غالباً ما تسيطر القوى السياسية على وسائل الاعلام الرسمية منها العامة، فضلاً عن الحزبية الخاصة مع فرض القوى الاقتصادية هيمنتها عليها وخاصة المملوكة لها، إذ تؤدي وسائل الاعلام دورا كبيرا في تحديد الموضوعات التي تسهم بتشكيل الراي العام، وهذا ما نستنتجه من الواقع من ان اي موضوعة أو قضية أو مشكلة...
يعد الاعلام أحد أدوات تشكيل الوعي الجمعي الجماهيري وترتيب أولوياته بقضايا المجتمع ومشكلاته، إذ يستقي المواطن عموما الكثير من معلوماته ومعارفه، بوساطة وسائل الاعلام لتوافرها ولسهولة تمكنه من استخدامها، ومن ثم احتمالية تشكيل اتجاهاته على ضوئها، وتوظيف اطلاعاته هذه لصالح اغراضه الخاصة وتوجهاته العامة واشباع رغباته.
وباستقراء الواقع ببعديه التاريخي والآني، فإن عملية تشكيل هذا الوعي الجماهيري ليست بريئة على الاطلاق، إذ إنه دائما ما تتحكم في وسائل الاعلام بمختلف أنواعها وأشكالها مصالح القوى المسيطرة والممولة لهذه الوسائل، سواء كانت قوى سياسية أو اقتصادية أو تجارية، اذ تسلك تلك الوسائل اتجاهين، أولها: تشكيل وعي حقيقي موضوعي بقضايا المجتمع ومشكلاته، عن طريق تصوير الواقع كما هو عليه بكل ابعاده دون تجزئة أو تهميش أو تأطير وتفتيت، وقد ثبت من خلال الدراسات والابحاث العلمية الميدانية، من أن تحقيق هذا الاتجاه على ارض الواقع نادر الوجود إلاّ في حال رغبة القوى المسيطرة بتحقيق ذلك بما يتماشى مع توجهاتها وغاياتها ضمن مديات محددة.
وثانياً: تزيف الوعي الجمعي وفق مخطط ومقاصد القائم بالاتصال ومن ثم بلّورة العملية الاعلامية ومتعلقاتها بناءً على هذا التوجه، إذ يكون تحرك الاعلامي ضمن هذه العملية وفق مصالح القوى المسيطرة (سائسي العقول).
وبذلك تعد عملية تزيف الوعي بوساطة وسائل الاعلام المختلفة، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي هي الاكثر انتشارا وتأثيرا وتغلغلا لدى فئات المجتمع وشرائحه كافة، لإمكانية وصولها للجماهير بمختلف فروقاتهم الفردية، ومن ثم دخولها في عقر ديارهم بدون جهد أو عوائق ما قد تكون مانعاً دون تحقيق ذلك، فضلاً عن إمكانية قياس ردود الفعل رجع الصدى ( Feed back) في الوقت ذاته بصورة آنية ولاحقة.
بما أن أحد ادوار العلم مجتمعيا هي المشاركة في بلّورة قضايا النقد الاجتماعي والاسهام في إنضاج الوعي العام وعدم الاكتفاء بدوره التنويري، وانما يتعدى ذلك للقيام بالدور التحفيزي للجماهير واثارتها من اجل تشكيل وعيها بحقوقها وطبيعة مخاطر وابعاد الاستغلال الذي تتعرض له وضرورة مطالبتها بهذه الحقوق يما تراه من طرائق ملائمة.
والسؤال الأساس هنا، هو كم قضية تبنتها وسائل الاعلام عموماً ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً وتوظيفها لأساليبها بأدوات متعمدة، والتي غالبا ما تكون بدون انتباه من قبل العاملين والقائمين على العملية الاعلامية، قد ساهمت بصورة أو بأخرى بتزييف الوعي وتشكيل العقل الجمعي للجماهير، باستخدام آليات التضليل وتسطيحه عبر التهميش والتضخيم والانتقاء والتجزئة والتفتيت.
وبذلك تطرح مسألة تشكيل الوعي الاجتماعي بوصفها موضوعاً مهما وخطيرا وقضية علمية وسياسية، فضلاً عن كونها أخلاقية، إذ يعد نضج هذا الوعي مدخلا رئيساً لتحرير ارادة الانسان وتحقيقها لذاتها ومتطلباتها، ومن ثم فأن محاولات تزييفه تقترب إلى ان توصف إلى حد ما بالجريمة السياسية والاخلاقية، بوصفها محاولات تهدر حقاً من حقوق الانسان الذي ينبغي أن يدرك ويعرف ويشارك ويحاسب ويتابع ويقيم واقعه وبيئتهِ المحيطة به؟
ويشير الواقع إلى أن هناك قوى سياسية واقتصادية تسيطر على حركة الاعلام وتستغله لحرفهِ عن اداء وظيفته الاساسية وتحويل مساره الحقيقي من تشكيل وعي حقيقي للإحاطة بما حوله، إلى ادوات لتزيف الوعي الاجتماعي للجماهير، وابعاد اذهانهم عن قضايا ومشكلات مجتمعهم الاساسية وواقعهم المادي.
إذ غالباً ما تسيطر القوى السياسية على وسائل الاعلام الرسمية منها العامة، فضلاً عن الحزبية الخاصة مع فرض القوى الاقتصادية هيمنتها عليها وخاصة المملوكة لها، إذ تؤدي وسائل الاعلام دورا كبيرا في تحديد الموضوعات التي تسهم بتشكيل الراي العام، وهذا ما نستنتجه من الواقع من ان اي موضوعة أو قضية أو مشكلة ما لا تعرضها وسائل الاعلام لا يمكن ان تجد طريقها إلى الانتشار السريع بين الجمهور، ومن ثم والتفاعل معها، وبذلك تلقي العملية الإعلامية رداء البراءة والموضوعية والحيادية عن كاهلها، لممارسة عملية تضليل ممنهجة من جهة، ومن ثم تتحول إلى ان تكون اداة قمع وقهر وتطويع الجماهير لأهداف القوى المسيطرة عليه من جهة اخرى.
اضف تعليق