هناك عيادات تم افتتاحها في شتى أنحاء العالم تعمل على شفاء مرضاها من إدمان الإنترنت، وهناك تحذيرات كثيرة على مواقع تهتم بالصحة العقلية للصغار والكبار من السيئات الكثيرة التي قد تنتج عنه، وبات هذا النوع من الإدمان يجذب الكثير من الاهتمام من ممارسي الصحة العقلية والأكاديميين والباحثين...
بقلم: فيديل سبيتي

لا يبدو أن الصغار اليوم يشاركون الأهل في التمييز بين العالمين

قضاء الطفل وقتاً غير محدود على الإنترنت قد يكون إدماناً

الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي مرتبط بزيادة القلق والاكتئاب

قد يكون السلوك ناتجاً عن مشاكل في الصحة العقلية، وليس إدماناً فقط

يقال إن آينشتاين كان قد حذر من التكنولوجيا التي قد تتجاوز تفاعلنا الطبيعي كبشر بالقول، "أخشى أنه في اليوم الذي تتجاوز فيه التكنولوجيا تفاعلنا البشري، سيكون لدينا في هذا العالم جيل من البلهاء".

هل يمكن اعتبار شبكة الإنترنت أحد التطورات التكنولوجية التي حذر آينشتاين من ضرر تفاعلاتها؟

ماذا يعني إدمان الإنترنت؟

في عالم اليوم، هناك عيادات تم افتتاحها في شتى أنحاء العالم تعمل على شفاء مرضاها من إدمان الإنترنت، وهناك تحذيرات كثيرة على مواقع تهتم بالصحة العقلية للصغار والكبار من السيئات الكثيرة التي قد تنتج عنه، وبات هذا النوع من الإدمان يجذب الكثير من الاهتمام من ممارسي الصحة العقلية والأكاديميين والباحثين وأولياء الأمور في جميع أنحاء العالم، بل وأكثر المتشائمين يصفون إدمان الإنترنت بمثل سوء إدمان المخدرات.

يبدأ الأمر بترك الأهل أولادهم أمام هواتفهم أو الآيباد أو اللابتوب بهدف إلهائهم أو تسليتهم أو إبعادهم قليلاً عنهم للقيام بأعمالهم، وللصدفة فإن هؤلاء الأطفال مهما كانوا صغاراً في السن، فإنهم يندمجون في عالم الإنترنت هذا، وتراهم يعرفون تفاصيله وكيفية تشغيله حتى لو كانوا صغاراً إلى درجة لم ينطقوا فيها بكلمة بعد، فقد بات الصغار يشغلون آلات الاتصال بالإنترنت من دون حاجة إلى مساعدة أهلهم، ويمكنهم أن يمضوا الوقت الذي يسمح لهم به الأهل كله، بينما ينظرون في شاشاتهم، ولو كان هذا الوقت طيلة النهار.

وخلال هذا الاتصال بالشبكة، فإن هؤلاء الأطفال أو المراهقين يقومون بالدخول إلى عالم الشبكات الاجتماعية والألعاب والتسوق عبر الإنترنت والوصول إلى المواد الإباحية والقمار، وغير ذلك من المواقع التي يجب أن تخضع لمراقبة الأهل، ولكن بعد فوات الأوان حين ينتبه الأهل إلى مدى إدمان أولادهم على ما جرّوهم إليه بأيديهم، لا يتمكنون من وقفهم عنه، إلا بجهد جهيد، وربما بعرضهم على أطباء متخصصين بمثل هذا الإدمان الجديد.

والأعراض الأولية لإدمان الإنترنت قد تكون واضحة أحياناً كقضاء الطفل وقتاً غير محدود على الإنترنت بدلاً من الرياضات الخارجية أو الأنشطة المنهجية الأخرى، أو أن يصبح الطفل سريع الانفعال أو عدوانياً عند منعه من استخدام الإنترنت، أو يصبح منعزلاً وحزيناً. ومن العوارض أيضاً قضاء وقت أقل مع الوالدين والأشقاء والأقران في العالم الحقيقي.

ويجب البحث في ما إذا كان هؤلاء الأطفال يرغبون في "الهروب" من الواقع، لدفعهم إلى مشاركة مشاعرهم وعواطفهم مع أناس حقيقيين. ويجب تجنب إبقاء الكمبيوتر في غرف الأطفال لمراقبة أوقات استخدامها، عدا عن مشكلة شراء كل الأدوات التي يطلبها الأطفال من قبل الأهل، الذين يكونون بدورهم متقاعسين عن أداء دورهم، إذ يعتقدون أن إلهاء الأطفال بآلاتهم هو وقت من الراحة إضافي لهم. ولا بد من تعليم الأطفال تطوير هواية وتشجيعهم على الانغماس في نشاط في الهواء الطلق، ما سيمنحهم استراحة من روتين المدرسة، لكن في بعض الأحيان يكون من المهم إزالة مصدر الإنترنت تماماً، على أن تكون هذه هي المحاولة الأخيرة لإزالة السموم الرقمية من مخيلة طفلك.

