاف بين ايران وبعض دول المنطقة ومنها المملكة العربية السعودية، التي أتهمتها بعض الجهات والشخصيات الايرانية بالتورط في الأعمال الإرهابية الاخيرة من خلال دعم وتميل جهات وجماعات متشددة تنشط في الجهة الشرقية لإيران في بلوشستان"، وهو ما اثار قلق ومخاوف البعض ممن يخشى من اندلاع صراع جديد في المنطقة التي تعيش حالة من عدم الاستقرار الامني، حيث أعلن المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي أن الاعتداءات التي نفذها تنظيم داعش في طهران "لن تؤدي سوى إلى تأجيج الكراهية" لواشنطن والرياض، كما أكد حسین سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني كما نقلت بعض المصادر، أن الحرس وضع مسألة الانتقام من هجومي طهران على جدول أعماله وبشكل جاد، مشيرا إلى أن "مكان الانتقام سيبقى سرا".

وأشار سلامي، إلى أن هجوم طهران "فشل سياسي كبير" لأعداء إيران، وأن الهجوم جاء كإفراز لمشروع سياسي سعودي أمريكي صهيوني مشترك بدأ في الرياض، بحسب تعبيره. وقال القائد العسكري الإيراني: "هدف هذا المشروع ضرب قوة إيران السياسية والأمنية"، مضيفا أن الهجوم يأتي نتيجة لخسارة الأعداء في النزاعات الإقليمية والحروب بالوكالة المشتعلة في المنطقة منذ سنوات. وأشار سلامي، إلى أن "سياسة السعودية في المنطقة"، منيت بالهزيمة، وأن تنظيم "داعش" في طور الأفول. وأوضح أن أمام نجاح السياسات الإيرانية في المنطقة لا تمتلك السعودية سوى ضخ الإرهاب، وبث التفرقة والمعتقدات المتطرفة، مؤكدا أن السعوديين أعلنوا مؤخرا أنهم سيزعزعون أمن إيران من الداخل، ما اعتبره مخططا ضد إيران.

وحذر ايضا "كل من يسعى أو يفكر في زعزعة استقرار إيران بأن مصيره سيكون كمصير منفذي الهجوم"، مضيفا "في حال ارتكب أعداؤنا أي حماقة سنحطم قصورهم الزجاجية فوق رؤوسهم، وأن رد إيران على هجومي طهران سيكون مدمرا".‪‬ وأكد أن لدى طهران الكثير من الخيارات للرد، وأنه في حال لم نطبق الكثير منها، فإن ذلك بسبب عدم رغبة الحكومة الإيرانية بتوسيع دائرة النزاعات والتفرقة في المنطقة. وقال سلامي: "هناك أرامكو إرهابية تشكلت لتصدير كل أنواع المؤامرات الشبيهة بشركة (أرامكو السعودية – الأمريكية) للنفط".

حملة امنية كبيرة

وفي هذا الشأن تواصل أجهزة الامن الايرانية ملاحقتها للشركاء المفترضين لمنفذي اعتداءي طهران في 7 حزيران/يونيو حيث أوقفت وقتلت العشرات من الجهاديين الاعضاء أو "المرتبطين" بتنظيم داعش في مختلف انحاء البلاد، بحسب ما أوردت وسائل الاعلام. وأفادت وكالة الانباء الطلابية (ايسنا) ان اربعة عناصر من التنظيم الجهادي قتلوا "خلال مواجهات مع قوات الامن"، في جنوب ايران.

وأشار الجنرال عزيز الله مالكي قائد قوات الامن في محافظة هرمزغان (جنوب)، الى ان "اثنين منهم من الاجانب"، من دون أن يحدد جنسياتهم. كما ضبطت السلطات اسلحة وعلما للتنظيم، بحسب ما نقلت عن الوكالة. وكان وزير الاستخبارات سيد محمود علوي أعلن في وقت سابق ان "العقل المدبر والقائد" المفترض للاعتداءين قتل بعد ان "فر من البلاد". ولم يعط الوزير أي معلومات حول هوية هذا الرجل او ملابسات مقتله ومكان حصول ذلك تحديدا او ما يمكن ان يساهم في تبرير اعتباره "العقل المدبر" للاعتداءين.

