مشاكل والتحديات إضافية تواجهها وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم (اونروا)، بعد القرار الأمريكي الأخير الذي اتخذه الرئيس ترامب والقاضي بتقليص الدعم المقدم لها. وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية حجب مبلغ 65 مليون دولار أمريكي من إجمالي منحة بقيمة 125 مليون دولار كانت مقررة لأونروا، كما علقت واشنطن لاحقا مساعداتها الغذائية بقيمة 45 مليون دولار تعهدت بتقديمها لأونروا. وجاء ذلك بعد أن هددت الإدارة الأمريكية بتقليص الدعم المالي المقدم للفلسطينيين حتى يوافقوا على العودة إلى طاولة مفاوضات السلام مع إسرائيل والمتوقفة منذ أربعة أعوام.
واكد مدير الوكالة بيار كرانبول ان تجميد المساعدة الأميركية للمنظمة مرده الحسابات السياسية الأميركية وليس كيفية عمل المنظمة كما تقول ادارة دونالد ترامب. متخليا عن التحفظ المعهود في هذا المنصب، اكد مدير الانروا بوضوح ان التجميد الذي أعلنته الخارجية الأميركية، سببه التدهور الكبير في العلاقات بين واشنطن والقيادة الفلسطينية. والاونروا التي تأسست عام 1949 تقدم المساعدات لقسم كبير من الخمسة ملايين فلسطيني المسجلين لاجئين في الأراضي الفلسطينية والأردن ولبنان وسوريا، وهم أبناء وأحفاد مئات آلاف الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم اثر إعلان قيام إسرائيل عام 1948. ويدرس أكثر من 500 ألف طفل فلسطيني في مدارس الاونروا التي توفر أيضا خدمات صحية وعمليات تمويل.
واكد كرانبول انه عندما التقى في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 المسؤولين الاميركيين في واشنطن، "كانت الرسالة واضحة جدا بشان دعم عمل الاونروا واحترامه". واضاف ان مسائل حياد الوكالة وادارتها والاصلاحات الضرورية كانت دائما موضع مباحثات مع الولايات المتحدة وباقي الدول المانحة، لكن دون المساس بالمساعدات المقدمة للاونروا. واوضح "بالتالي انا مجبر على النظر الى (تجميد التمويل الاميركي للاونروا) باعتباره غير مرتبط باداء المنظمة، بل باعتباره قرارا اتخذ ابان النقاش الذي اثير بعد قرار الجمعية العامة للامم المتحدة بشأن القدس وحول مسائل اخرى". وكان ترامب اعلن في 6 كانون الاول/ديسمبر 2017 اعترافه بالقدس عاصمة لاسرائيل. واثار هذا القرار الاحادي غضب القيادة الفلسطينية التي قررت تجميد الاتصالات مع المسؤولين الاميركيين مؤكدة ان واشنطن اقصت نفسها من دور الوسيط في عملية السلام المترنحة بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
اما بالنسبة الى الفلسطينيين فان تجميد المساعدات الاميركية للاونروا يشكل تنازلا جديدا للحكومة الاسرائيلية. وتتهم اسرائيل الاونروا بعلاقات مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة وتعتبرها اسرائيل منظمة "ارهابية". كما تتهم اسرائيل الاونروا بانها تجسد في داخلها مطالبة الفلسطينيين بالعودة الى اراضيهم كما تتهمها بالحض على كراهية اسرائيل. واعترف كرانبول بحصول بعض الهفوات في الماضي لكنه اكد انه سيتصدى لكل محاولة للمساس بحياد هذه الوكالة التابعة للامم المتحدة. واكد "لن اسمح لاي كان باستخدام منظمة انسانية لغايات سياسية".
استقرار الشرق الأوسط
وفي هذا الشأن قال رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن الخطط الأمريكية لتقليص المساعدات للوكالة مفاجئة ومضرة وتخاطر بزعزعة استقرار الشرق الأوسط. وزار بيير كراهينبول المفوض العام للوكالة قطاع غزة في اليوم ذاته الذي أبلغ فيه مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي البرلمان الإسرائيلي في القدس أن الولايات المتحدة ستنقل سفارتها إلى هناك بحلول نهاية 2019.
وأعلنت الولايات المتحدة، أكبر مساهم في الأونروا، أنها ستحجب 65 مليون دولار من 125 مليون دولار كانت تخطط لإرسالهم إلى الوكالة هذا العام. وتحصل الأونروا على تمويلها بالكامل تقريبا من مساهمات تطوعية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وشكك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قيمة مثل هذا التمويل وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الوكالة بحاجة لتنفيذ إصلاحات لم تحددها.
