أقام مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية ملتقاه الفكري تحت عنوان (دور الملتقيات الفكرية في بناء الوعي الحضاري)، في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة، بحضور شخصيات حقوقية واكاديمية واعلامية وصحفية. أدار الجلسة الحوارية أستاذ العلوم السياسية في جامعة بابل، والباحث في مركز المستقبل الدكتور...
أقام مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية ملتقاه الفكري تحت عنوان (دور الملتقيات الفكرية في بناء الوعي الحضاري)، في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة، بحضور شخصيات حقوقية واكاديمية واعلامية وصحفية.
أدار الجلسة الحوارية أستاذ العلوم السياسية في جامعة بابل، والباحث في مركز المستقبل الدكتور قحطان حسين اللاوندي، حيث قال: "لاشك بأن من المظاهر الحضارية التي تتسم بها المجتمعات الفكرية الإنسانية، هي تعدد الملتقيات الفكرية والثقافية والحوارية والتي تعقد من قبل مؤسسات وأشخاص مهتمين بالجانب الفكري في مختلف المواضيع، إذ تعد هذه الملتقيات بتعددها وتنوعها تعبيرا عن تفاعل العقل الإنساني مع مشكلات بيئته في مسعى لإيجاد الحلول لها، واحيانا أخرى تمثل هذه الملتقيات مصنعا للأفكار وللرؤى والنظريات الهادفة لتطوير المجتمع ومتبنياته الفكرية، تاريخيا ليس هناك سجل أو مؤلف أو مطبوع يدون تاريخ هذه الملتقيات الفكرية وطبيعتها وأنواعها والأشخاص القائمين والمنظومين لها.
ورغم كثرة هذه الملتقيات إلا أن ما وصل منها إلى الذاكرة قد يكون قليل جدا، ويكاد يقتصر على تلك الملتقيات التي يمتلك منظموها إمكانية تخليدها أو نشر صيتها من ذي الوجاهة والسلطة والنفوذ، ولا يخفى على أحد أن الملتقيات الفكرية تقوم على الحوار والنقاش وطرح الأسئلة والإجابة عليها بطريقة العصف الذهني الفكري، وتتسم بنوع من المرونة وغياب القيود المفروضة على العقل، مما يوفر بيئة فكرية مشجعة على الإبداع وطرح الأفكار الهادفة حتى ولو كانت غريبة ومتمردة على القيم السائدة، وهناك عدة متطلبات أرى من الضروري وجودها كي تكون هذه الملتقيات الفكرية مؤثرة وفاعلة في محيطها الإنساني والمجتمعي وتسهم في زيادة الوعي الحضاري للشعوب، وهذه المتطلبات هي:
أولا: أن تتوفر البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية الداعمة لنشوء هذه الملتقيات ونموها وتطورها بمرور الوقت، كي تكون بارزة وذات أثر واضح جدا في فكر وثقافة المجتمع.
ثانيا: تنظيم الملتقيات اداريا وعلميا واعتماد أساليب راقية في إدارة الحوارات والنقاشات واحتواء كل الآراء بغض النظر عن مدى مقبوليتها أو عدمها، فكثرة الآراء وتعددها قد تؤدي إلى فكرة خلاقة تستحق الاهتمام.
ثالثا: أن يكون النتاج الفكري للملتقيات ذو حداثة ونوعية وخارج عن المألوف ويستوعب جميع التساؤلات والآراء وخارج عن النمطية التقليدية.
رابعا: أن لا تكون هذه الملتقيات نوع من الترف الفكري الثقافي.
خامسا: آلية اختيار الموضوعات المطروحة للنقاش وضرورة خضوعها لمعايير علمية تعكس الحاجة المجتمعية وتسعى لإيجاد معالجة فكرية لها.
سادسا: طبيعة ومؤهلات اولئك الذين يحضرون هذه الملتقيات، فكلما زاد عدد الحضور من الاشخاص ذو الفكر والثقافة المتميزة والبارزة وذات الفكر والقدرة على الإبداع وانتاج الرؤى المتميزة كلما كان الملتقى ذو أثر ودور واضح ويحظى بأثر ومتابعة أكثر.
سابعا: توثيق نتاج الملتقيات الفكرية وتضمينها في مطبوعات ورقية أو نشرها على المواقع الإلكترونية، كي يطلع عليها أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع، وذلك لأن عدم التوثيق والنشر يجعل جهود الملتقى تضيع وتندثر.
ثامنا: الابتعاد عن الجدل الفكري والثقافي الذي يؤثر سلبا على منتجات هذه المتلقيات ويجعلها عديمة الفائدة وعديمة الجدوى، إذ أن الجدل في المواضيع الفكرية هو الكابح الذي يعرقل مسيرة التطور الثقافي والفكري، لأنه يحتز الافكار في إطار النقد المتبادل.
تاسعا: تخصص الملتقيات الفكرية والثقافية كل في اختصاص معين، كأن يكون هناك ملتقى معني بالجانب الثقافي فقط وملتقى معني بالجانب السياسي وآخر بالاقتصادي وآخر بالقانوني، فعندما يكون الملتقى متعدد الاختصاصات والاهتمامات سينعكس على اداءه الفكري والثقافي والمعرفي، وهذا يجعل النشاطات تتشتت فالأفضل أن يكون كل ملتقى متخصص في مجال معرفي معين، لأن انفتاح الملتقى على كل المواضيع وبحضور اشخاص غير متخصصين في موضوع النقاش سيقلل من فرص التميز والإبداع.
عاشرا: حتى لا يتم تكرار المواضيع من قبل أكثر من ملتقى يفترض حدوث تنسيق وتعاون للملتقيات الفكرية، حتى نتحاشى طرح الموضوع ومعالجته برؤى مختلفة، وبالتالي يصل إلى المتلقي وإلى الفرد في المجتمع عدة آراء وعدة مخرجات لموضوع واحد، وهذا مما يخلق أمام المتلقي حيرة واندهاش وارتباك ومن ثم تضيع كل الأفكار، فيفترض وجود تنسيق حتى يتم التعاون في كيفية الموضوع كيفية مناقشاته، وايضا يتم الاتفاق على المشتركات الأساسية والمعالجات التي تطرح في جميع الملتقيات للمشكلة قيد الدراسة.