ويحد ايران من الشمال تركمانستان وأذربيجان، ومن الغرب تركيا والعراق ومن الشرق افغانستان وباكستان، ومن الجنوب الخليج العربي ومن الشمال بحر قزوين. وكانت وزارة الاستخبارات اعلنت في وقت سابق توقيف 41 شخصا في طهران وفي محافظات كرمنشاه وكردستان واذربيجان الغربية، الواقعة جميعا في الشمال الغربي القريب من الحدود مع العراق وتركيا. كما أوقف العديد من المشتبه بهم في عدة محافظات.

وأعلنت وزارة الاستخبارات "تفكيك نحو 25 مجموعة ارهابية" منذ مطلع العام الايراني في 21 اذار/مارس. وتابع علوي "نحن مستغربون لاننا كنا في السنوات الماضية نفكك مجموعتين في الشهر لكن منذ مطلع العام، نقوم بذلك كل يوم عمليا". ونفذ الهجمات التي اسفرت عن 17 قتيلا ونحو خمسين جريحا وتبناهما تنظيم داعش، خمسة مسلحين منهم انتحاريون فجروا انفسهم. وكانوا جميعا ايرانيين ينتمون الى التنظيم وقاموا بعمليات في سوريا والعراق قبل ان يعودوا لتنفيذ عمليات في ايران.

السعودية ودعم المتشددين

الى جانب ذلك قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن السعودية تدعم متشددين داخل إيران. وصرح ظريف بذلك بعد أيام من إعلان تنظيم داعش المسؤولية عن هجومين في طهران. ودعا ظريف دول المنطقة لتأسيس منتدى لحل الخلافات. ووصلت العلاقات بين إيران والسعودية إلى أعلى مستوى من التوتر منذ سنوات. وقطعت السعودية ودول عربية أخرى العلاقات مع قطر متهمة إياها بدعم إيران كأحد الأسباب التي دفعتها لاتخاذ هذه الخطوة. وقال ظريف "لدينا معلومات مخابراتية تفيد بأن السعودية ضالعة في دعم جماعات إرهابية في الجانب الشرقي من إيران في بلوخستان". وإقليم بلوخستان هو موطن السكان السنة الذين يمثلون أقلية في إيران الشيعية.

وتتبادل إيران والسعودية الاتهامات بالإضرار بالأمن الإقليمي كما تدعم كل منهما أطرافا مختلفة في صراعات إقليمية في سوريا واليمن والعراق. وتلقي طهران باللوم على الولايات المتحدة أيضا في التشدد الإسلامي بالمنطقة. ودعا ظريف إلى تأسيس منتدى إقليمي لحل الخلافات بين الدول مشيرا إلى أن هذا الأمر بات أكثر إلحاحا بعد التوترات بين قطر وكل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين.

وقال وزير الخارجية الإيراني "من الضروري... وضع آلية دائمة للتشاور والتحاور وحل النزاع في منطقتنا على غرار منهج هلسنكي" مشيرا إلى معاهدات هلسنكي عام 1975. وأضاف "أعتقد أنها نجحت في ذروة الحرب الباردة هنا في أوروبا ويجب أن تنجح (بالنسبة للشرق الأوسط أيضا)". وردا على وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيران بأنها دولة راعية للإرهاب، سلط ظريف الضوء على أن معظم منفذي هجوم 11 سبتمبر على واشنطن ونيويورك كانوا سعوديين لا إيرانيين. بحسب رويترز.

وقال "إن الرئيس ترامب يحاول أن يغير جنسية 15 من بين 19 من مهاجمي 11 سبتمبر أو (جنسية) كل مهاجم انتحاري نفذ هجوما في الأراضي الأمريكية أو أي دولة غربية على مدى العشرين عاما الماضية". وأضاف "لم يأت أي أحد منهم من إيران.. لماذا يحاول تغيير التاريخ؟ نحن لا تخيفنا هذه الخطوات".

ثغرات امنية

من جانب اخر وعندما دعا تنظيم داعش الأقلية السنية في إيران في مارس آذار إلى الجهاد ضد حكامها الشيعة لم يأخذ الكثيرون هذا التهديد على محمل الجد. غير أنه في غضون ثلاثة أشهر فقط اخترق المتشددون الأمن في قلب الدولة وقتلوا 17 شخصا. وكشفت الهجمات على البرلمان وعلى ضريح مؤسس الجمهورية الإسلامية عن مواطن ضعف لدى الحرس الثوري الذي يفترض أنه يقوم على حماية تلك الرموز الكبيرة للثورة الإيرانية.