وقال كراهينبول، إن تقليص الولايات المتحدة للمساعدات سيسبب صعوبات للوكالة. وقال ”التقليص حاد ومفاجئ ومضر... على العالم أن يسأل نفسه هذا السؤال... هل يحتاج الشرق الأوسط لمزيد من عدم الاستقرار؟ هل من المعقول التفكير بأن المرء لن يحقق سوى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة بتقليص التمويل لأونروا؟“ ويعتمد أكثر من نصف سكان قطاع غزة وعددهم مليونا نسمة على دعم أونروا ووكالات أخرى. ويقول الفلسطينيون إن قرار تقليص التمويل قد يفاقم المصاعب في القطاع حيث بلغت نسبة البطالة 46 في المئة.
وقال كراهينبول أثناء زيارة مدرسة للبنات في مدينة غزة إن نحو 525 ألف صبي وفتاة في 700 مدرسة تابعة للوكالة قد يتأثرون بتقليص التمويل الأمريكي. وأضاف أن حصول الفلسطينيين على رعاية طبية أساسية قد يتأثر أيضا. وقال ”لا أستطيع تخيل المجيء لهذه المدرسة أو أي مدرسة أخرى في أونروا خلال أسابيع قليلة لأقول للأطباء 'للأسف فشلنا'. الفشل ليس خيارا“.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن واشنطن منحت 355 مليون دولار لأونروا في العام المالي 2017 الذي انتهى في 30 سبتمبر أيلول. وفي تغريدة على تويتر في الثاني من يناير كانون الثاني قال ترامب إن واشنطن تمنح الفلسطينيين ”مئات الملايين من الدولارات سنويا ولا تنال أي تقدير أو احترام“. وأضاف ”في ضوء أن الفلسطينيين لم يعودوا مستعدين للمشاركة في محادثات سلام، فلماذا نقدم أيا من تلك المدفوعات الكبيرة لهم في المستقبل؟“. بحسب رويترز.
وأبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تأييدا محسوبا للخطوة الأمريكية. وكان نتنياهو قد دعا إلى خفض تدريجي في تمويل أونروا ونقل مسؤولياتها للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. لكن بدا أنه يقر بأن ذلك قد يترك إسرائيل في مواجهة أزمة إنسانية محتملة على أعتابها. وتفرض إسرائيل قيودا صارمة على حركة الأفراد والبضائع عبر الحدود مع قطاع غزة.
المساعدات الغذائية
على صعيد متصل قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة لن تصرف مساعدات غذائية قيمتها 45 مليون دولار كانت قد تعهدت بتقديمها للفلسطينيين في إطار برنامج (النداء الطارئ للأراضي الفلسطينية المحتلة) الذي تقوده وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وكانت وزارة الخارجية قد أعلنت أن واشنطن ستعلق مبلغا آخر قيمته 65 مليون دولار كانت تعتزم تقديمه للوكالة التي تساعد الفلسطينيين قائلة إن على (أونروا) إجراء إصلاحات لم تحددها. ونفت المتحدثة باسم الخارجية هيذر ناورت أن يكون تعليق مبلغ الخمسة وستين مليون دولار هدفه معاقبة الفلسطينيين الذين انتقدوا بشدة إعلان ترامب اعتزامه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
وكان المراقب المالي لوزارة الخارجية الأمريكية إريك هيمبري قد تعهد في رسالة بتاريخ 15 ديسمبر كانون الأول إلى المفوض العام للأونروا بيير كرينبول بتقديم 45 مليون دولار في إطار برنامج (النداء الطارئ للأراضي الفلسطينية المحتلة). وجاء في الرسالة ”تعتزم الولايات المتحدة إتاحة هذا التمويل للأونروا في أوائل 2018... سيُرسل خطاب إضافي وحزمة إسهامات لتأكيد هذه المساهمة بحلول أوائل يناير 2018 أو قبل ذلك“.
وقالت ناورت إن الولايات المتحدة أوضحت للأونروا أن المساعدات التي تبلغ قيمتها 45 مليون دولار كانت مجرد تعهد يهدف لمساعدة الوكالة في ”التوقع والاستشراف“ وليست ضمانة مكفولة. وأضافت ”في الوقت الحالي، لن نقدم هذا. لكن ذلك لا يعني، وأود أن أؤكد، لا يعني أننا لن نقدمه في المستقبل“. وكررت وجهة نظر الولايات المتحدة وهي أن الأونروا تحتاج إلى إصلاحات قائلة إن عدد اللاجئين الذين يشملهم برنامجها زاد كثيرا عما كان عليه سابقا وإنه يجب أن ”يزيد المال الذي تقدمه الدول الأخرى أيضا حتى يتسنى استمرار صرف الأموال اللازمة لكل هؤلاء اللاجئين“. وأضافت ”نطلب من الدول أن تفعل المزيد... ونحن لا نعتقد أساسا أن لزاما علينا أن نكون المانح الرئيسي لكل منظمة في العالم“. بحسب رويترز.
