احمد فؤاد
غيّب الموت رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيرانيّ والرئيس الأسبق للجمهوريّة آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني في 8 كانون الثاني/يناير، وربّما غيّبت معه إحدى فرص التطبيع بين مصر وإيران. لقد اختلف التعاطي الديبلوماسيّ المصريّ مع وفاة هاشمي رفسنجاني عن التعاطي مع وفاة والدة الرئيس الإيرانيّ الحاليّ حسن روحاني في آذار/مارس من عام 2015، إذ أنّ وزارة الخارجيّة المصريّة أوفدت نائب مساعد وزير الخارجيّة لشؤون المراسم السفير أشرف منير في 12 كانون الثاني/يناير إلى مكتب رعاية المصالح الإيرانيّة في مصر لتقديم التعازي بالنيابة عن الحكومة المصريّة إلى مدير المكتب والحكومة الإيرانيّة في وفاة رفسنجاني، رغم أنّ الحكومة المصريّة تجاهلت تقديم التعازي بوفاة سكينة بيفاندي، وهي والدة الرئيس الإيرانيّ الحاليّ حسن روحاني منذ عامين.
ورغم أنّ المكتب استقبل عدداً من سفراء البلدان المختلفة في القاهرة لتقديم التعازي، إلاّ أنّ مصدراً ديبلوماسيّاً في مكتب رعاية المصالح، فضل ألا يذكر اسمه، أشار في تصريحات خاصّة لـ"المونيتور" إلى أنّ إيران تبدي بالغ التقدير للتعازي المصريّة خصوصاً، وإنّ القائمين على المكتب أبدوا احتفاء بقدوم السفير أشرف منير، "لأنّه الإتّصال الأوّل بين البلدين على هذا المستوى منذ فترة طويلة بعد توتّر العلاقات، ممّا يشير إلى أنّ فرص تحسين العلاقات والتقارب بين البلدين تزداد وتجد مجالاً أكبر من الترحيب لدى الحكومة المصريّة، كما هي الحال لدى الحكومة الإيرانيّة".
ويذكر أنّ العلاقات المصريّة - الإيرانيّة شهدت توتّراً منذ عام 1979 بعد الثورة الإسلاميّة في إيران والإطاحة بآخر شاه لإيران محمّد رضا بهلوي، الذي ربطته بمصر علاقات طيّبة دفعت بالرئيس الأسبق محمّد أنور السادات إلى استضافته كلاجئ سياسيّ بعد الثورة، ممّا أدّى إلى قطيعة ديبلوماسيّة تامّة في نفس العام؛ 1979.
ويعتبر مكتب رعاية المصالح الإيرانيّة في مصر البصمة الأبرز لرفسنجاني في القاهرة، حيث تمّ افتتاحه كعودة لتمثيل ديبلوماسيّ محدود بين البلدين في عام 1991، أثناء رئاسة رفسنجاني لإيران. وربّما لم تكن مساعي رفسنجاني كافية لعودة العلاقات إلى طبيعتها سواء أكان خلال رئاسته أم أثناء تولّيه رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيرانيّ، إلاّ أنّ وفاته تستدعي التساؤل عن مدى تأثير وجوده في منصب قياديّ حتّى وفاته كدافع للمسؤولين الإيرانيّين إلى تحسين العلاقات مع مصر وكباعث للثقة لدى المسؤولين المصريّين في النوايا الإيرانيّة. كما تستدعي التساؤل عن مستقبل تحسين العلاقات بعد رحيله.
وللإجابة عن تلك التساؤلات، قال محمد محسن أبو النور، الباحث المتخصص في الشئون الإيرانية بجامعة الأزهر، لـ"المونيتور": "رفسنجاني كان شديد التأثير في محاولات التقارب بين إيران ومصر وكان يرى أنه من الضروري الانفتاح على مصر ونقل ذلك الفكر إلى العديد من تلاميذه مثل محمد خاتمي، الرئيس الأسبق، والرئيس الحالي حسن روحاني، ويرى رفسنجاني وتلاميذه في مصر دولة لا تقل أهمية عن سوريا وأنه لا يمكن إقامة السلم والاستقرار في الشرق الأوسط بدون مصر"
وتابع: "لا أظن أن محاولات التقارب مع مصر ستتوقف حتى إذا اعتلى الأصوليين المحافظين سدة الحكم في انتخابات رئاسة مايو 2017 حيث ان رفسنجاني استطاع تعميم فكرة التقارب مع مصر في لدى النظام الإيراني بشكل عام ولكن بدرجات متفاوتة ويمثل المعتدلين والاصلاحيين مثل روحاني وخاتمي الأكثر رغبة في الانفتاح على مصر"
ويذكر أنّ رفسنجاني دعا في تصريحات إلى قناة "الجزيرة" في عام 2003 إلى ضرورة تطبيع العلاقات مع مصر، إلاّ أنّه أشار في السياق ذاته إلى أنّ قطع العلاقات كان بأمر من قائد الثورة الإسلاميّة الراحل آية الله خميني، وقال: "لذلك يصعب تغيير القرار".