كما قوضت الهجمات الاعتقاد السائد في طهران بأنها يمكنها، من خلال دعمها هجمات على داعش في أرجاء الشرق الأوسط، أن تبقي التنظيم المتشدد بعيدا عن إيران. ويقول المسؤولون إن إيران ستصعد استراتيجيتها التي تشمل إرسال مقاتلين لمحاربة داعش في سوريا والعراق إلى جانب فصائل شيعية مسلحة متحالفة مع طهران.

وأثارت هجمات طهران التي نفذها أعضاء إيرانيون بتنظيم داعش صدمة على غرار ما حدث في بلدان غربية هوجمت أيضا على يد متشددين محليين. فالإيرانيون الآن قلقون بشأن عدد أولئك الذين لا يزالون هناك ويخططون لهجمات مماثلة. وقال مسؤول إيراني كبير إن تنظيم داعش أسس شبكة دعم في البلاد وأشار إلى أن دوافع أعضائها سياسية واقتصادية بقدر ما تتعلق أيضا باعتقاد المتطرفين السنة بأن الشيعة كفار. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه "التطرف السني ينتشر في إيران مثل كثير من الدول الأخرى. وليس كل أولئك الشبان الذين ينضمون للجماعات المتطرفة متدينين بالضرورة". وتابع قوله "لكن المؤسسة على علم تام بالمشكلة وتحاول التصدي لها".

ويرفض أغلب السنة الإيرانيين الذين يشكلون نحو عشرة بالمئة من السكان فكر تنظيم داعش. لكن بعض الشبان السنة يعتبرون سياسات إيران قمعية في الداخل أو عدائية في الخارج كما في العراق وسوريا وهو ما يدفع المزيد منهم إلى أحضان الجماعات المتشددة. وتحاول إيران وقف انتشار الفكر المتطرف بالمناطق ذات الأغلبية السنية وهي عادة مناطق تعاني ضعفا في التنمية الاقتصادية. وقالت السلطات إنه تم منع 1500 شاب إيراني من الانضمام للتنظيم في 2016.

وإقليم سستان وبلوخستان الإيراني المتاخم لباكستان وأفغانستان هو موطن الأقلية البلوخ وطالما كان معقلا لمتمردين سنة. وتقاتل جماعتان سنيتان، هما جيش العدل وجند الله، الحرس الثوري منذ أكثر من عقد من الزمن. وتركز ذلك في الغالب في مناطق نائية لكن البعض يقول إن امتداد العنف إلى طهران في نهاية المطاف شبه حتمي كما حدث. وقال علي واعظ المحلل السياسي الإيراني لدى مجموعة الأزمات الدولية "لم تكن المفاجأة في الهجمات وإنما في تمكن إيران من تجنب الهجوم كل هذه المدة. كانت الهجمات جرس إنذار لأجهزة الأمن الإيرانية". وأضاف "لكنها أيضا ربما تمثل تنبيها للمتشددين الذين سيتشجعون لاستغلال مواطن الضعف في إيران".

ويمثل الحرس الثوري الإيراني منذ تأسيسه بعد قليل من الثورة الإسلامية عام 1979 أقوى جهاز أمني داخلي وخارجي لإيران ويضم شبكة معقدة من أجهزة المخابرات والرقابة. وتوعد الحرس الثوري بالانتقام من "داعش" لكن مسؤولا أمنيا كبيرا قال إن هذا لن يكون سهلا. وأضاف المسؤول طالبا عدم الكشف عن اسمه "أظهرت الهجمات مواطن الضعف في جهازنا الأمني على الحدود وداخل إيران". وقال "أحبطت قواتنا الأمنية كثيرا من الهجمات التي دبرتها داعش في السنوات الماضية. تم تفكيك كثير من الخلايا الإرهابية. حراسنا كانوا متيقظين".

وتضيق فصائل مسلحة بالمعارضة السورية وقوات عراقية الخناق على تنظيم داعش في البلدين وقال المسؤول إن التنظيم حاول فيما يبدو الرد في طهران. وأضاف "الهجمات هي نتيجة لإضعاف داعش في المنطقة. هم يحملون إيران المسؤولية عن ذلك... لكن إيران لن تترك معركتها ضد الإرهاب". ومناقشة مواطن الضعف الأمني علنا من المحظورات في إيران. غير أن بهنام بن تاليبلو محلل شؤون إيران لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقره واشنطن انتقد فكرة أن سوريا والعراق يمكن أن يشكلا على نحو فعال خط دفاع أول عن إيران. وقال "لطالما برر المسؤولون الإيرانيون الوجود العسكري النشط لبلادهم في العراق وسوريا باعتباره وسيلة للحفاظ على أمن بلدهم".