وعلى الرغم من القرار المتعلق بتعهد المساعدات الغذائية قالت ناورت ”نحن الدولة الأكثر سخاء على الكوكب، وسنظل“. ومن المرجح أن يؤدي قرار حجب بعض الأموال إلى زيادة صعوبة استئناف محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية ويلحق مزيدا من الضرر بثقة العرب في قدرة الولايات المتحدة على أداء دور الوسيط النزيه. وانهارت آخر محادثات بين الطرفين عام 2014 لأسباب منها اعتراض إسرائيل على محاولة التوصل لاتفاق وحدة بين حركتي فتح وحماس ومنها البناء الاستيطاني الإسرائيلي على أراض محتلة يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها ولعوامل أخرى.
آثار سلبية
الى جانب ذلك قرع الفلسطينيون ناقوس الخطر بعد إعلان الإدارة الأمريكية تجميد 65 مليون دولار من أصل 125 مخصصة لوكالة الأنروا، محذرين من الآثار السلبية التي ستطال مصير مئات الآلاف من اللاجئين الذين يعتمدون على المساعدات. وهناك خمسة ملايين فلسطيني منتشرين بين الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا من المؤهلين للحصول على خدمات الأونروا.
وحذر الفلسطينيون من أن إعلان الولايات المتحدة تجميد عشرات ملايين الدولارات المخصصة لوكالة سيؤثر سلبا على مصير مئات الآلاف من اللاجئين الذين يعتمدون على المساعدات الدولية. وتقدم الوكالة مساعدات للاجئين الفلسطينيين والمتحدرين منهم في أنحاء الشرق الأوسط، مع خدمات تتضمن التعليم والرعاية الطبية.
وطالما اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الوكالة بمعاداة إسرائيل داعيا إلى إغلاقها. وهناك خمسة ملايين فلسطيني من المؤهلين للحصول على خدمات أونروا. وقررت الولايات المتحدة "تجميد" نصف الأموال المخصصة للأونروا في رسالة تحد جديدة للأمم المتحدة وضربة قوية للفلسطينيين. والولايات المتحدة هي أكبر داعم للوكالة.
وقال المتحدث باسم الوكالة كريس غونيس "الولايات المتحدة أعلنت أنها ستساهم بمبلغ 60 مليون دولار لميزانية البرنامج. حتى هذه اللحظة، لا يوجد أي مؤشرات أخرى على تمويل محتمل". وأشار غونيس إلى أن "هذا التخفيض الكبير في المساهمة سيؤدي إلى أسوأ أزمة تمويل في تاريخ الوكالة".
وأعرب مسؤولون فلسطينيون عن غضبهم على ما وصفوه بخطوة إضافية ضدهم من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد إعلان اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي إن قرار التجميد يرقى إلى معاملة "قاسية" بحق "سكان أبرياء وضعفاء". بينما أكد رئيس المفوضية العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن حسام زملط أن "اللاجئين الفلسطينيين ووصول الأطفال لخدمات إنسانية أساسية مثل الطعام والرعاية الطبية والتعليم ليس ورقة مساومة، بل التزام أمريكي ودولي".
واتهم الفلسطينيون ترامب أيضا بالتخلي عن قضايا الحل النهائي التي يجب التفاوض عليها في إطار الحل النهائي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بما في ذلك وضع القدس ومعاناة اللاجئين. وتظاهر قرابة 500 فلسطيني في قطاع غزة ضد القرار الأمريكي. أما حركة حماس فأكدت في بيان أن قرار تجميد الأموال "سياسة أمريكية مرفوضة تأتي في سياق مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وعلى رأسها قضية اللاجئين، وتثبيت المواقف والقرارات لصالح الكيان الإسرائيلي العنصري المتطرف".
وأكد مسؤولون في الخارجية الأمريكية أن واشنطن "ستجمد" الـ 65 مليون دولار المتبقية حتى إشعار آخر، "لقد تم تجميد المبلغ وليس إلغاؤه". وتطالب الولايات المتحدة التي تواصل انتقاد الأمم المتحدة منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم قبل عام بـ"مراجعة في العمق لطريقة عمل الأونروا وتمويلها". كما تطالب بمساهمة أكبر من الدول الأخرى لأنها لا تريد أن تستمر في تحمل 30% من تمويل هذه الوكالة. بحسب فرانس برس.
أما المفوض العام للأونروا بيار كرينبول فأعرب عن قلقه داعيا الدول الأخرى في الأمم المتحدة إلى المساهمة مشيرا إلى أن المبلغ أدنى بكثير من مبلغ 350 مليون دولار التي دفعتها الولايات المتحدة في العام 2017. وقال كرينبول في بيان إن "تمويل الأونروا أو أي وكالة إنسانية أخرى يعود إلى تقدير كل دولة عضو في الأمم المتحدة (...) لكن نظرا إلى علاقة الثقة القديمة بين الولايات المتحدة والأونروا فإن هذه المساهمة المخفضة تهدد أحد التزاماتنا على صعيد التنمية".
اضف تعليق