ويليام مكانتس
عندما ينزعج أكثر كارهي المسلمين تأثيراً في أمريكا، تعرف أن الرئيس قد قام بالخيار الصائب. “إنها رمية خاطئة”، هذا ما قاله روبرت سبنسر متأففاً حين سمع نبأ تعيين الرئيس ترامب للجنرال ماكماستر مستشاراً للأمن القومي. يكسب سبنسر عيشه من إخافة الأمريكيين من خطر أمهات لاعبي كرة القدم المسلمات. “هل خسر جون بولتن أمام هذا الرجل؟” هذا ما قالته بسرعة شريكته في التأفف باميلا جيلر، التي سخرت من الجنرال حين قال، “في كل مرّة تزدري فيها عراقياً، فإنك إنما تعمل لصالح العدو”.
ولا يخطئ كارهو المسلمين كثيراً حين يشعرون بأن ماكماستر سيعارض آراءهم، حسب ما يقول المقربون منه. فقد أمضى ماكماستر ردحاً طويلاً من مسيرته المهنية في خوض الحروب في الشرق الأوسط والفوز بها، الأمر الذي تطّلب منه فهم الثقافات المحلية والتعامل مع المسلمين كأشخاص، وليس كروبوتات مبرمجة. يقول بيت منصور الذي خدم مع ماكماستر في العراق: “هو قطعاً لا يعبر الإسلام عدواً”، أما جون ناجل، الذي خدم معه في العراق أيضاً فيقول: ”إنه يفهم أن العالم ليس أحادي الأبعاد، وأنّ العالم الإسلامي ليس أحادي الأبعاد أيضاً”. وبعبارة أخرى، فإن قضايا الإرهاب المعقدة تتطلب حلولاً معقدة.
من المرجّح أن تكون وجهات نظر ماكماستر الدقيقة متعارضة مع وجهات نظر كبير المخططين الاستراتيجيين في إدارة ترامب ستيف بانون وغيره من أعضاء ما يسمى بمجموعة المبادرات الاسترتيجية، وهي عبارة عن هيئة لوضع السياسات يتشارك قيادتها بانون مع صهر الرئيس وكبير موظفي البيت الأبيض. يرى بانون أن السبب الأكبر لظهور الإرهاب الجهادي هو التعاليم الإسلامية وضعف الغرب، ويشاركه الرأي مستشاره لمكافحة الإرهاب سيباستيان غوركا. فكلاهما يسخران من فكرة أن الجهاد ينشأ من مجموعة من العوامل، معظمها ليس دينياً. وقد صرّح غوركا لصحيفة واشنطن بوست قائلاً: “هذا هو النهج الشهير الذي يقول إن الأمر دقيق ومعقد، لكنني أرفض هذا النهج كلياً”.
واتفق سلف ماكماستر البغيض، مايكل فلين، مع أتباع ستيف بانون (البانونين)، واستخفّ بتحليلات أجهزة الاستخبارات، والذي رأى أنها تجاهل دوافع الجهاديين الدينية من أجل إرضاء الرئيس باراك أوباما. لقد عملت في وزارة الخارجية عندما كان فلين في الحكومة، وبعد أن شاهدت بعض التحليلات التي شاهدها فلين، أستطيع أن أقول إن أجهزة الاستخبارات لم تغفل الدين، بل اكتفت بعدم تضخيم الأمر -أي أن الدين هو الدافع الرئيس للإرهاب الجهادي. كانت الأجهزة الاستخباراتية حريصة أيضاً على تمييز هذه الجماعات وفصلها عن الجماعات الإسلامية التي لا تستخدم العنف. بعد تعيين ماكماستر، بات من المرجح أن يجد مثل هذا التحليل آذاناً صاغية في البيت الأبيض.