الحادي عشر: السماح لأكبر عدد ممكن بحضور هذه الملتقيات وخصوصا فئة الشباب، لاسيما وأن اختصار هذه الملتقيات على النخبة سيحد من تأثير هذه الملتقيات، وذلك لأن النخبة بطبيعتهم من ذوي الثقافة والمعرفة وهي لا تضيف إليهم الكثير من المعرفة، فمن يحتاج لنتاج هذه الملتقيات الفكرية هم عامة الناس وخصوصا فئة الشباب، الذين يفتقدون لأدنى المؤهلات الثقافية.
الثاني عشر: الاستقلالية والحيادية في عمل هذه الملتقيات، فإذا كانت هذه الملتقيات موجهة بتوجيه سياسي أو توجيه آخر، ويراد منها بث أفكار معينة فهذه المسألة ستؤثر على صورة هذه الملتقيات أمام العامة، وبالتالي ستفقد ميزة الاهتمام والاتباع، أما إذا كانت الملتقيات غير موجهة ومستقلة وحيادية في طرحها وبغض النظر عن الجهة التي تمولها ستكون عامة الناس متابعة لهذا النتاج الفكري ومن الممكن أن تطبقه على أرض الواقع.
واستكمالا لما ورد في جوهر هذا البحث كان لابد من طرح السؤالين الآتيين:
السؤال الأول/ هل للملتقيات الفكرية والجلسات الحوارية دور في تفعيل وتنشيط أفكار التقدم والتغيير والإصلاح؟
المؤتمرات طريق الإنقاذ
- الشيخ مرتضى معاش المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى أن "معايير تقدم وتخلف الأمم تقاس على عدة مؤشرات، منها على سبيل المثال عدد الكتب التي يقرأها الفرد، وعدد الجامعات وعدد المفكرين، يضاف إلى ذلك عدد المؤتمرات والندوات وورش العمل والملتقيات الفكرية والعلمية والبحثية التي تقيمها هذه المجتمعات، وهذه معايير مهمة في التصنيف الحضاري التي يقام على أساسها الوعي المجتمعي، اليوم على سبيل الفرض في مجتمعاتنا العربية والاسلامية نلاحظ غياب الملتقيات الفكرية والحوارية التي تساعد على عملية إنضاج وبناء الأفكار، لاسيما وأن غالبية المجالس التي تعقد هي مجالس للكلام والجدال غير المجدي.
فهل الملتقيات الفكرية أو العلمية حاجة أم ترف؟، فالكثير من الناس يصف هذه اللقاءات على أنها مجرد ترف، والواقع هي حاجة حضارية لحل مشكلات هذه الامة، وهذا ما أشارت إليه ضمنا الآية القرآنية (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)، (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)، المشاورة هي الحوار الذي ينتج منه رؤية ناضجة وواعية، فضلا عن ذلك هي تلبي حاجة الانسان لأنها تجمع عقول الناس إلى عقله، ومن لا ينمي أفكاره فهو إنسان فاشل لأنه ينطلق من رؤية مزاجية ومن رؤية فردية تقوم على الجوانب العاطفية، فعقول الناس عندما تجتمع وتتخذ القرار المناسب يكون القرار ناجحا، وعلى هذا الأساس نلاحظ بأن وضعنا العراقي على وجه الخصوص والوضع العربي والإسلامي بشكل عام، تغيب عنه الأفكار الواضحة، بل هناك غموض وشك وريب مما يجري في العالم، والسبب في ذلك، لأن أفكارنا نأخذها من الفضائيات ومن شبكات التواصل الاجتماعي، التي هي مجرد عملية صياغة مضللة للإنسان خصوصا فيما يتعلق بالواقع الخارجي وما يحيط بذلك الإنسان، بالإضافة إلى ذلك، فإن الملتقيات الفكرية والمجالس الحوارية تساعد الإنسان على فهم ما يجري من خلال التحليل والتفكير المشترك وعملية استخراج المعلومة الصحيحة، لذا لابد أن ننمي لدى الفرد فكرة أن الملتقى الفكري هو حاجة ماسة وليس ترفا، ويعتبره البعض مجرد تنظير لا طائل منه أي (أعمل ولا تفكر)، ومن خلال هذا التوصيف يعتبرون ان التنظير والتفكير لا قيمة مادية له بل هو حالة كمالية لملء أوقات الفراغ، وهذا وصف غير دقيق وغير صحيح فأغلب الأفكار الناجحة خرجت من التفكير المشترك، وأن أغلب المفكرين اليوم هم نتاج مجموعة من المؤتمرات والملتقيات الفكرية، بالتالي لا يمكن للإنسان أن يخرج بفكرة ما لم تكون لديه مرآة ينفذ من خلالها أو يشارك في الفكرة كي يحاول استكشاف هذه الفكرة، وما اكثر الفاشلين الذين وقعوا في فخ الارتجالية والاستغناء عن المشاورة فكانت نتائجهم مأساوية.
لذلك فطريق الانقاذ كما قال المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي: "المؤتمرات هي طريق الانقاذ"، ويقول أيضا بأن غاندي استطاع أن ينجح في انقاذ الهند من خلال المؤتمرات التي عقدها واستطاع أن يجمع كل الطوائف والاديان والفئات والجماعات في بوتقة واحدة لإخراج الاستعمار البريطاني من الهند وفعلا نجح في ذلك، وهذا هو طريق الحكمة وطريق اللاعنف فأنت لا تحتاج أن تستخدم أدوات العنف والسلاح في عملية التغيير، اذ يحضر العنف دائما عندما يغيب الحوار".
