برزت في الآونة الأخيرة فكرة الشراكة بين الحكومات والمنظمات الأهلية والنقابات المهنية، وهذه الشراكة تبدأ من مراحل مبكرة في صنع السياسة، فنجاح عملية الشراكة يتطلب أمورا عديدة منها: إقامة شبكات وتحالفات بين المنظمات والنقابات بعضها البعض، بغية تسهيل تبادل المعلومات والخبرات، كما يشترط لنجاح الشبكة...
تعد النقابات المهنية من أكبر منظمات المجتمع المدني والأكثر أهمية وتأثيرا في المجتمعات العالمية، كونها ترتبط ارتباطا مباشرا ووثيقا مع أصناف وطبقات المجتمع على حد سواء كأصحاب الشهادات أو من الطبقة العمالية، ولعبت النقابات دورا أساسيا في قيادة المجتمع، بوضع حد لأشكال الإستغلال والإبتزاز لفئات مجتمعية ورفع الظلم وحالات الإضطهاد عنهم.
واكتسبت النقابات المهنية في العراق محورا مفصليا في كل ما يتعلق بالعملية التنموية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال الدور المهم الذي أنيط بطبقات المجتمع العراقي، وتنافسها المستمر مع الحكومات من أجل تحصيل المنافع الإيجابية لمنتسبيها وإبراز الوجه الحسن لدور النقابات في إشراكها برسم السياسات العامة لحركة الحكومات على المستوى الاقتصادي والسياسي.
فقد ناضل النقابيون العراقيون في ظل الحكومات المتعاقبة ردحا طويلا من العقود ضد كل أنواع الظلم الطبقي والاجتماعي والسياسي، الأمر الذي أدى بالبرجوازية العراقية المتمثلة بنظام البعث إلى أن تفرغ جوهر المكاسب التي تحققت للنقابيين عبر نضالهم الثوري المتعدد الأشكال، وحرمانهم من سلاحهم النضالي (الإنتماء للنقابات) وشرعية الدفاع عن حقوقهم المشروعة وإجبار عمال القطاع الخاص للإنتماء إلى النقابات الصفراء التي كان يقودها الموالين للسلطة الحاكمة البعثية.
فمن الأدوار المهمة للنقابات هو إشراكها في صنع السياسات العامة للبلد، ولعل التنظيم النقابي يعتبر وسيلة للعاملين لنيل حقوقهم إذا كانوا من العاملين في قطاع خاص أو حكومي، ولا تقتصر على الحركة المطلبية بل يتسع ذلك ليشمل فئات لا تربطها علاقات اقتصادية مثل فئات الشباب والنساء، وبناءا على ذلك برزت أدوار جديدة وعديدة بعضها متعلق بالتحول الديمقراطي، والبعض الآخر ذو صلة بصنع السياسة والتأثير عليها من خلال عدة وسائل وآليات، مثل تقديم المشورة والخبرة الفنية، وبناء تكتلات وتحالفات للضغط على صُناع السياسة، وتنظيم حملات إثارة الرأي العام ضد قضايا الفساد، فضلا عن طرح المطالب مباشرة وكذلك مراقبة الحكومات التنفيذية والتشريعية.
كما برزت في الآونة الأخيرة فكرة الشراكة بين الحكومات والمنظمات الأهلية والنقابات المهنية، وهذه الشراكة تبدأ من مراحل مبكرة في صنع السياسة، فنجاح عملية الشراكة يتطلب أمورا عديدة منها: إقامة شبكات وتحالفات بين المنظمات والنقابات بعضها البعض، بغية تسهيل تبادل المعلومات والخبرات، كما يشترط لنجاح الشبكة تطبيق ديمقراطية إتخاذ القرارات.
وتحدد هذه الأدوار بمحددات معينة، منها ما تتمتع به النقابات من قدرات إدارية ومؤسسية (بناء الهياكل التنظيمية، تنمية روح العمل الجماعي، مهارات الإتصال، والتخطيط الإستراتيجي) أو ما يطلق عليه عملية بناء القدرات. وأيضا قدرتها على بناء رصيد علاقات من خلال النجاح في إقامة تحالفات وشبكات ما بين المنظمات والنقابات بعضها البعض، وأيضا مع كافة الأطراف الفاعلة في عملية التنمية السياسية التي تسعى إلى تحقيقها منظمات المجتمع المدني بما فيها النقابات المهنية والعمالية سواء على المستوى الوطني أو العالمي للوصول إلى التحول الديمقراطي المطلوب وأهمها:
1- تحقيق العدالة بين جميع المواطنين بغض النظر عن إختلاف الأصول أو الإنتماءات أو الثقافة الفرعية.