يُعرف عن ماكماستر أيضاً أنه مبتكر عسكري من النوع الذي يستمع جيداً قبل الإقدام على تغيير الاتجاه. وقد توجّه ماكماستر إلى جنوده في العراق حين كان ما يزال برتبة عقيد في الجيش الأمريكي قائلاً: “عليكم أن تكونوا متيقظين وأن تستمعوا بدقة لما يقوله الناس”. وكان ماكماستر قد قاد استراتيجية مكافحة التمرد التي اعتمدها الرئيس جورج بوش الابن لاحقاً لتحقيق الاستقرار في العراق، ودفع الجيش للتكيف مع عقيدتها لمواجهة الحرب الهجينة التي تقودها روسيا على أوكرانيا بشكل أفضل.
هذه المرونة ضرورية لمعالجة المجموعة الكبيرة من التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة، لا سيّما تلك التي يشكلها الجهاديون وروسيا. من غير المرجّح أن يشارك ماكماستر رئيسه الجديد إعجابه بروسيا، أو إيمانه بأنه سيتم القضاء على داعش دون إرسال أعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين للاستقرار في مناطقها السابقة. كما من غير المرجّح أيضاً أن يُعجب بمنهج “حرب الأفكار” المتجدد ضد الجهاد، الصادر عن بانون وجماعته، الذين يزعمون أن بمقدور الولايات المتحدة الأمريكية أن تهزم الحركة من خلال تمكين المسلمين المعتدلين من تشويهها فكرياً. فقد جُربت هذه المنهجية في ظل إدارة بوش وتحت إدارة أوباما، لكن تحت غطاء آخر، دون أية فائدة تُذكر.
أما الأمر الذي أثبت نجاحه في محاربة الميليشيات الجهادية فهو النهج الواسع نفسه الذي حصد الثناء لماكماستر في مدينة تلعفر: أي استخدام المعلومات الاستخباراتية بحكمة، والتمييز بين الذين يشكلون خطراً فعلياً وبين الغاضبين، وخلق انشقاقات بين الحلفاء غير المتوقعين، والاعتراف بأن ضبط النفس يمكن أن يكون أقوى الأسلحة وأمضاها. بالنسبة لماكماستر، فإن الأيديولوجيات المتشددة تجد أرضاً خصبة لها حين تحرث الحروب الأهلية الأرض وتقليبها. أما إذا حلّ الأمن فسوف تصارع هذه الأيديولوجيات للبقاء.
رغم أن ماكماستر ذكي بما فيه الكفاية لمساعدة رئيسه في خوض غمار رمال سياسة الأمن القومي الغادرة، إلا أنه سيدخل في منافسة مع بانون لجذب اهتمام الرئيس. لقد أعطى ترامب بانون موقعاً رئيساً في مجلس الأمن القومي ولجنة المدراء، وهو موقع غير مسبوق يشغله مستشار سياسي. وكما جاء في التقارير فإن مجموعة بانون للمبادرات الإستراتيجية كانت قد تولت الإشراف على الفوضى التي تسببت بها سياسات مكافحة الإرهاب المثيرة للجدل التي أطلقها الرئيس.
لكن مع ذلك، فإنه في هذا البيت الأبيض الذي يعجّ بالرجال الذين نصّبوا أنفسهم لمحاربة الإرهاب مع الاستعداد للقتل، فإن أحداً لن يستطيع تهميش ماكماستر من خلال الضغط عليه وإخافته. في بداية حرب الخليج الأولى، قاد ماكماستر، الذي كان حينها ضابطاً برتبة نقيب، ما عُرف باسم “آخر معارك الدبابات الكبرى في القرن العشرين” ضد القوات المدرّعة العراقية في خلال إحدى العواصف الرملية، ما أسفر عن مقتل أو إصابة ما يقرب من ألف عراقي في خلال ساعة ونيّف. وكتب ماكماستر في تقريره عن العملية “لم تتكبد قوات النسر أية خسائر بشرية، وقد رفعت أنا والجنود صلوات شكر لله، ولم يشعرنا النصر بالشماتة من العدو”.
نأمل أن يساعد هذا المزج بين الكفاءة الفتاكة والتواضع الصادق واحترام الخصوم، ماكماستر على المناورة في الوصول إلى صدارة فريق الأمن القومي لترامب، كي يتمكن من توجيه الرئيس الجديد بهدوء في غمار العاصفة التي صنعتها يداه.
اضف تعليق