العودة إلى القرآن الكريم
- الحقوقي هاشم المطيري القيادي في منظمة العمل الإسلامي، إن "موضوع التفكر ومشتاقته (التعقل، التبصر، النظر، الاعتبار، وما شابه ذلك)، ذكر كثيرا في القرآن وحث عليه القرآن بحيث كلمة (التفكر) ذكرت (18) مرة في (17) آية في (13) سورة، وإذا جئنا إلى المرادفات الاخرى التي يدعونا إليها القرآن نرى نسبة عالية تصل إلى (10%) في القرآن، فهذا التوجه الكبير في القرآن الكريم يشكل دعوة صريحة للإنسان المؤمن إلى الحوار وإلى الفكر وإلى الحجة، علما أن غالبية الناجحين ان كانوا على مستوى احزاب في دول أو كانوا في منظمات عالمية مروا بجلسات الحوار والتفكر وبالحوار الفكري، وأبسط دليل على ذلك (الماسونية العالمية) اساس انطلاقها نحو العالم لم يكون قائم على نظام اقتصادي أو على دولة عظمى، بل كان قائما على الجلسات الفكرية والمنتديات الفكرية، وهذه المنتديات تم بثها في الامة العربية والامة الاسلامية وبها نزعوا المعارضة الفكرية لهم، حيث كانوا اليهود في القرون الوسطى أمة منبوذة في أوروبا وفي أرجاء اخرى، فبهذه المنتديات الفكرية التي تقوم أساسها على صناعة الفكر وصناعة الخطط وصناعة الرؤى للمستقبل، فضلا عن تغيير بعض الافكار حتى لا تكون مقاومة لهذه النظريات التي تطرحها الماسونية.
وعلى هذا الأساس نجحت الماسونية العالمية في تأسيس كيان خاص بهم وهو (الكيان الصهيوني)، أما نحن أمة العرب والامة الاسلامية يجب أن نعود إلى ما علمنا إياه القرآن الكريم وأن نسير بهذه الحوارات، فلا تصنع أمة إلا من خلال مفكريها ومثقفيها ومن خلال إشراك الامة، بالتالي على هذه المؤتمرات أن لا تكون للنخب الضيقة فقط وتكون مجال للترف الفكري، فيجب أن تنزل إلى الشباب وتشرك معها شرائح كبيرة من المجتمع، حتى بعد ذلك نستطيع أن نصنع رأي ونحل المشكلة".
جفاء أصحاب القرار من الملتقيات
- الحاج جواد العطار عضو برلماني سابق، يعتقد أن "هناك طلاق وجفاء بين هذه الملتقيات واصحاب القرار من جهة وبين هذه الملتقيات والجمهور من جهة أخرى، بالتالي لابد من حل هذه الإشكالية الكبيرة، وهي تحتاج إلى البحث في كيفية ردم هذه الثغرة والفجوة الكبيرة وهذا الأمر مستعصي وليس وليد اليوم، نحن في المعارضة العراقية لم تكون لدينا مكاتب دراسات بل على العكس من ذلك هناك نظرية سلبية اتجاه المفكرين والمثقفين وأصحاب الرؤى.
الملاحظة الثانية، الكثير من الاحيان على اعتبار اصحاب الملتقيات والمثقفين والنخب بعيدين عن الواقع فأحيانا يكون نتاجهم لا يلامس الواقع وهذا مما يسبب العزلة، وحتى بعض السياسيين يصرح بضرورة الابتعاد عن فلان وفلان كونه ينظر".
الإنجازات تأتي من الخرافة
- عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يرى أن "الواقع العربي والإسلامي والعراقي يحتاج إلى دور الملتقيات الفكرية وضرورة تفعيل الملتقيات الفكرية، لاسيما وأن الموروث الإسلامي قائم على فكرة (تدبر ساعة خير من عبادة سبعين سنة)، فالتدبر يعني استشراف المستقبل وتحديد المطلوب وتحديد الآليات، ما يحصل الآن في أمة العرب العمل اليومي هو يعتبر إنجاز، أما التخطيط للعمل والاستشراف وتهيئة المستلزمات والتحذير من مخاطر المستقبل هذا يصنف على أنه أمر غير مهم، لذا نحن نحتاج أولا أن نؤمن بأن هذه الملتقيات الفكرية هي فعلا تؤسس لنجاح الحياة العملية، فإذا آمنا بهذه الحقيقة عندها سوف ننتقل نحو ربط تلك الملتقيات بالميدان.
والشيء الثاني أن ننتقل إلى كيفية تطبيقها شريطة أن نضع آليات ومقاسات حقيقية للواقع العراقي، فالرجل السياسي الذي لا تشاهده في السنة مرة كيف توصل إليه الاستشارة، وكذلك رجل الدين المنشغل في عمله والتزاماته، بالتالي هذا جزء من مسؤوليتك لأنك تحمل بضاعة وعليك التفكير في كيفية إيصال تلك البضاعة وعرضها، لذا فأن التركيز على هذا الموضوع والبحث في آليات إيصاله ونشره بشكل أكبر يستحق منا الاهتمام، نعم، ربما هناك ممانعة من بعض اولئك الذين تقوم بضاعتهم على التجهيل وهم سيضعون لك العقبات، ولكن استاذتنا في الجامعة كانوا يقولون كلمة جميلة ( كل الانجازات وكل الاختراعات جاءت من الخرافة)، إذن لا شيء مستحيل أمام العلم وأمام تبادل الأفكار لكن نفتقد للإصرار على هذا الجانب".
