وليد خدوري
يعقد وزراء «أوبك» اجتماعاً غير رسمي على هامش مؤتمر الجزائر لمنتدى الطاقة خلال اليومين المقبلين، لمناقشة أوضاع السوق البترولية ودرس إمكان تفادي انهيار أسعار النفط، بخاصة تحديد سقف الإنتاج. لكن تدل المعطيات المتوافرة الى أن وضع المنظمة حرج.
تواجه «أوبك» وصناعة النفط العالمية تغيراً أساسياً يتطلّب سياسات جديدة. فمثلاً، لجأت المنظمة في الماضي إلى خفض إنتاجها عند حصول فائض في الأسواق وانهيار في الأسعار. لكن ذلك أصبح صعباً بعد نمو صناعة النفط الصخري الأميركي، ومن أصعب القرارات في تاريخ المنظمة. فما هي نسبة الخفض لكل دولة، ومستوى صدقية بعض الدول؟ والحدود الدنيا للخفض في ظل ضرورة إنتاج الغاز المصاحب وتلبية متطلبات الموازنة؟
من جهة أخرى، فان ارتفاع الأسعار هو في مثابة سيف ذي حدين. فعلى رغم أن زيادة الأسعار تفيد موازنات دول المنظمة، لكنها تؤدي أيضاً إلى إعادة الحياة لصناعة النفط الأميركية المكلفة، والتي تحتاج إلى أسعار مرتفعة للتطور.
أيضاً، هل يستطيع بعض الدول خارج «أوبك» زيادة إنتاجه لتعويض تحديد إنتاج دول المنظمة؟ ومن هي هذه الدول القادرة على تعويض نفوط «أوبك»؟ بمعنى آخر، هل هناك منافسة جديدة لم تكن متوافرة في الماضي، بحيث أن خفض إنتاج «أوبك» سيؤدي إلى خسارة حصص بعض الدول الأعضاء في الأسواق. فهناك دولتان منتجتان خارج «أوبك» لديهما طاقة إنتاجية فائضة: روسيا التي سجل إنتاجها في الأشهر الأخيرة نحو 10.8 مليون برميل يومياً، وأميركا التي بلغ إنتاجها من النفط الصخري خلال العامين الماضيين نحو 4.9 مليون برميل يومياً، أو 50 في المئة من مجمل الإنتاج النفطي الأميركي.
أبدت روسيا استعداداً للتعاون في استقرار الأسواق، ووقعت اتفاقاً مع السعودية بهذا المعنى. لكنها تطالب بأن يكون التعاون مع «أوبك» بقرار جماعي، أي موافقة جميع أقطار المنظمة على سياسة موحدة من دون استثناء. قد يكون موقف موسكو مرحلياً، يعتمد على علاقاتها السياسية مع بعض دول الشرق الأوسط، بخاصة إيران. أو يعكس أيضاً مخاوف على حصتها في الأسواق، خصوصاً الآسيوية التي تحاول التغلغل فيها، أو الأوروبية التي تنافسها فيها نفوط جديدة من دول «أوبك»، أو قريباً من أميركا.
أما الموضوع الأصعب، فهو الموقف الأميركي. فصناعة النفط الصخري هناك تهيمن عليها الشركات الصغيرة، وكذلك المصارف والمؤسسات المالية التي أقرضت هذه الشركات بلايين الدولارات. لكن تقلصت القروض مع انخفاض أسعار النفط.