... وقد لا يكون إدماناً

سمير ألفي، الطبيب النفسي التنموي والمعالج السريري بالتنويم الإيحائي والممارس للعلاج القائم على الفنون، يقول إنه عادة ما ينزعج الآباء من شيئين: مقدار الوقت الهائل الذي يقضيه أطفالهم على الشاشات، ومقاومة أطفالهم لتقليل الوقت الذي يقضونه على الشاشة. يبدو أن حملهم على ترك أجهزتهم بعيداً والحضور لتناول العشاء والانخراط في أنشطة أخرى، أو الخروج أو أداء واجباتهم المدرسية قد بات معركة شاقة بشكل متزايد.

وبرأي ألفي، فإن بعض المراهقين يعرفون أنهم مدمنون على الإنترنت، ويستخدمون كلمة "إدمان" لوصف سلوكهم. ففي استطلاع عام 2016 بواسطة "Common Sense Media"، قال نصف المراهقين إنهم "يشعرون" بأنهم مدمنون على أجهزتهم المحمولة. وقال ثلاثة أرباعهم إنهم شعروا بضرورة الرد على الفور على الرسائل النصية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي.

يقول ماثيو كروجر، اختصاصي علم النفس العصبي ومدير مركز التعلم والتطوير في معهد عقل الطفل، "الإدمان لا يلتقط حقاً السلوك الذي نراه. مع الإدمان لديك مادة كيماوية تغير طريقة استجابتنا، وهذا يقودنا إلى الاعتماد عليها في مستوى أدائنا. هذا ما لا يحدث هنا في حالة الإدمان على الإنترنت". ومن الناحية الفنية، لا يوجد شيء يشبه إدمان الإنترنت أو الهاتف. وقد اقترح البعض في المجتمع النفسي اضطراباً جديداً يسمى اضطراب ألعاب الإنترنت للتعرف على الأنماط غير الصحية لممارسة الألعاب، ولكن من أجل الارتقاء إلى مستوى الاضطراب، يلاحظ ديفيد أندرسون، أن السلوك سيكون متطرفاً للغاية، وسيؤثر بشكل خطير على حياة الطفل.

يضيف أندرسون أن بعض الآباء قد يرون سلوكاً شبيهاً بالإدمان عندما يغضب الأطفال إذا طلب منهم التوقف والإصرار على المزيد من الوقت أمام الشاشة، وقضاء كثير من الوقت في وضع التفكير في كيف ومتى سيعودون إلى الإنترنت، لكن هذا النوع من السلوكيات يمكن أن يكون ناتجاً عن عديد من الأنشطة الممتعة، ولا تشكل إدماناً. وأضاف أن أحد أسباب توخي الحذر بشأن استخدام المصطلح، أي "الإدمان"، هو أننا نميل في الوقت الحالي في عصر الإنترنت إلى إضفاء الطابع المرضي على سلوك المراهقين العادي. فعديد من الأشياء التي يقوم بها الأطفال على هذه الأجهزة هي أنشطة مناسبة للعمر، والتي كانت تتم في الماضي بلا اتصال بالإنترنت: التواصل الاجتماعي مع أقرانهم، واستكشاف الاهتمامات الشخصية والتسوق والاستماع إلى الموسيقى، والقيام بالواجبات المدرسية، ومشاهدة الأفلام أو التلفزيون.

وخلص تقرير صدر عام 2016 عن "Common Sense Media" إلى أن "ما يبدو أنه استخدام مفرط وإلهاء من قبل المراهقين، هو في الواقع انعكاس لطرق جديدة للحفاظ على علاقات الأقران والمشاركة في المجتمعات ذات الصلة بهم".

ووفق أندرسون، فإنه في أحيان كثيرة عندما يبدو الطفل مركزاً بشكل غير صحي على ألعاب الفيديو إلى حد العزلة الاجتماعية، فقد يكون السلوك ناتجاً عن مشاكل في الصحة العقلية، وليس إدماناً فقط.

ويقول أندرسون، إن لعبة "Call of Duty" ساعدته في علاج أحد الأطفال المصابين بالاكتئاب والعزلة، فقد شعر بالانتماء بعد أن انضم إلى طاقم من الأشخاص الذين يلعبون هذه اللعبة عبر شبكة الإنترنت وينشرون مقاطع فيديو على "يوتيوب" وهم يلعبون... "لقد تحسنت درجاته المدرسية، وانضم إلى فريق كرة القدم في المدرسة... بهذا المعنى، كان علاج إدمان الإنترنت من خلال علاج الأسباب الأولية التي دفعت إليه".

لكن، على الرغم من ذلك، هناك أدلة كثيرة على أن الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي مرتبط بزيادة القلق والاكتئاب حين يقارن المراهقون، بخاصة الفتيات، أنفسهم بشكل سلبي مع أقرانهم، سواء الأكثر ثراءً أو الذين يظهرون أنفسهم على أنهم يعيشون حياة سعيدة مع أهلهم وأصدقائهم وبأنهم يحصلون على كل ما يريدونه، إضافة إلى الجمال الشخصي نفسه الذي باتت تؤمّنه التطبيقات لتغيير شكل الوجه والجسم، فيعيش هؤلاء المراهقون في ما يشبه الفصام، أي الشخصية الواقعية والشخصية الإنترنتية.

https://www.independentarabia.com

اضف تعليق