سركيس نعوم
التطوّرات السياسيّة الإقليميّة – الدوليّة الأخيرة، مثل تنازل رئيس تركيا رجب طيب أردوغان عن كبريائه واعتذاره لرئيس روسيا فلاديمير بوتين ثم إسراعه في توفير ظروف الاجتماع به، ومثل انتقال العلاقة الجيّدة جداً بين روسيا والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة إلى نوع من التحالف ومسارعة الاثنتين إلى ترجمة ذلك بفتح الأخيرة مطارها العسكري في همدان أمام الطائرات الحربيّة الروسيّة إفساحاً في المجال أمامها كي تُضاعف من ضغطها العسكري على الذين يُحاربون الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه على تنوّعهم، ومثل ازدياد التوتّر الذي قد يؤدّي إلى مواجهة عسكريّة جديدة بين روسيا وأوكرانيا بسبب احتلال الأولى شبه جزيرة القرم وضمّها رسميّاً إليها ودعمها بالسلاح والذخائر والمال والخبراء وحتى العسكر الانفصاليّين من أصل روسي في الشرق الأوكراني، التطوّرات المذكورة هذه زادت في قلق حلفاء أميركا من الدول العربيّة والإسلاميّة وخصوصاً التي منها مُنخرطة في مواجهة مباشرة مع الأسد وإيران وأخرى نصف مباشرة مع روسيا بسبب الأزمة – الحرب الأهليّة – المذهبيّة في سوريا. ذلك أن ردّ فعل الولايات المتحدة على ذلك كلّه لم يتجاوز الانزعاج الذي عبّرت عنه بموقف صحافي لناطق إعلامي إمّا في الخارجية أو في البيت الأبيض. علماً أن الاختلاف بينها وبينهم مستمر منذ بدء التفاوض الأميركي – الدولي النووي مع إيران وانتهائه إلى اتّفاقٍ فكّ العزلة الدوليّة للأخيرة على نحو محسوس وإن غير كامل. وقد تفاقم القلق بعد الموقف الرافض للتورّط في سوريا للرئيس باراك أوباما على رغم اعتراض وزراء سابقين في إدارته وديبلوماسيّين وعسكريّين سابقين وحاليّين لاقتناعهم بأن الدافع إليه، فضلاً عن التردّد، كان ولا يزال امتناعه عن وضع استراتيجيا للتعاطي مع الأوضاع السوريّة على رغم الأذى الذي يُلحقه ذلك بالمصالح الحيويّة لبلاده ولحلفائها في الشرق الأوسط، ورهانه على تجاوب إيران معه بعد "النووي" الذي بدأت تظهر التطوّرات وإن جزئيّاً لا واقعيّته بل وهميّته.
طبعاً من السابق للأوان اعتبار عودة العلاقات التركيّة - الروسيّة وتحوّل جودة العلاقة بين طهران وموسكو نحو التحالف اصطفافاً إقليميّاً جديداً قادراً على تغيير المعادلات في المنطقة، وإن كانت إسرائيل جزءاً منه مباشرة ومُداورة. ذلك أن أميركا، وعلى رغم التردّد المتعمّد لأوباما وغياب أي سياسة سوريّة له واستبعاد تعديل موقفه نظراً إلى قرب انتهاء ولايته الرئاسيّة، لا تزال القوّة الأعظم في العالم التي يحسب لها بوتين حساباً. علماً أن طهران لا تحسب كذلك علانيّة على الأقل اقتناعاً منها بقدرتها على جرّ موسكو إلى البقاء في صفّها وإلى تمكينها من الانتصار على واشنطن، أو بقدرة محورها على استخدام نرفزة أو غضب الحلفاء العرب لأميركا من أوباما إمّا لاستمالتهم وإمّا لزعزعة استقرارهم أو حتى التخلّص من بعض أنظمتهم بمساعدة روسيا طبعاً. وذلك لا يبدو ممكناً ولا محتملاً إلّا إذا قرّرت الإدارة الأميركيّة الجديدة و"الاستابليشمانت" التخلّي عن المنطقة وذلك أقرب إلى الاستحالة. كل التطوّرات المشروحة أعلاه دفعتني إلى محاولة استجلاء موقف أميركا منها عبر خبراء ومُتابعين جديّين لسياساتها وتحرّكاتها في المنطقة ومنهم أصدقاء. وآمل أن أتمكّن لاحقاً من استجلاء دوافع المعسكر المُواجه بزعامة إيران وروسيا من أصدقاء فيه أيضاً على قلّتهم وذلك لوضع الرأي العام اللبناني وغيره في حقيقة ما يجري.
ماذا قال الخبراء المُتابعون الأميركيّون بعد المحاولة المذكورة؟.
بدأوا بالإشارة إلى اتّهامات الحزب الديموقراطي في أميركا لبوتين باختراق أجهزته الحملة الانتخابيّة لمرشّحته الرئاسيّة هيلاري كلينتون فتحدّثوا عن وجود بعض الأدلّة عليه، واعتبروا ذلك أمراً غير مسبوق. وتطرّقوا إلى استخدامه طيرانه الحربي قاعدة عسكرية إيرانيّة ثم إلى ازدياد التوتّر أخيراً بينه وبين أوكرانيا. وبعد ذلك قالوا إن الحقيقة المُقلقة هي أن بوتين بدأ يتخلّص من مستشاريه الذين أمضوا معه مدة طويلة من عسكريّين وسياسيّين، وذلك بـ"الاستقالة" غير الطوعيّة ربّما. وأحدث واحدة كانت لرئيس الأركان إيفانوف. كما رافقتها انتقالات لآخرين أظهروا عدم مُطاوعة لسياسته، وتعيينات لبدلاء لهم أصغر سنّاً من هؤلاء وأكثر رغبة في الإرضاء. ثم تساءلوا: هل يعني ذلك أنه يتأهّب للتورّط في مغامرة جديدة في أوكرانيا مثلاً، أو أنّه يستعدّ لمواجهة كلينتون قبل وصولها إلى البيت الأبيض وبعده وذلك نظراً إلى سوء علاقته بها؟، هل من جواب عن التساؤل؟.
اضف تعليق