وفي مقابلة مع صحيفة "جمهوريّ إسلاميّ" الإيرانيّة الراديكاليّة، قال رفسنجاني في 11 شباط/فبراير من عام 2011، أثناء أحداث الثورة المصريّة ضدّ نظام الرئيس الأسبق محمّد حسني مبارك: "مصر تحتاج إلى إمام خمينيّ جديد، وأدعو المصريّين إلى الاستمرار حتّى تنتصر ثورتهم".
وفي ذلك الصدد، لفت رئيس وحدة الدراسات العربيّة والإقليميّة في مركز الأهرام للدراسات السياسيّة بالقاهرة، محمّد السعيد إدريس، خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ القيادات الإيرانيّة تتّسم بالبراغماتيّة، وأنّه يستبعد أن يكون تقديس أوامر الخميني بقطع العلاقات مع مصر السبب وراء القطيعة حتّى اليوم، وقال: "المحاولات الحاليّة لكسر الفتور بين البلدين وليدة المصالح لأنّ إيران ترى في مصر حليفاً قويّاً لها في الأزمة السوريّة، رغم أنّ مصر لا تدعم بقاء بشّار الأسد، وإنّما تدعم استقرار سوريا".
أضاف: "محاولات إيران للتقارب تزايدت بعد التوتّر بين مصر والسعوديّة، ممّا يوحي بأنّ إيران تحاول تحسين علاقتها بمصر كضربة سياسيّة وإقليميّة للسعوديّة ودول الخليج. ولذلك، أنا أرحّب بتحسين العلاقات المصريّة مع إيران، شرط الحفاظ على التوازن في العلاقات المصرية مع إيران من جهة والخليج من جهة".
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين مصر والسعودية تشهد توترا منذ بداية شهر أكتوبر 2016، عندما صوتت مصر في إحدى جلسات مجلس الأمن لصالح مشروع قرار روسي لوقف الحرب في حلب، وكانت السعودية من الرافضين لذلك المشروع، ولاحقا في نفس الشهر أخطرت شركة أرامكو السعودية الحكومة المصرية بوقف إمدادها بالمواد النفطية، وهو ما اعتبره العديد من المراقبين ردا من السعودية على تصويت مصر للمشروع الروسي.
وعن دور رفسنجاني، قال محمّد السعيد إدريس: "أظنّ أنّه كان من مؤيّدي خفض حدّة التوتّر مع دول الخليج، ممّا كان سيساعد مصر بسهولة على خلق حال التوازن في علاقتها بإيران من جهة، والخليج من جهة أخرى، ولكنّي أظنّ أنّ محاولات تحسين العلاقات مستمرّة حتّى بعد رحيل رفسنجاني، والدليل تقديم مصر أوّل عزاء ديبلوماسيّ إلى إيران في وفاة رفسنجاني".
ويذكر أنّ رفسنجاني دعا في عام 1998 إلى حلّ النزاع بين إيران والإمارات العربيّة المتّحدة على الجزر الثلاث: طنب كبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى، عن طريق التفاوض بين الدولتين. كما يذكر أنّ الكاتب الصحافيّ علي هاشم كتب في مقال لــ"المونيتور" أنّ رفسنجاني والعاهل السعوديّ الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز كانا القادرين على إقامة حوار بين إيران والسعوديّة.
وبناء على ذلك، ترك رفسنجاني العديد من السيناريوهات مفتوحة، فإمّا أن يواصل خلفاؤه من المعتدلين والإصلاحيّين مسيرة الانفتاح على مصر وتهدئة الأوضاع مع الخليج أو أن يعتلي الأصوليّون المشهد مجدّداً، ممّا قد يربك حسابات المنطقة نوعاً ما.
اضف تعليق