يتعرّض النشطاء في الاحتجاجات العراقيّة إلى عمليّات اختطاف بدت كأنّها ممنهجة من جماعات ما زالت مجهولة بحسب السلطات العراقيّة. أدان المرجع الشيعيّ الأعلى علي السيستاني، في 13 كانون الأوّل، عمليّات الاختطاف التي يتعرّض لها النشطاء والمتظاهرون في ساحات الاحتجاج، مؤكّداً ضرورة أن يخضع السلاح لسيطرة الدولة العراقيّة...
بقلم: مصطفى سعدون
يتعرّض النشطاء في الاحتجاجات العراقيّة إلى عمليّات اختطاف بدت كأنّها ممنهجة من جماعات ما زالت مجهولة بحسب السلطات العراقيّة.
أدان المرجع الشيعيّ الأعلى علي السيستاني، في 13 كانون الأوّل/ديسمبر، عمليّات الاختطاف التي يتعرّض لها النشطاء والمتظاهرون في ساحات الاحتجاج، مؤكّداً ضرورة أن يخضع السلاح لسيطرة الدولة العراقيّة.
وقبله بيوم، أصدرت السفارة الأميركيّة في بغداد بياناً ندّد بعمليّات الاختطاف التي يشهدها العراق. وفي اليوم ذاته، طالبت منظّمة العفو الدوليّة الحكومة العراقيّة بالنهوض بمسؤوليّاتها واتّخاذ خطوات فوريّة وفعّالة تجاه ما يتعرّض له النشطاء من عمليّات ترهيب.
وقالت السفارة في بيان استلم "المونيتور" نسخة منه: "نواصل تلقّي تقارير مقلقة للغاية تفيد بأنّ المتظاهرين والناشطين السلميّين يتعرّضون للتهديد والخطف والقتل. لا يمكن التسامح مع هذه الأعمال، ولا يمكن للحكومة العراقيّة أن تسمح لهذه الأعمال الخارجة على القانون بالاستمرار والالتزام بالصمت. ندين بشدّة استخدام العنف والتخويف لعرقلة المظاهرات السلميّة والقانونيّة والعادلة".
الأربعاء الماضي في 11 كانون الأوّل/ديسمبر، اختطف اثنان من النشطاء في الاحتجاجات العراقيّة من ساحة التحرير - وسط بغداد، حيث المقرّ الأساسيّ للاحتجاجات ومعقل تواجد أبرز النشطاء. لقد اختطف الناشطان عمر العامري وسلمان المنصوري أثناء خروجهما من الساحة والذهاب إلى مدينة الكاظميّة - شماليّ بغداد لشراء خيم للمحتجّين.
عمليّات اختطاف النشطاء في الاحتجاجات بدأت مع بداية تشرين الأوّل/أكتوبر، الذي انطلقت في الأوّل منه الاحتجاجات، وكانت أبرز عمليّات الاختطاف تلك التي حدثت للناشطة صبا المهداوي في 4 تشرين الثاني/نوفمبر، والتي أطلق سراحها بعد نحو 10 أيّام تقريباً.
لم تكن عمليّات الاختطاف مقتصرة على النشطاء البارزين أو المعروفين مثل أدمن صفحة "الخوّة النظيفة" شجاع الخفاجي، الذي اختطف في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، بل شملت حتّى أولئك الذين لم يكن لديهم نشاط معروف قبل الاحتجاجات. ففي 7 كانون الأوّل/ديسمبر الحاليّ، اختطف 11 محتجّاً من محافظة كربلاء، عندما كانوا في طريقهم إلى المحافظة من العاصمة بغداد، ثمّ أفرج عن 7 منهم بعد أقلّ من أسبوع.
وفي تقرير نشرته بعثة الأمم المتّحدة في العراق بداية كانون الأوّل/ديسمبر على موقعها الإلكترونيّ بعنوان "المظاهرات في العراق"، قالت: "إنّ أحد نشطاء المجتمع المدنيّ اختطف واحتجز بمعزل عن العالم الخارجيّ لمدّة يومين، وقد تعرّض للضرب المبرح وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاّإنسانيّة. وكان الضحيّة قد اعتقل في السابق من قبل الميليشيا نفسها (لم تسمّها الأمم المتحدة) وتعرّض للضرب والإصابة، وحاول تقديم شكوى إلى السلطات".
ووصف تقرير الأمم المتّحدة الذين يقومون بعمليّات الاختطاف بـ"الميليشيات"، "الأطراف الثالثة المجهولة"، "الكيانات المسلّحة"، "الخارجين عن القانون"، و"المفسدين". وقالت الأمم المتّحدة: "إنّ هذه الجماعات هي المسؤولة عن القتل المتعمّد واختطاف المتظاهرين".