فصل تام بين الطبقة المثقفة وصانع القرار
- الأستاذ ميثاق مناحي باحث في مركز الدراسات الستراتيجية في جامعة كربلاء، يجد أن "أصحاب العلوم الإنسانية دائما ما يتهمون بأنهم منظرون؛ والسبب يعود لوجود مساحة فاصلة ما بين الطبقة المثقفة وصانع القرار، بالتالي هذه الملتقيات تعطي حلول وتعطي نتائج لكن تطبيق تلك النتائج سيكون على صانع القرار، فعلى سبيل المثال: اختلاف الفلاسفة الأمريكان في القرن الثامن عشر في دور شأن الفلسفة في الحياة أيهما أنضج وأدق (الفلسفة العقلية أم الفلسفة الحسية)، وأقاموا الجلسات وأسموها (النادي الميتافيزيقي)، وذلك لأن الفلسفة الطبيعية كانت سائدة آنذاك، وهذا النقاش كان هو السبب المباشر لنشوء الفلسفة البراغماتية. وأن ملتقياتنا الفكرية هي مرتبطة بصانع القرار وبالطبقة الاجتماعية، خاصة وأن هناك فصل تام بين الطبقة المثقفة وصانع القرار وبين الطبقة المثقفة والقاعدة الجماهيرية، ولتغيير هذا المعنى لابد أن نضع له الحلول المناسبة".
البيئة الفكرية تصنع عقول
- علي حسين عبيد كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى أن "البيئة الفكرية التي يعيش فيها الإنسان هي التي تصنع عقليته وهي التي تصنع شخصيته حاضرا ومستقبلا، وهذا الأمر مرهون بتجربة شخصية سبق وأن مررت بها، ففي الابتدائية وقع بين يدي كتاب وهو عبارة عن قصة للمقاومة الفلسطينية، من تلك المرحلة دخلت إلى عالم الكتاب وإلى عالم الفكر لتأتي بعد ذلك المرحلة المتوسطة وأقرأ للكاتب الانكليزي كولن ولسن، وفي الاعدادية قرأت للكاتب الالماني (فريدريك نيتشه)، بالتالي هذه السلسلة من القراءات استطاعت أن تصقل تلك الشخصية التي يتحكم فيها الفكر.
من هنا استشف بأن الطبقة الشبابية في العراق مهملة فكريا، وهذا شيء واضح وملموس على أقل تقدير على الساحة الكربلائية التي تخلو من أي ملتقى فكري مختص بالشباب، إذا الفكر هو الذي يصنع شخصية الإنسان، وكلما كانت البدايات مصنوعة فكريا بطريقة صحيحة فهذا هو الصحيح".
وسيلة من وسائل الضغط العام
- الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، علق قائلا: "نحن دائما ما نردد مقولة الأخذ بأيدي الشباب وحمايتهم والوصاية عليهم، علما أن الشباب هم قادرون على أخذ أيديهم بأنفسهم، فالإسكندر المقدوني مثلا الذي ترك هذه المأثرة الكبيرة في التاريخ كان عمره لا يتجاوزه (20) عام، عندما عبر من أوروبا إلى آسيا وهو من أفضل قادة العالم عسكريا على مدار التاريخ، وهو بهذا العمر المبكر وأسقط أكبر امبراطورية في زمانه، وايضا الإمام علي (عليه السلام) عندما صرع عمر بن ود العامري كان عمره الشريف (25) عام، بالنتيجة الشباب عليهم أن يعرفوا أنفسهم ويعرفون دورهم ومكانتهم، خاصة وأن الشباب العراقي اليوم معظمهم يريدون أن يكونوا عالة على المجتمع، بالنتيجة هو يحتاج من الأب أن يقوده ومن الدولة أن تقوده ومن شيخ العشيرة وشيخ الجامع أن يقوده، وهو لا يمتلك الإرادة الذاتية كي يصنع ذاته بذاته، فعندما يمتلك الشباب هذه الإرادة عندها يستطيعون تغيير تلك المعادلة بالكامل.
الشيء الآخر، الملتقيات هي عنصر مهم وهي وسيلة من وسائل الضغط العام التي تؤثر على صانع القرار السياسي والمعرفي في المجتمع، ولكن حتى تأخذ الملتقيات دورها الحقيقي وأن تخرج من سياق الغرف المعزولة التي يتم الحديث فيها، تحتاج إلى أن تكسر القيود وذلك من خلال طرح الاسئلة الحرجة التي يحتاجها المجتمع، فاليوم معادلتنا ما زالت تقوم على ثلاثة أركان وهم (رجل الدين، شيخ العشيرة، العسكري) علما أن السلطة السياسية تخرج من هؤلاء، وبالتالي، فإن الخطوط الحمراء للمنتديات عليها أن لا تتجاوز تلك الثلاثية، ولاحظوا حتى رئيس الوزراء العراقي الحالي عندما أراد تشكيل الحكومة خياره الأول كان الحضور إلى وزارة الدفاع ومن ثم لقاء رؤساء الكتل، قبل أن يسمع من الاكاديمي ومن المثقف والباحث وقبل أن يسمع من مؤسسات المعرفة وملتقيات الفكر.
لذا نحن نحتاج أن نعي حجم المشكلة التي نعاني منها، وهي تكاد تتمثل بتلك الثلاثية التي أوردناها سابقا، وهذه الثلاثية هي نفسها التي أبعدت الإمام علي وآل البيت (عليهم السلام) من السلطة وأعطوها لمن لا يستحق، وهذه المعادلة وللأسف الشديد هي نفسها لا زالت إلى الآن قائمة، حيث تعطي الشرعية للأحزاب السياسية وللحكام الظلمة وللطواغيت، لذا فالمنتديات الثقافية والفكرية عليها مسؤولية كسر هذه المعادلة وطرح الاسئلة الحرجة من مثل علاقة الدين بالدولة، فهل بإمكان فقهائنا اليوم وعندما يريدون أن يقيموا الدولة على أساس معايير عصر الرسول (ص)، فهل هذه المعايير مناسبة للزمن الذي نعيش فيه، فنحتاج إلى أن نجيب عن تلك الاستفسارات بشكل واضح وصريح.