2- مشاركة الجماهير في صنع القرارات من خلال النظم والمؤسسات القانونية.
3- عدم تركيز السلطة في هيئة واحدة، وتحقيق الفصل بين السلطات.
4- قيام السلطة على أسس عقلانية رشيدة، بحيث يكون تقلد المواقع مكفولا للجميع، إستنادا إلى معايير محددة.
5- نمو قدرات الجماهير على إدراك مشكلاتها الحقيقية والتعامل معها تعاملا رشيدا.
ولتفعيل دور الحركة النقابية، عليها العمل بإتجاهين: الأول: معالجة المشاكل التنظيمية والقانونية التي تعاني منها. والثاني: التوسع والإنطلاق نحو مجالات أوسع من العمل النقابي، والتي ترتقي إلى مستوى صياغة السياسات العامة. وإذا لم يكن الأساس الذي يرتكز عليه العمل النقابي متينا، فمن الصعوبة للحركة النقابية أن تتطور وترتقي إلى مستوى أوسع من العمل النقابي والتأثير في صياغة السياسات التنموية التي لها تأثير على طبقات المجتمع كافة، عندها يمكن للحركة النقابية أن تصبح قوة ضاغطة وفعالة لها ثقل على المستويين الشعبي والرسمي، سواء أكان تنفيذيا أم تشريعيا ولها مقدرة على التأثير في السياسات الوطنية.
التوصيات
1. إن النقابات المهنية والعمالية مؤسسات وطنية، تمثل أغلب طبقات المجتمع العراقي، فإن دورها الوطني يحتم عليها الإطلاع بمسؤولياتها السياسية، والتي تتطلب عدم إغفال الدور السياسي للنقابات، والنابع من التأريخ السياسي للحركة النقابية، فتكون النقابات شريكا أساسيا في مجريات العملية السياسية، وعدم التركيز على الجانب المطلبي فقط، إذ أن قوة النقابات سياسيا وما تتمتع به من نفوذ وتأثير سياسي. ستنعكس -بالنتيجة- على فاعلية دور النقابات وتأثيرها في تنمية طبقات المجتمع سياسيا، وقدرتها على ممارسة الضغط على الأجهزة التنفيذية والتشريعية.
2. العمل على بناء جسور الثقة مع الطبقة الممثلة عنهم، فالنقابة تستمد قوتها ووحدتها من الطبقة الممثلة عنها وقدرتها على التأثير في الواقع الذي تعيشه، وبالتالي ستجد النقابات نفسها في طليعة طبقات المجتمع وقيادته بالشكل الذي يضمن تحقيق أهدافها ومصالحها، وذلك من خلال إشاعة الثقافة السياسية الديمقراطية فكرا وممارسة، في كافة هيكليات النقابات، بدءا من القواعد الجماهيرية وصولا إلى الهيئات القيادية فيه.
3. إيجاد الآليات التي تضمن تطبيق وفاعلية برامج النقابات الهادفة لتحقيق التنمية السياسية، إضافة إلى دراسة وتحديد أهدافها بشكل دقيق وقابل للتحقيق.
4. الشروع بالإصلاح السياسي الشامل الذي يستهدف دمقرطة النظام السياسي وتكريس التعددية والمشاركة في النقابات، وعدم جعلها حكرا على أشخاص معينين.
5. التعرف على مسيرة ونشأة وتطور النقابات في العراق، كما يجب على النقابات إصدار كتيبات ومنشورات وتكثيف ورش العمل من أجل تعريف الجمهور بنشأتها وتطورها ومسيرتها في العراق.
6. عزل العمل النقابي عن التكتل والتحزب الفئوي، وذلك من أجل مهنية العمل وإستقلاليته، وتطوير العمل النقابي، وأن يكون العمل بشكل نقابي وليس سياسي حزبي.
7. أن تخضع البرامج النقابية لمعايير العدالة بين المنتسبين للنقابات في توزيع المساعدات والمعونات والنشاطات الأخرى.
8. العمل على بناء خطط مستقبلية للنقابات من حيث زرع المفاهيم المدنية في عقول الجيل الجديد، لكي تمكنهم من إحداث التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة في المستقبل.
9. من أجل أن تقوم النقابات بعملها على أكمل وجه وبحرية تامة، ينبغي على الدولة توفير الجو المناسب للعمل بحرية وإستقلالية.
اضف تعليق