بدأت عمليّات الاختطاف منذ 8 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي في محافظات بغداد والبصرة وذي قار وكربلاء والنّجف والديوانيّة وميسان. ومنذ هذا التاريخ، سجّلت المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان في العراق، بحسب عضو مجلس المفوّضين فيها، أنس العزّاوي، 50 حالة اختطاف على الأقلّ.
وقال أنس العزّاوي لـ"المونيتور: "إنّ هناك مختطفين أطلق سراحهم، لكنّهم تعرّضوا لسوء المعاملة والاعتداء الجسديّ العنيف، فالبعض يطلق سراحه مقابل تعهّدات بعدم العودة إلى ساحة التظاهر. وإنّ المطلق سراحهم بغالبيّتهم لا يشيرون إلى الجهات الخاطفة أو في أغلب الأحيان لم يتعرّفوا عليها أو الجهات التي تقف خلفها، لكنّهم يجمعون على أنّها جهات مسلّحة، توجّهاتها وموقفها بالضدّ من التظاهرات".
أضاف: "تمّ تشكيل لجنة متخصّصة بقيادة وزارة الداخليّة لمتابعة ملف خطف الناشطين المدنيّين والمدوّنين. ووثّقنا في المفوضيّة اغتيال 8 ناشطين خلال الشهرين الماضيين".
في هذا الفيديو تظهر لحظة اختطاف المحامي والناشط علي جاسب في محافظة ميسان جنوبيّ شرق العراق في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر. ومنذ ذلك التاريخ، لم يعرف مصيره، رغم الحملات والدعوات التي أطلقت من قبل المجتمع المدنيّ لمعرفة مصيره. والد علي يقف يوميّاً في ساحات الاحتجاجات بميسان ويحمل صورته ويطالب بالافراج عنه منذ أكثر من ستين يوماً.
وقالت ليان القدسي، وهي ناشطة في المجتمع المدنيّ العراقيّ، خلال مقابلة مع "المونيتور": "إنّ المستهدفين إمّا هم ناشطون عاديّون، ومنهم حتّى من غير المعروفين، أو إنّهم ناشطون لديهم صوت مسموع وعلاقات جيّدة ومساهمون في صناعة الرأي بالتظاهرات. المعطيات والمعلومات التي نمتلكها تشير إلى أنّ فصائل مسلّحة هي التي تقوم بعمليّات الاختطاف".
أضافت: "إنّ عمليّات الاختطاف أثّرت بعض الشيء بشكل سلبيّ على زخم الاحتجاجات، خصوصاً في ما يتعلّق بحضور النساء والعوائل. يريدون من ذلك تخويفنا ونشر حالة القلق والرعب بيننا. هناك الكثير من النشطاء وصلتهم رسائل تهديد تطالبهم بترك نشاطهم، لكنّهم أهملوها، ثمّ تبيّن أنّها تهديدات حقيقيّة".
لا أحد من المختطفين المطلق سراحهم خرج إلى الإعلام وتحدّث عن تفاصيل عمليّة اختطافه، فيبدو أنّ هناك ضغطاً أو شرطاً عليهم بعدم الإدلاء بأيّ تصريحات حول ما تعرّضوا له. كما أنّ السلطات العراقيّة لم تتحدّث هي الأخرى صراحة عن تلك الجماعات التي تقوم بذلك.
الاتّهامات توجّه دائماً إلى استخبارات الحشد الشعبيّ أو مديريّة أمن الحشد، ونفت أكثر من مرّة هيئة الحشد الشعبيّ ذلك، وأكّدت أنّها لم تتدخّل بملف الاحتجاجات وأنّها بعيدة عنه، لكنّ وسائل الإعلام العراقيّة تتحدّث عن سيّارات سوداء اللون، نوع GMC، تنفّذ عمليّات الاختطاف. ورغم علم القوّات الأمنيّة العراقيّة بها، وفقاً لمتابعة خطّ سيرها، إلاّ أنّ أيّ إجراء بحقّها لم يتّخذ.
وقالت مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظّمة العفو الدوليّة لين معلوف في تقرير للمنظّمة بشأن عمليّات الاختطاف في العراق: "كلّ من يعّبر عن المعارضة في العراق اليوم يواجه استجواباً تحت تهديد السلاح والتهديد بالقتل والاختفاء القسريّ".
في المحصّلة، مع تصاعد الاحتجاجات، من المتوقّع أن تزداد عمليّات الاختطاف بشكل أكبر، خصوصاً مع عدم وجود أيّ جهد حكوميّ يسعى إلى معرفة الجهات التي تنفّذ هذه العمليّات، في ظلّ وجود اتّهامات للحكومة لـ"تواطئها" مع تلك الجماعات التي "تسيطر" على مؤسّسات الدولة، وفق ما يقال.
اضف تعليق