فهذه الملتقيات هي ليست ملتقيات تعارف بل هي ملتقيات للإجابة عن أسئلة حرجة تخص المجتمع وتخص بناء الدولة، نريد أن نفهم الدولة بالذات، خصوصا وأن الدولة الحديثة لها قانونها الخاص ولها حدودها، فهل للدولة الإسلامية من حدود خاصة بها، خصوصا وأن الثورة الإسلامية عندما جاءت إلى إيران كان شعارها الأول هو تصدير الثورة، كذلك الحال بالنسبة لداعش حينما ظهر حمل لواء تصدير الثورة إلى العالم كله، وبالتالي هو يريد اسقاط الحضارة الإنسانية بالكامل. فكيف يفهم رجل الدين الدولة، ومنظومة الحقوق والحريات وكيف يفهمها المجتمع، اذا ما استطعنا الإجابة عن تلك الاستفسارات من خلال تلك المنتديات وكنا فاعلين، خاصة وأن وسائل التواصل الاجتماعي هي الاخرى قد توفر لك فرصة الالتقاء مع الآخر ومحاورته، شريطة أن لا يكون هذا المعنى عامل سلبي بالنسبة للمتلقي، بل لابد أن يكون الملتقى إيجابي، كي يحارب المنظومة الاجتماعية المعوجة التي تريد أن تحاسب حامل الرأي السديد، فنحن نحتاج من المجتمع أن يتفاعل مع بعضه وأن يصون حقوقه وحرياته، وهذه المنتديات هي عبارة عن مرشد إليه ومصابيح في الظلام ولا تدور في نفس الحلقة المفرغة".
فائدة الملتقيات تراكمية
- حيدر الاجودي باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، وصف "الملتقيات الفكرية والحلقات الحوارية على أنها رافد من روافد المسيرة الثقافية، التي لها الدور الأول والأثر الفاعل في دعم ومساندة التعاون ما بين المؤسسات التي تشترك في الانشطة نفسها، نعم أن نتائج الملتقيات الفكرية سوف لن تكون سريعة وهي تحتاج للمزيد من الوقت حتى تتشكل خبرات تراكمية، والأمر الآخر، الفجوة الموجودة بين المثقف والجمهور سببها المثقف الذي لابد أن يخرج من برجه العاجي، على أمل أن يرتقى بالمجتمع إلى مستوى أعلى".
تحديات تعترض الملتقيات
- الدكتور حيدر آل طعمة التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، شخص "ثلاثة تحديات تعترض طريق المنتديات والملتقيات الفكرية من أن تؤدي دورها المنشود في الاصلاح، التحدي الاول هو نوعية هذه الملتقيات التي يكون فيها الحضور كالعادة من غير المختصين، مما يجعل النقاش ارتجاليا أو يتكل على أفكار تطرح عبر الانترنت، لكن بعض تلك الملتقيات تتم الاستعانة ببعض المختصين حتى تسير عملية مناقشة الموضوع بشكل علمي ومدروس. الأمر الثاني الذي بمقتضاها تكون الملتقيات فاعلة وتعالج مشاكل آنية معاصرة وساخنة، أن تخرج بنتائج تصل لصانع القرار السياسي وأن لا تكون حبيسة الغرفة المغلقة. والتحدي الأخير بعض الملتقيات الغرض منها هو نشر الوعي العام فهذا ايضا يحتاج لقنوات معينة لإيصال تلك المعلومة".
حلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع
- الحقوقي زهير حبيب الميالي، "أستطيع تشبيه الملتقيات بالخزين الذي تجتمع فيه مجموعة روافد وتختلط ليخرج منها الفكر الناضج، كذلك يفترض بالمؤتمرات أن تركز على واقع المشكلة الحالية التي يعاني منها المجتمع ليجتمع أهل الاختصاص ومناقشتها، ايضا هذه الملتقيات لابد أن تشمل على مجموعة لا بأس بها من المختصين حتى تكون ورشة عمل متكاملة لتخرج بتوصيات، وعلى تلك الملتقيات أن ترسم خارطة طريق ينفذ من خلالها المواطن كي يصون والحقوق والواجبات من أن تتعرض لأي انتهاك".
تجديد الخطاب الديني في إطار بناء الإنسان
- د. حسين السرحان رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يؤكد على أن "العراق أكثر بلد تقام فيه ندوات وورش ومؤتمرات ومنتديات وملتقيات وحلقات نقاشية وكان من المفترض أن يكون هناك نتاج يصل إلى المجتمع، ففي هذا العام مثلا عقدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مؤتمرات على مستوى الجامعات الحكومية والأهلية بشكل كبير، وبأسماء رنانة ومتخصصة في جميع مجالات الحياة (لغة، أدب، اقتصاد، سياسة، قانون)، لكن يبقى السؤال قائما من يطرح هذا الإجراء وما هو الهدف من تلك الملتقيات؟، هل الهدف البحث عن الحلول؟، الجواب كلا، بل الهدف هو المشاركة ليس إلا.
فالتعليم العالي غير قادر على حل مشاكله حتى يقيم المؤتمرات وينصح صانع القرار أو ينصح وزارة العدل أو وزارة التخطيط، فمن يطرح هذه المواضيع هو يعاني أصلا من مشاكل وهو غير قادر على حلها فكيف يكون له دور في عملية الاصلاح والتغيير. الجانب الثاني: التوقيت، فعادة ما يتم اختيار العناوين والموضوعات ليس في التوقيت المناسب. الجانب الثالث: النتاج العملي غير مستوفي للشروط حتى يصل لصانع القرار السياسي، الجانب الآخر طبيعة التواصل والتسويق فنحن لا نمتلك قنوات فضائية متخصصة في نشر الوعي الفكري والثقافي لدى الجمهور، ناهيك عن وجود فجوة كبيرة بين الجمهور والقائمين على هذه الملتقيات فتارة نرجسية من يقوم بهذه الملتقيات الفكرية والجانب الثاني تواصلهم مع هذا السياسي أو ذاك الذين لا يريدون لهذه الملتقيات أن يكون لها دور، خصوصا وأن التهم جاهزة فالمثقف دائما ما يتهم السياسي بأنه حرامي وفاسد، والسياسي كذلك يعتبر المثقف مترف وليس لديه عمل. العنصر الآخر، حتى تكون مؤثر وفاعل في التغيير والاصلاح هي طبيعة النتاج، وهذا النتاج الذي نطرحه للمجتمع نلاقي صعوبة في ايصاله للمجتمع لأن هناك خلل في الإعلام، والجانب الثاني هل لهذا النتاج توصيات عملية في قضية معينة، في هذا الإطار لابد من التركيز على الموضوعات المحددة كالتنشئة الاجتماعية والتنشئة السياسية، فعلى سبيل المثال بعد أيام قليلة سوف نحتفل بالقضاء العسكري على داعش، فهل هناك تفكير جدي في كيفية تجديد الخطاب الديني الاسلامي الحضاري الانساني السياسي، وذلك من أجل أن لا نقع في فخ داعش من جديد وهذه النفقات العالية والخسائر البشرية والموارد البشرية وبلدان محطمة، فهل يجرأ احد على طرح تلك المواضيع؟".
