تشكل وسائل الاعلام اداة اساسية يعتمد عليه الجمهور في تحقيق اشباعته المعلوماتية والمعرفية وحتى الترفيهة، اذ تقدم هذه الوسائل مضامين متنوعة ومختلفة على مدار الساعة، عبر مئات القنوات الفضائية والصحف ومواقع الاعلام الجديد، وطالما أننا في عالم اليوم لا نستطيع فيه كبح جماح هذا السيل الاعلامي المتواصل، فإننا لابد أن نبحث...
تشكل وسائل الاعلام اداة اساسية يعتمد عليه الجمهور في تحقيق اشباعته المعلوماتية والمعرفية وحتى الترفيهة، اذ تقدم هذه الوسائل مضامين متنوعة ومختلفة على مدار الساعة، عبر مئات القنوات الفضائية والصحف ومواقع الاعلام الجديد، وطالما أننا في عالم اليوم لا نستطيع فيه كبح جماح هذا السيل الاعلامي المتواصل، فإننا لابد أن نبحث عن سبل جديدة وطرق سهلة، تحقق لنا الاستثمار الثقافي والمعرفي الصحيح لوسائل الاعلام المعاصرة.
هناك مشكلات تخص ما يتلقاه الجمهور من ثقافات مختلفة ربما تكون مدسوسة أم مخطط لها مسبقا لتحقيق غايات خبيثة، منها الذوبان الثقافي الذي حذر منه المفكرون المعنيون والمصلحون، وفي نفس الوقت ينبغي التنبّه الى عدم الانغلاق والتخوف من الآخر، ولكن يبقى تأثير المضامين الاعلامية ذا منحى مؤثر وخطير اذا ما كانت تهدف الى تغيير التقاليد لصالح الثقافات الوافدة كما هو الحال في بعض مضامين المسلسلات والافلام السينمائية.
لذا فإن المخاوف بهذا الشأن لها ما يبررها، لأن الامر هنا بالنوع، تماما مثلما تُعرض لنا كتب قيمة واخرى هزيلة، فلا شك أن الناس سيختارون ما يفيدهم أكثر، خاصة اذا تم الترويج والعرض للمعروض، بالطريقة التي تتفق والمستوى العقلي والثقافي للناس، إن هذا الامر لا يختلف كثيرا عن التعامل مع وسائل الاعلام، فعندما يقدم برامج واعمالا درامية وحلقات فكرية تنويرية، تضع أمام المُشاهد حزمة من الافكار الجديدة المتطورة التي تتناسب مع عقليته، عند ذاك سوف يهمل المُشاهد تلك القنوات التي تقوم برامجها على دس السم بالعسل كما يُقال، وهو اسلوب قد ينطلي على البعض، لكن الانسان الواعي يتجنب ذلك.
والمشكلة التي يعاني منها المجتمع العراقي، أن هناك سيلا من وسائل الاعلام التي استغلت (حرية الاعلام)، وبدأت تسيء الفهم لهذه الحرية، فتقدم أعمالا تخدش الذوق وتعمل بالضد من القيم التي تربى عليها المجتمع، وثمة شواهد على المستوى المتدني لعدد من وسائل الاعلام التي تنسب نفسها الى الشعب العراقي من خلال التسمية التي تحملها، وكادر التقديم، واللهجة المستخدمة، يكمن في عدد ليس بالقليل من المضامين السطحية الباهتة التي تُعرض على انها أعمال كوميدية ترفيهية، بحجة ان الملأ الأكبر من الناس، يحتاجون الى برامج وافكار تميل الى الفكاهة اكثر من سواها، وهو امر قد يكون صحيحا، ولكن هذا لا يلغي أهمية تقديم الافكار الجادة والمفيدة للمُشاهد، فالجيد من الأفكار ينبغي أن لا يُهمل بحجة الترفيه والتخفيف عن كاهل الناس عبر برامج لا ترقى للثقافة والوعي.
وهناك الكثير من المعنيين المثقفين والعلماء ورجال الدين وغيرهم، يؤكدون أن الفكاهة والترفيه لا يلغي شرط الفائدة، بل على العكس من ذلك تماما، لأن الاعمال الترفيهية اذا امتزجت بالجدية والفائدة، سوف تكون متميزة على غيرها، كما نلاحظ ذلك في اسلوب الكوميديا الجادة او ما يصطلح عليها بالفكاهة السوداء، فحتى المرح والشعور بالارتياح يأتي ممزوجا بالفكرة التي تفيد المتابع، وتضيف له معلومة جديدة، تزيد من وعيه وثقافته ورصيده الذهني، وفي الوقت نفسه تحافظ على المنحى الترفيهي أيضا.
