قيل لنا إنهم وصلوا قبلنا، وقد أُعلن عن كونهم الفائزين. صرخنا بقوة محتجين، لكن أصواتنا ضاعت وسط هتافات الجموع وهي تحيي الفائزين الذين راحوا يحدّثون الناس عن كيفية غرسهم الأعلام في "الميدان الكبير"، وعودتهم إلى مكان الانطلاق فائزين...
أُخبِرنا بأنه إذا ما بلغنا "الميدان الكبير"، كما أسموه، وغرسنا الأعلام في الأماكن المخصصة فيه وعدنا، سنحصل على الكؤوس التي أبهرت أعيننا وهي تتلألأ على طاولة مستطيلة كبيرة مغطاة بشرشف أبيض، نصبت على مقربة من صفّ كراسي كبار مسؤولي المدينة، الذين حضروا إلى مكان انطلاق السباق.
حمل كل واحد منا العلم الوطني، وبدأنا نجري باتجاه "الميدان الكبير" الذي يبعد مسافة طويلة. عبرنا خلالها أنهارًا وزروعًا وأراضي جرداء، وأماكن أخرى شعرنا أثناء مرورنا بها بالخوف.
حين سلّمني مدربي العلم، قال لي: "انطلق ولا تلتفت، ولا تشغل نفسك بأي شيء، اجعل الفوز هدفك، وتخيّل نفسك وقد تسلّمت الكأس، ونحن نرفعك على أكتافنا ونطوف بك في شوارع المدينة وقراها." المؤكد أن مدربي أقراني من المتسابقين قالوا لهم الكلام نفسه، إذ أخذ كل واحد منا يمسك بالعلم بقوة، بينما كان الحماس يملؤنا، وحلم الفوز يتملكنا جميعًا.
خلال ركضنا الطويل، كنا نسمع الهتافات على الطرقات وفي الشوارع من الناس. بعضهم كان يتوقف ليحيينا، وبعضهم الآخر كان يحاول مدّ أيديهم إلينا بقناني الماء وهم يرافقوننا راكضين. أما الأعلام المرتفعة بأيدينا، فكانت تلهب حماسة آخرين فيهتفون باسم الوطن ويهزجون، ما يزيدنا حماسة وإصرارًا على الوصول إلى الهدف والفوز بالكأس.
كنا فتية أشداء، جمعنا ميدان السباق من قرى وقصبات بعيدة. أغلبنا بوجوه حنطية لوّحتها الشمس ورياح السموم، وبعضنا حفاة لم يزوروا المدينة من قبل. وقد اندهشنا عندما وجدنا أنفسنا وسط هذا الفيض من المشاعر التي جعلتنا نركض ونركض جذلين بملابسنا الرياضية الملونة بين الناس في الشوارع، وبين القرى التي مررنا بها، وكل واحد منا يتخيل نفسه وقد سبق الآخرين وغرس العلم في "الميدان الكبير"، وفاز في السباق، وبات اسمه يتصدر أحاديث الناس في المجالس والمقاهي.
بدت مسافة العودة أثقل وطأة. التعب وتعرجات الطريق وتضاريسه أنهكتنا، لكن حلم الفوز كان يسكننا. بعدما غرسنا الأعلام بأوقات متفاوتة، اشتد تنافسنا على المراكز الأولى. يا إلهي، لم يبقَ الكثير، وسأحمل الكأس وأكون محمولًا على الأكتاف... ربما دقائق لا أكثر. زملائي الذين راحوا يزاحمونني ويحاولون تجاوزي يحملهم الطيف نفسه، ونحن على مسافة قريبة من مكان الانطلاق، حيث سيُحتفل بالفائزين الأوائل أو بمن سيحملون الكؤوس.
عندما اقتربنا كثيرًا من المكان، هبّت ريح جافة أثارت غبارًا، فبدا الجو كئيبًا. تبعتها أصوات غير مفهومة أشعرتنا بالخوف. أذكاه خلو مكان الانطلاق الذي وصلنا إليه واحدًا بعد الآخر. لقد أخذت قوانا تخور، وصرنا نتلفت إلى بعضنا مندهشين... ما الذي حصل؟ قال أحدنا، وردد آخر العبارة نفسها.
لم نجد مدربينا، وإنما وجدنا أشخاصًا يرتدون ملابسهم، ينظرون إلينا بصمت وغضب. في حين كانت الناس تتزاحم في مكان آخر ليس بعيدًا كثيرًا عن مكان الانطلاق، الذي لم نرَ فيه أيضًا صف المسؤولين الكبار للمدينة .. ووسط الجموع التي كانت تهتف، رأينا فتية غرباء محمولين على الأكتاف، والكؤوس تتلألأ بأيديهم.
قيل لنا إنهم وصلوا قبلنا، وقد أُعلن عن كونهم الفائزين. صرخنا بقوة محتجين، لكن أصواتنا ضاعت وسط هتافات الجموع وهي تحيي الفائزين الذين راحوا يحدّثون الناس عن كيفية غرسهم الأعلام في "الميدان الكبير"، وعودتهم إلى مكان الانطلاق... فائزين!
اضف تعليق