نحن لا نستفيد كثيرا من العبر والتجارب
- الدكتور علاء الحسيني التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، أن "أثر هذه الملتقيات على الوعي الجماهيري والوعي العام يفترض أن يكون كبيرا والآمال المعقودة عليه ايضا كبيرة، ولكن هذه الملتقيات والمؤتمرات الفكرية والحلقات والندوات هل كانت تستقرأ المستقبل أم كانت تجتر الماضي؟، في جلها كانت تجتر الماضي وتحاول أن تعيد نتاج تجارب سابقة، في العادة نحن لا نستقرأ المستقبل ولا نذهب نحو وضع رؤى إستراتيجية مستقبلية لمشاكل قد تعوق عجلة الدولة في المستقبل أو عجلة المجتمع أو تضع عراقيل في بنية الدولة ومؤسساتها، في العادة هذه الملتقيات تذهب نحو مشاكل آنية ويتم بحثها ووضع بعض الحلول وما إلى ذلك، ولكنها تترك على ادراج النسيان لتترك وتنسى، فذاكرة الشعب العراقي قصيرة جدا ونحن لا نستفيد كثيرا من العبر والتجارب التي مررنا بها، فهذه الملتقيات حقيقة لها دور في تحليل الواقع ولها دور في وضع الرأي العام في الصورة وفي أساس المشكلة وأبعادها، ولعل لها دور في وضع حلول لهذه المشاكل، ولكن مسألة التواصل بين المتلقي ومصدر المعلومة وكذلك مسألة التسويق لصانع القرار في الدولة وإقناعه بضرورة تبني رؤية معينة، هذه الحلقة لا زالت مفقودة".
الحرية والشفافية
- حامد عبد الحسين الجبوري باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يتصور أن "أفكار التقدم والتغيير والاصلاح هي بالأساس تحتاج إلى أفكار من خلال الجلسات الحوارية لمناقشتها وانضاجها، وتلك الجلسات الحوارية والفكرية هي نفسها تحتاج اولا إلى الحرية وإلى الشفافية، ايضا أضواء المجاملة والإبتعاد عن المصارحة، هذا مما يعطي مساحة أوسع لانخفاض مستوى الفائدة من تلك الملتقيات، بالتالي لابد أن تنتقل تلك الملتقيات والجلسات إلى المجال العام وتعتبر متاحة للجميع".
المنتديات بالأساس ليست للجمهور
- الدكتور مسلم عباس كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية، يعتقد أن "المنتديات بالأساس هي ليست للجمهور وأن وظيفتها الأساسية هي خلق نقاش عام بين قادة الرأي أو كيفية إنتاج قادة رأي، وهؤلاء هم من سيقودون المجتمع ويقودون حركة التاريخ، فالشريحة المستهدفة من المنتديات الفكرية هم قادة المجتمع، لذلك لا يمكن أن نتحدث عن مواطن وكيفية وصول نتاجه للمواطن فهذا النتاج سيصل للمواطن عن طريق القائد الذي أنتجه. الوظيفة الثانية للملتقيات هي تأسيس فضاء للحوار وهذا الفضاء تسبح فيه الأفكار أو تتنافس أو تتوافق، بالتالي هذه المنتديات هي التي تؤسس القائد الذين يمتلك المام كافي في كل قضايا المجتمع وهم من يغرسون الوعي الحضاري في المجتمع، وعندما نتحدث عن التواصل مع المجتمع فهذه الوسيلة هي حكر على وسائل الإعلام، أما الملتقى فهو يتواصل مع النخبة".
السؤال الثاني/ كيف يمكن جعل هذه الملتقيات ثقافة عامة تساهم في تحقيق خلاقيات الإنتاج والإنجاز والابتكار؟
- الحقوقي أحمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، علق قائلا: "أنطلق من كون الإنسان هو عبارة عن فكرة وعاطفة، فالفكر هو يبني الوعي عند الانسان، أما العاطفة فهي تبني الروح عند الإنسان، إلى جانب ذلك فإن الملتقيات تنقسم إلى قسمين ملتقيات فكرية وملتقيات عاطفية فكرية، والمعنى الثاني يصل بنا إلى أن المجالس الحسينية ورجل المنبر الحسيني استطاع صناعة عاطفة لدى المتلقي، وهذه العاطفة جاءت من جراء إيصال فكرة معينة للجمهور وبالتالي يخلق حالة تأثير فكري من خلال العاطفة، ودور هذه الملتقيات مهم جدا ولكن العبرة في كيفية استثمار هذه الأفكار وصبها بقالب جيد والترويج لها حتى تصل للجهة المستهدفة، فعلينا تنمية هذه الملتقيات شيئا فشيئا بحيث نصقل هذه الأفكار التي نحن بصددها، فإذا كانت الغاية من هذه الملتقيات هي صناعة الفكر يتحقق ذلك، أما إذا كانت الغاية من الملتقيات هي فقط للإعلام وللترويج الإعلامي ولجلب جمهور معين أو لغايات أخرى غير الفكر فلن تجد لها دورها الحقيقي".
