نواجه بين فترة وأخرى اخبارا في وسائل الاعلام العراقية والعربية تتحدث عن استطلاعات تغطي الظواهر الاجتماعية والسياسية في البلدان العربية او بلدان العالم الأخرى، وتعرض تلك الاستطلاعات على انها نصوص محكمة لا يمكن التشكيك بها او الاعتراض عليها، ما يدفع اغلب الصحفيين لتصديقها ونشرها خشية فقدان السبق الصحفي...
نواجه بين فترة وأخرى اخبارا في وسائل الاعلام العراقية والعربية تتحدث عن استطلاعات تغطي الظواهر الاجتماعية والسياسية في البلدان العربية او بلدان العالم الأخرى، وتعرض تلك الاستطلاعات على انها نصوص محكمة لا يمكن التشكيك بها او الاعتراض عليها، ما يدفع اغلب الصحفيين لتصديقها ونشرها خشية فقدان السبق الصحفي.
لكن هذه الطريقة في تبني المعلومات والاراء التي تطرحها الاستطلاعات فيها مساويء كثيرة قد تُعرض المؤسسة الإعلامية الى احراجات، وقد يتعرض الصحفي نفسه للاحراج، كما حدث قبل أيام عندما نشرت وسائل اعلام عراقية وقالت ان "مؤسسة غالوب" الامريكية قامت باستطلاع حول افضل المؤسسات الإعلامية، الا انه تبين فيما بعد عدم وجود علاقة بين الاستطلاع والمؤسسة العالمية انما بوجود علاقة غير رسمية بين الشخص القائم بالاستطلاع والمؤسسة فقط دون ان يكون هناك تكليف رسمي له.
في كل استطلاع يصل الى المؤسسة الإعلامية يجب ان يمر بمجموعة من الفلاتر قبل ان يسمح بنشره، وهذه الفتلاتر عبارة عن أسئلة عدة تمثل مبادئ توجيهية لتغطية استطلاعات الرأي وهي كالاتي:
اولاً: أي مؤسسة تقف وراء هذا الاستطلاع، هذا السؤال يختصر الكثير من الجهد والوقت، فبعض الاستطلاعات يمكن ان تجرى بسؤال عبر الانترنت، من خلال نافذة استطلاع رأي وهو لا يخضع لاي معايير علمية، اذ يعتمد على سؤال واحد فيه خيارات محدودة لحصر الجمهور وتوجيهه نحو النتيجة التي يريدها صاحب الاستطلاع.
معرفة المؤسسة يجب ان تتضمن انتماءها وأين يقع مقرها، وما هي أنشطتها السابقة، وما مدى مصداقيتها في الاستطلاعات السابقة، واسئلة أخرى عن توجهها هل هو تجاري ام سياسي ام ديني، يميني متطرف ام يساري.
ثانياً: من هم الأشخاص القائمون على المؤسسة، هل هناك كادر مهني، ام ان المؤسسة ضعيفة من حيث كوادرها، ولا يجيدون اليات اجراء استطلاعات رأي تعبر عن الواقع. وفي أي جهد استطلاعي يجب ان يوضح أسماء أعضاء فريق العمل، او على الأقل توضيح الأشخاص الذين اشرفوا على العمل، وعرض خبراتهم المهنية السابقة.
ثالثً: منهجية الاستطلاع، اذ توجد اليات منهجية صارمة في اجراء استطلاعات الرأس العلمية، ولا يمكن ان نطلق عليها صفة الاستطلاع الا اذا تضمنت تسلسل الإجراءات بدقة، ابرزها مجتمع البحث، والعينة التي اخذ منها الجتمع، على سبيل المثال: في بعض الأحيان يمكن اخذ عينة قوامها 3000 فرد، من مجموع 50 مليون نسمة، هنا تكون العينة غير ممثلة لمجتمع البحث.
وفي بعض الأحيان تكون العينة كبيرة مقارنة بمجتمع البحث، الا ان المجتمع نفسه غير متجانس، على سبيل المثال: لا يمكن اجراء استطلاع رأي حول العراق دون مراعاة العوامل الديموغرافية، بحيث يقتصر على مدينة البصرة او تكريت او أربيل، لا بد ان يراعي الفروقات الدينية والقومية وياخذها بعين الاعتبار عند توزيع استمارات الاستطلاع على الجمهور.
رابعاً: العمليات الإحصائية في الاستطلاع، فهناك نوع من التلاعب يحدث في الإجراءات الإحصائية بحيث تبدو الأرقام كبيرة او صغيرة، تأخذ النسب المئوية فقط، او يتم استبعاد المفردات التي لا تتناسب واهداف الاستطلاع.
الاخبار التي تحمل الصيغ الجاهزة لا يمكن نسخها ولصقها بسهولة، خاصة تلك التي تاتي بالطريقة الاتية: كشف استطلاع للمركز الفلاني عن تصدر الشعب الفلاني بالصفات الفلاني.."، فهذه الجوانب القيمية تحتاج الى تعمق وجهد كبير، ولا تستطيع مؤسسات صغيرة القيام به.
الجانب الأبرز الذي يجب الحذر منه خلال تغطية اخبار الاستطلاعات، هو التخلي عن العصبيات والاحكام المسبقة، فانت كصحفي يمكن ان تقع ضحية للتضليل بينما ينتظر الناس منك توضيح القضايا المخفية عنهم، واذا ما اصبح الصحفي باحثا عما يدعم وجهات نظره فقط، يمكن القول انه بدأ الهبوط في منحدر السقوط وخرج من المهنة الصحافة الى مهنة رجل الدعاية السياسية.
اضف تعليق