وقال مسؤول كبير، طلب أيضا عدم الكشف عن اسمه، إن الهجمات ستدفع إيران صوب "سياسة إقليمية أشد تصلبا". واستبعدت سنام وكيل الباحثة لدى برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى تشاتام هاوس أي توقعات بأن تحاول طهران تهدئة التوتر المتصاعد مع الرياض. وقالت "إذا كنا نتوقع أي تغيير في سياسة إيران بالمنطقة أو تراجعا بأي شكل من الأشكال.. فهذا لن يحدث". بحسب رويترز.

وقال الرئيس حسن روحاني الذي فاز مؤخرا بولاية جديدة إن الهجمات ستعزز وحدة إيران. غير أن محللين يعتقدون أن الهجمات ستؤدي إلى تفاقم التوترات المحلية بين روحاني، الذي يتبنى نهجا عمليا، وخصومه بين رجال الدين المتشددين والحرس الثوري. فقد انتقد هؤلاء مرارا محاولات الرئيس لتحسين العلاقات مع العالم الخارجي. وبوجه عام تراجعت سلطة روحاني أمام المتشددين الذين يواصلون تحديد السياسات من خلال قوة القدس التابعة للحرس الثوري والتي تقاتل في العراق وسوريا إلى جانب الحلفاء الشيعة. ويرى المعارضون للمتشددين أن هؤلاء يساعدون في دفع السنة، الذين يشعرون بالاغتراب، إلى أحضان الجماعات المتشددة.

أسئلة في البرلمان

في السياق ذاته دعا نواب إيرانيون وزير الأمن الداخلي والمخابرات ووزير الداخلية ونائب قائد الحرس الثوري إلى البرلمان لاستجوابهم بشأن أكبر خرق أمني في البلاد منذ أكثر من عقدين. ونقلت وكالة أنباء ميزان التي تنقل أخبار القضاء عن النائب البرلماني أسد الله عباسي قوله "على الوزيرين أن يشرحا كيف تمكن الإرهابيون من الوصول إلى العاصمة وضرب هدفين حساسين. لسنا راضين عن الإجابات التي تلقيناها حتى الآن".

وقال عباسي إن الهجمات غير مسبوقة منذ مقتل نواب إيرانيين في الثمانينات. وكان يشير إلى زرع جماعة إيرانية معارضة لقنبلة عام 1981 في طهران قتلت 27 عضوا في البرلمان وعشرات المسؤولين الآخرين. وفي هجمات الاخيرة لم يقتل أي عضو في البرلمان بسبب عدم تمكن المهاجمين من الوصول للمبنى الرئيسي. وقال نواب إيرانيون إن وزير المخابرات أكد لهم أن "كل عناصر داعش في البلاد قضي عليها.

وكان التنظيم الجهادي نشر في آذار/مارس تسجيل فيديو نادرا باللغة الفارسية حذر فيه من انه سيقوم "بفتح" إيران مجددا ويعيدها "مسلمة سنية كما كانت من قبل". وفي فيديو يبدو أنه صور قبل هجومي طهران ظهر خمسة مسلحين ملثمين يطلقون تهديدات ضد الشيعة في إيران. وجاء في ترجمة إلى العربية بثتها وكالة أعماق التابعة للدولة الإسلامية مع الفيديو قول أحد المسلحين الخمسة "هذه رسالة من جنود الدولة الإسلامية ومن إحدى الكتائب الموجودة في إيران: هذه أول كتيبة شكلت ولن تكون الأخيرة. وهذه رسالة من إخوانكم من أهل الجهاد نحرض فيها المسلمين لزعزعة أمن الرافضة" في إشارة إلى الشيعة الذين يمثلون الأغلبية في إيران.

وأضاف المسلح "اعلموا أن رقاب الرافضة في إيران ليست بعيدة عن سيوف جنود دولة الإسلام. وهذه الكتيبة ستكون باكورة الجهاد في إيران". واستهدفت مجموعات جهادية في السنوات الأخيرة بعض المناطق الإيرانية القريبة من الحدود مع العراق وأفغانستان وباكستان، إلا أن المدن بقيت بمنأى عن أعمال العنف. وتضم هذه المناطق الحدودية القسم الأكبر من الأقلية السنية في إيران التي انضم بعض أفرادها إلى تنظيم داعش.

اضف تعليق