سيطرة الأوهام وليس الأفكار
- الشيخ مرتضى معاش، يلخص "المشكلات التي نعيشها اليوم بعدة نقاط، النقطة الاولى: سيطرة الأوهام وليس الأفكار، فالأوهام دائما ما تقودنا نحو الكوارث، فما نلاحظه اليوم أن الأوهام دائما ما تتكرر؛ والسبب لأننا مجتمعات منعزلة، فحتى الملتقيات التي نجلس فيها هي تقوم على الجدلية وليس على التفكير، فنلاحظ بأن هذا الشخص لا يقبل أن يفكر ولا يسمع للرأي الآخر، فيقول الإمام علي (عليه السلام): (إذا لم تكن عالماً ناطقاً فكن مستمعاً واعياً) بالتالي اليوم الكل يريد أن يتكلم ولا يستمع بينما الاستماع أهم من التكلم، فالبعض من أصحاب السلطة على سبيل المثال لا يقبل المشورة ويعتبر نفسه مقدس في فكره وفي طرحه.
من يسيرنا اليوم ليس عالم أفكارنا بل عالم الخرافات والأساطير، بالإضافة إلى ذلك فإن أساس محور نقاش تلك الندوة يدور في فلك صناعة التفكير الذي يعتبر ثقافة اجتماعية عامة تحرك التغيير والانجاز وتخلق الابتكار، فلا يوجد لدينا ثقافة اسمها ثقافة التفكير بل هناك ثقافة الارتجال وعالم الارتجال بعيد عن عالم التخطيط، فهناك رأي يقول: (خطط ببطء ونفذ بسرعة)، لذا يحتاج أن نتعلم ثقافة التفكير وهذا ما سعى إليه المفكر المالطي (إدوارد دي بونو) من خلال كتابه المعنون (التعليم من أجل التفكير)، بأن يجعل التفكير عنوان رائد لدى الفرد ومنذ الصغر، لنخلق من خلال ذلك ثقافة التفكير التي لابد أن تكون هي ثقافة عامة في المجتمع، ففي امريكا على سبيل المثال تقام فيها الاف المؤتمرات والندوات العلمية سنويا، لذا من المفترض أن نجعل من التفكير وسيلة للانطلاق نحو الإنجاز والابتكار.
إضافة إلى ذلك، نحن أمام منهجين: المنهج الأول نبحث عن نتائج سريعة لملتقياتنا، هذا أمر غير ممكن وهو ضرب من الخيال وخارج عن فلسفة التاريخ وهو سبب فشل الملتقيات والمؤتمرات، خاصة وأن عملية التفكير هي عملية تراكمية مستمرة، فوجود حالة من التفكير المتدفق المستمر يخلق نوع من الأفكار المتراكمة التي تؤدي إلى نتاج غير مباشر، فإذا كان لدى الملتقى الفكر نتاج مباشر فهذا قد يكون غير مثمر وغير مجدي، التراكم هو الذي يدفع سلوك الانسان وحركته نحو الامام، فهذا هو المطلوب من الملتقيات الفكرية".
الغايات تصنع الأهداف
- ركز الحقوقي هاشم المطيري على حقيقة مفادها (الغايات هي التي تصنع الأهداف)، عندما نتحدث عن أي موضوع نجده ماثل أمامنا من خلال التاريخ، أما بالنسبة للحلول فعادة أصحاب الرأي يسعون إلى تطبيق آرائهم ولكن أصحاب القرار والسلطة هم من يرفضون هذه الأفكار، والسبب لأنهم لا يريدون أن يشاركهم أحد في اتخاذ القرار بل هم يريدون من الآخرين الانقياد لهم وعلى جميع المستويات، فإذا كانت تلك المنتديات هي فقط قنوات لتنفيذ تلك الافكار فالنجاح سيكون بسيط، لأن صاحب القرار يمتلك إرادة قوة ويريدك أن تتبعه هو وليس العكس، ولكن بالمقابل صناعة الفكرة وصناعة الرأي العام هذا مهم جدا، فالمنبر الحسيني على سبيل الفرض كانت غايته أن يثبت المظلومية ويثبت الحق ونجح في ذلك، وليست من مسؤولية المنبر الحسيني أن يصنع اقتصاد قوي بل هو يصنع انسان يصنع الاقتصاد القوي، ايضا مهمة الجامعة اليوم أن تصنع لك جيل مثقف قوي وواعي يساهم في إدارة الدولة، من يعمل في الجامعة لا يستطيع أن يصحح النظريات التاريخية ويناقشها، ولكن نحن ما دمنا في أجواء الحرية والانفتاح يجب أن نوجه القواعد الجماهيرية نحو طرق مختصرة لصناعة فكرية ناجعة نستطيع من خلالها تصحيح الواقع الخارجي.
- وأعتقد عدنان الصالحي بضرورة الاتجاه باتجاهين حتى نفعل من دور الملتقيات الفكرية: الاتجاه الاول: من يتحدث عن المنتديات فعليه أن يختار المواضيع التي تلامس حقيقة المشكلة وحياة الناس. الشيء الثاني: الذي يقيم هذه الندوات والذي يستمع لهذه الندوات لابد أن يتخلى عن آفة الأنا، بالنتيجة من يستمع ومن يتحدث يجب أن يتخلى عن الأنا بدرجة كبيرة.