وهناك تحديات أخرى تواجه «أوبك». فقد زاد إنتاج بعض أقطارها في وقت التخمة، إذ ارتفع إنتاج السعودية وإيران نحو مليون برميل يومياً لكل منهما منذ بدء انهيار الأسعار في النصف الثاني من 2014، ناهيك عن العراق الذي زاد إنتاجه بالكمية ذاتها تقريباً ليصل إلى 4.7 مليون برميل يومياً. وهناك أسباب مختلفة لهذه الزيادات. فبعض الدول حاول جاهداً الحفاظ على حصصه، وبعض آخر ملتزم مع الشركات الدولية العاملة عنده بتنفيذ برنامج تطويري للحقول، ومجموعة ثالثة تحاول التعويض عما فقدته من إنتاج أثناء الحصار الدولي عليها، مثل إيران، التي طالبت خلال أوائل السنة بالعودة إلى مستوى إنتاجها ما قبل الحصار الدولي. ووفقاً لبعض كبار المسؤولين النفطيين الإيرانيين، بلغ الإنتاج الإيراني نحو 4 ملايين برميل يومياً، وهو مستوى ما قبل الحصار. أما الآن، وبعد الوصول إلى المطلب الأول، فقد تغير الموقف الإيراني وتغيرت المطالب، إذ يكمن المطلب الجديد في الحصول على 15 في المئة من مجمل إنتاج «أوبك»، إضافة إلى المطالبة باستثناء إيران من قرار للمنظمة لتجميد الإنتاج في اجتماع الجزائر. وأبدى وزيرا نفط الجزائر وفنزويلا امتعاضهما من القرار الإيراني، وأبلغا طهران هذا الموقف، لكن من دون الحصول على تغيير في موقفها. وتذرعت روسيا بالمطلب الإيراني الجديد، للتملّص من مساندة «أوبك» في القرار الذي من الممكن تبنّيه في الجزائر.
صرّح الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الأسبوع الماضي، أنه قد يعلن عن التوصل إلى اتفاق بين «أوبك» ومنتجين من خارجها هذا الشهر. ولافت أن أي تصريحات متفائلة لم تصدر من مسؤولين آخرين بهذا المعنى حتى كتابة هذا المقال. ويبقى الاعتقاد السائد بصعوبة الوصول إلى اتفاق لتجميد الإنتاج حتى تغير إيران موقفها علناً.
والتحدي الآخر الذي يواجه المنظمة، هو تغير ميزان العـــرض والطلــــــب. وكان معروفاً خلال الأشهر الــماضية، أن معدل زيادة الإنتاج يتقلص، وأن استــمرار انخفاض الأسعار سيساعد على زيادة الطلب. وانصبت الأنظار على إمكان خفض المخزون النفطي العالمي من مستواه القياسي نحو ثلاثة بلايين برميل، ما يشكل ضغطاً على الأسعار. من ثم، فمن دون خفض المخزون ستبقى الأسعار منخفضة، وقابلة للتراجع.
شكلت البيانات الصادرة عن كل من وكالة الطاقة الدولية ومنظمة «أوبك» في أوائل الشهر الجاري، مفاجأة للأسواق التي كانت تنتظر انفراج أزمة الأسعار مع نهاية السنة، أو مع النصف الأول من العام المقبل، من ثم الولوج في مرحلة جديدة مع النصف الثاني. لكن تدل المعلومات الجديدة على تأخير انفراج أزمة الأسعار حتى أواخر النصف الثاني من 2017. فقد لفتت «أوبك» في تقرير أخير، الى أن اتجاه السنوات الماضية «أشار إلى نمو عالمي معتدل مستمر في العامين 2016 و2017. والتوقعات الآن هي أن يصل نمو ناتج الدخل القومي 2.9 في المئة في 2016 و3.1 في المئة في 2017. لكن بعد نمو منخفض بخاصة خلال النصف الأول في الولايات المتحدة واليابان، إضافة إلى استمرار الانكماش الاقتصادي في روسيا والبرازيل، يتوقع أن ترتفع اقتصادات هذه الدول خلال الفترة المتبقية من السنة، وأن نشهد نمواً أعلى خلال السنة المقبلة، إضافة الى نمو بطيء ومنخفض في منطقة اليورو وبريطانيا والصين والى حد ما الهند».
وتستنتج «أوبك» التالي: «على رغم النمو الاقتصادي العالمي المعتدل، تشير المعلومات الأخيرة إلى زيادة في الطلب على النفط أحسن مما كان متوقعاً. كما أن العرض في الإمدادات سيؤدي إلى تعديل في عدم توازن أساسيات السوق خلال الأشهر المقبلة».
اضف تعليق