علما أن هناك من يصر على تقديم المضامين غير السليمة عبر برامج مختلفة يخاطبون بها عقول المشاهدين بأعمارهم المتباينة، ولعل الخطر الأكبر يتعلق بالشباب والمراهقين، فهذه الشرائح تحتاج الى الجدية والوعي والتوجيه الصحيح، لكن ما تقدمه بعض وسائل الاعلام لا يعبأ بهذه الشرائح من بعيد أو قريب، لذا ما يثير الاستغراب حقا، ذلك الاصرار العجيب على الاعمال الهابطة التي تقدمها عدد من وسائل الاعلام المنسوبة للمجتمع العراقي، وهو مؤشر غير سليم على استغلال حرية الاعلام، لأن الحرية ينبغي أن تكون في خدمة المجتمع ولا تعمل بالضد من القيم الجيدة.
هناك دلائل على هذا التوجه الهابط لتلك وسائل الاعلام، فعندما نتفحص سطحية تلك البرامج، سوف نتوصل الى قناعة تامة تؤكد الضرر الذي يلحق بالمجتمع بسبب عدم استثمار التلفاز ثقافيا، بل غالبا ما تتسبب تلك القنوات بإلحاق الضرر الاكيد بالفرد والمجتمع، على العكس مما يحدث في مجتمعات اخرى، تبذل كل ما في وسعها من اجل تقديم الاعمال الجادة المتميزة التي تزيد من ثقافة الفرد والمجتمع، عبر برامج متنوعة، يتميز فيها عنصر الجدية والتثقيف، والتعامل مع التلفاز بما يحقق أكبر وافضل نسبة من الفائدة، والتركيز على تعميق القيم المجتمعية بدلا من تهديمها والاساءة لها.
إن الدول المتقدمة تعتمد على لجان مهمة متخصصة وخبراء متمرسون، يضعون الخطط الصحيحة للاستفادة من وسائل الاعلام، لكننا لم نلحظ ذلك في قنواتنا الفضائية، فقد لاحظنا ذلك في ما يقدمه جهاز التلفاز محليا، ونعني بذلك غياب المنهج العلمي الذي يهدف الى رفع مستوى تفكير الفرد والمجمع، وفهم ما يدور من حوله، وما يستجد في مجال الابتكار والاكتشافات، فضلا عن السلوك والتفكير الذي يرفع من شأن الانسان، ويضاعف من قوة المجتمع وقدرته على مواجهة المحن، والمصاعب والمشكلات التي تعصف بالنسيج المجتمعي.
علما أن حاجة العراقيين مضاعفة في هذا المجال، خاصة أنهم يواجهون ظروف الفساد، والمحاولات الخبيثة لتدمير القيم، ونشر الضغينة والاحقاد بين مكونات المجتمع، حيث يواجه العراقيون مرحلة خطيرة تهدد وجودهم بالدمار، وتهدف الى تمزيق البلد وتقسيمه، تحقيقا لمخططات تآمرية وضعتها دوائر خبيثة قد تكون مرتبطة بدول معادية للعراق لتحقيق اهداف دولية واقليمية.
ربما يرى بعضهم تهويلا او مبالغة في هذا الجانب، ولكن التجارب علمتنا، ان من يعمل اعلاميا بالضد من قيم الشعب، فهو يهدف الى اضعافه من اجل استغلاله، وتحقق أهدافه ذات الطابع الاستراتيجي، فيسعى الى منع وحدة الشعوب المنكوبة متمثلة بالمسلمين، فالطرف الآخر لا يتورع عن استخدام كل الوسائل المتاحة، لتحقيق مآرب كثيرة منها البحث المستمر عن المال والربح الكبير على حساب الشعوب الفقيرة، لذا من الممكن جدا أن يتم توظيف التلفاز لتسهيل مثل هذه المهمات والاهداف.
وأخيرا لابد من التأكيد على أن مواجهة مثل هذه الاهداف الشريرة وغيرها، لا يتم بوجود التسطيح المتعمد الذي تقوم به وسائل اعلام معروفة، ولو اننا قمنا بتوظيف الاعلام بما يتناسب مع ما نواجهه من اخطار جسيمة، مع استثمار المجالات والوسائل الاخرى ثقافيا وفكريا، لأصبحنا جميعا، حتى البسطاء منا، اكثر وعيا وفهما لما يدور حولنا، ويُحاك ضدنا، وعندما يتم الفهم التام للمآرب المسيئة ومن يقف وراءها، نستطيع أن نضع الحلول الصحيحة لمواجهة ذلك، عبر التخطيط السليم والارادة التي يمكنها أن تجعل من وسائل الاعلام منبرا للوعي والثقافة والتوجيه في داخل كل بيت عراقي.
ولا شك أن الجهات المسؤولة القريبة من عمل وسائل الاعلام المغرضة، يقع عليها عبء المتابعة لتحجيم المخاطر التي تبثها تلك الوسائل، كذلك يكون مفيدا تنبيه الشعب بكل شرائحه لاسيما البسطاء، من أجل فهم الاغراض الحقيقية التي تقف وراء كل البرامج والاعمال الدرامية وسواها، مما يتم التخطيط له ويتم بثه كي يسيء لوعينا وثقافتنا وتقاليدنا، من اجل الترويج للنموذج الآخر، وهو نموذج لا يمت لنا بصلة من قريب أو بعيد.
اضف تعليق