- الاستاذ جواد العطار يتصور أن بناء الوعي الحضاري يأتي من خلال تأثير هذا الوعي على صاحب القرار وهو إما يكون الماسك في السلطة أو الجمهور الفاعل، أما بالنسبة للملتقيات الفكرية هي كوسيط يعمل على تحريك الجمهور ودفع باتجاه وعي حقوقه وحرياته والضغط على اصحاب القرار للاستجابة لهذه الدعوات، لذا فالإشكالية الحقيقية هي في الوسائل والآليات وهذا ليس بالأمر الهين، ففي فترة من الفترات قمنا بحملة لإيصال بعض الأفكار وبعض الرؤى للنواب ولكن الفترة البرلمانية انتهت والكثير من البرلمانيين لم يصل لتلك الصناديق المخصصة للشكاوى، فلابد أن نفكر بالوسائل الناجعة لإيصال تلك الاطروحات التي تطرح في الملتقيات هذا ما يرتبط بصانع القرار، النقطة الثانية ما ترتبط بالجمهور فلابد أن تكون هناك قناة فضائية متخصصة وصحيفة، ايضا لابد التفكير بعناوين فرعية من أجل تعميق الوعي وإثارة حفيظة الجمهور العراقي.
- الباحث ميثاق مناحي يجد أن الطبقة المثقفة والاكاديميين وبمختلف المسميات والعناوين متى ما كانوا فاعلين وقادرين على إحداث تغييرات في الشارع قبل أن يكونوا مؤثرين في السلطة، عندها بالفعل نحن خطينا خطوة في خلق الوعي الحضاري.
- علي حسين عبيد يرى أن إيصال الفكرة بشكل غير مباشر هذا ينطبق على الأفكار التي وردت في الروايات الفرنسية والتي أدت إلى الثورة الفرنسية، فهذه الروايات كتبت قبل خمسة عقود مما أرست أسس الثورة الفرنسية، كذلك (الساعة الخمسة والعشرون) الرواية المهمة التي كتبها (جورجيو من رمانيا) أنتجت بعد 20 سنة من الحرب العالمية الثانية، وأدت ايضا إلى سلسلة مهمة من النتائج المهمة على مستوى العالم، فالفكر ليس تأثيره آني.
استجابة لحاجة اجتماعية
- الدكتور خالد عليوي العرداوي يرى أن "عربة حديثة جدا ومن يقودها جاهل فلن تحقق تلك العربة أهدافها، اليوم الملتقيات والمؤتمرات وما شابه ذلك تعد أدوات حديثة لدولة حديثة وشيء متقدم، فإذا لم تستثمر بطريقة جيدة وتكون الموارد البشرية القائمة عليها تملك الوعي اللازم لتحقيق أهدافها سوف تفشل هذا الملتقيات، أما إذا كانت مجرد محاكاة للواقع الغربي فعندما يكون في امريكا منتديات لابد أن نعمل منتديات، وإذا كان هناك أحزاب سياسية فلابد أن نشكل أحزاب سياسية، وايضا لأنهم يمتلكون مراكز بحثية لابد ايضا أن انشئ مركز بحثي، المشكلة ليست دائما في الهيكل المؤسساتي بل المشكلة في العنصر البشري الذي يملأ الهيكل المؤسساتي. المراكز البحثية والمنتديات والاحزاب السياسية في الغرب هي فاعلة وتؤدي الدور المطلوب منها في التغيير، ولكن عندما وصلت إلى منطقة الشرق الاوسط وجدناها اما تستثمر لجانب الوجاهة الاجتماعية والسياسية أو احيانا تستثمر كبوق لهذه الجهة السياسية أو تلك واحيانا حتى لترسيخ وجود السلطة، وأقرب مثال على ذلك أن أغلب الذين ارتكبوا جريمة (11 سبتمبر) هم سعوديون، ناهيك عن أن اولئك الذين جاءوا للعراق ولدول المنطقة هم سعوديون ومغذين بشكل مباشر من قبل الفكر المتطرف في السعودية، لاحظنا أن السعودية تنشئ (المركز الدولي لمكافحة التطرف والارهاب) والهدف هو تسويق نفسها في الأمم المتحدة.
نحتاج لملتقياتنا الفكرية حتى تحقق أهدافها أن تكون هناك استجابة حقيقية لحاجة اجتماعية للتغيير عندها سوف تحقق اهدافها، وإلا إذا بقيت بيد المتنفذين الذين يتبجحون بأنهم لديه ملتقى ولديه مركز وهم متطورون ومتقدمين، ففي ظل هذه الأفكار فالملتقيات والاحزاب والمراكز التي أنشئت لدعم مصلحة آنية سوف تزول، لكن الملتقيات التي أنشئت لغاية حضارية ولبناء الإنسان سوف تدوم".
- وصف حيدر الاجودي الملتقيات الثقافية والفكرية بأنها بوابة للانفتاح أمام الثقافات المختلفة وهي تخلص المثقف والكاتب من حالة الركود التي ربما يعيشها، وربما تغني الفرد عن القراءة لأنها تناقش ثقافات مختلفة وفي زمن قصير.
- دعا الدكتور علاء الحسيني إلى إعادة النظر في أسس ومقومات هذه المتلقيات هل تقوم على أسس رصينة أم تقوم على فكرة حب التقليد، فأن كانت تقوم على حاجة حقيقية ومعالجة مشاكل حقيقية أو التنبؤ بالمستقبل والتهيؤ لهذا المستقبل، فنحن نسير بالطريق السليم وسنكون منتجين ومؤثرين ونكون باب من أبواب تخليص المجتمع والبلد من آفات ربما تكون خطيرة، أما إذا كنا نستغرق بالماضي القديم فنحن نغوص في تفاصيل لسنا بحاجة إليها الآن، بل أن هدف هذه الملتقيات وهذه المنتديات هي أن تحدث الأثر الإيجابي في المستقبل ولعله في القاعدة او في القمة أو في كلاهما.
- ويرى حامد الجبوري أن الملتقيات الفكرية هي عملية تراكمية ولا تعطي نتائج سريعة، أما بخصوص نشر الوعي الثقافي والمعرفي فهذا الأمر يحتاج لقنوات فضائية لتسيير عملية نشر الوعي.
وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الدكتور قحطان حسين الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، بالشكر الجزيل والإمتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع، وتقدم بالشكر أيضا إلى وسائل الإعلام التي شاركت بتصوير الملتقى الفكري الأسبوعي لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
اضف تعليق