مع انتشار الخطابات الدينية والسياسية المتطرفة في العالم العربي خاصة ً بعد ما عرف بـ "ثورات الربيع العربي" وبروز التنظيمات الإرهابية، إضافة الى حالة التزييف الديني الذي غزى الكثير من البلدان العربية, بدأ بعض الشباب العربي في إعلان عدم إيمانهم والتعبير عن اختلافهم مع الخطاب الديني السائد ورفضهم له.
وكما معروف بأن الالحاد ليس بالظاهرة الجديدة, كما انه ليس بالغريب ان يعلن احدهم الحاده على رؤوس الاشهاد, فلطالما اعلن الدهريون عن انفسهم وناقشوا ائمة المسلمين, بل واصر بعضهم على رأيه حتى النهاية رغم تكرار نقاشاته مع الدعاة بل ومع الائمة المعصومين, فالتاريخ يذكرنا بابي العوجاء الذي حفظت لنا كتب التاريخ مناظراته مع الامام الصادق الذي كان ليناً غاية اللين في حواره, وبالإجمال لم تسجل كتب التاريخ ان أحد الائمة استخدم اسلوبا تعنيفيا او اقصائيا مع هؤلاء الدهريون او الملحدون.
كما انه يصعب تحديد عدد الملحدين في المنطقة العربية لغياب الدراسات وللسرية التي تحيط بهم، لكنهم يبقون أقليّة في هذه البقعة من العالم. كشفت دراسة أجراها "منتدى بيو فوروم للدين والحياة العامة" Pew Forum، مركز دراسات وأبحاث أمريكي متخصص بالأديان والمعتقدات، في أكثر من 230 دولة طوال عام 2010 وصدرت نتائجها عام 2012 أن "الإلحاد" أصبح "الديانة" الثالثة من حيث العدد في العالم بعد المسيحية والاسلام. وكشفت الخارطة أن أقل نسبة ملحدين موجودة في الشرق الأوسط حيث لا يزيدون على 2% (مليونان ومئة ألف) من مجموع مليار ومئة مليون ملحد في العالم، لاسيمّا أن أكبر عدد مؤمنين ما زال في الشرق الأوسط.
إذ ان افتراض وجود كيان ذكي خلف الاشياء التي تبدو لنا معقدة, فقط لأننا لانفهم أو لانعرف بعد كيف نشأت أو تطورت هذه الاشياء هو مغالطة منطقية معروفة ومرفوضة منذ قرون. هذه المغالطة قائمة على خداع النفس فقط والفرار من السؤال الحقيقي بأفتراض وجود إجابة وهمية, وبما أننا نفترض هذه الاجابة, لذلك غالباً ماتكون هذه الاجابة شاملة وهلامية وغير قابلة للأختبار أو التفنيد, تماماً مثل أفتراض وجود الله لحل مشكلة التعقيد في الكون.
لكن لو أفترضنا جدلاً وجود الله كحل لمشكلة التعقيد غير القابل للأغتزال, مثل شريط DNA, فمنطقياً أن يكون هذا الله أكثر تعقيداً من شريط الـDNA نفسهُ, وبهذا فنحن لم نحل المشكلة بل فقط جعلناها أكبر, وكتب أحد من يصفون انفسهم بالملحدين: استيقظ يا صديقي... فلا يوجد في السماء شيء انها فارغة فقد وصل بنا العلم الى 13,7 مليار سنة ولا اثر لربكم ولا ملائكته.
والتعبير اعلاه يدل بنفسه على سطحية كاتبه فهو يتصور ان رب المتدينين جسم مادي وكذلك الملائكة.
ففي ثلاثينات القرن العشرين يواجهنا دكتور اسماعيل ادهم صاحب المقال المشهور (لماذا انا ملحد) الذي كتبه ردا على محاضرة (عقيدة الالوهية) 1936, للدكتور احمد زكي ابو شادي, وقد رد العديد على اسماعيل ادهم , فكتب محمد فريد وجدي رسالته (لماذا هو ملحد) وكان مما قاله فيها: ان النزعة الالحادية التي تبناها د. إسماعيل ادهم ليست بالأمر الجديد على الفكر الاسلامي ولا ينبغي على المسلمين ان يضيقوا بها.
فلطالما انتصر الاسلام على الملاحدة بالحب والبرهان, وخلص وجدي الى ان العلة الحقيقية لإلحاد اسماعيل ادهم ترجع لغربته التربوية والفكرية عن روح الاسلام, وهذا يتسق مع كونه قد اتم دراسته الثانوية في انقرة, والعالية في لينينغراد.
كما ان رسالته تحمل نفس الاسم الذي يحمله احد كتب الفيلسوف الانجليزي برتراندرسل (لماذا انا ملحد),وقد انتهى ادهم منتحرا عام 1940, ويا لها من نهاية لا تنسجم وقوله انه كان مطمئنا لإلحاده تمام الاطمئنان!.
إذ انه انتحر وله من العمر تسعة وعشرون سنة أي في ريعان شبابه، فكانت نهايته نهاية مأساوية لشاب مسلم موهوب، قال عنه الأستاذ أحمد حسن الزيات : "كان شديد الذكاء.. واسع الثقافة"، وقال عنه الأستاذ محمد عبد الغني حسن بأنه صاحب "ذهن متوقد لامع" كان الأول على دفعته في البكالوريا، ثم حاز الدكتوراه وألّف مؤلفات كثيرة، ودرّس، وكان يحسن التحدث بست لغات، كل هذا وهو في هذا العمر الصغير.. إلا أنه بعدها اختار الكفر على الإيمان، وتدرج في مهاوي الضلال إلى أن وصل إلى آخر دركاته وهي الإلحاد لتكون خاتمته في تكلم الجثة الطافية على مياه البحر آيةً لمن خلفه من شباب الإسلام النابهين أن لا يفتروا بذكائهم ومواهبهم، فيخوضوا لأجلها ذات اليمين وذات الشمال واثقين زعموا من أنفسهم معرضينها للفتن والإنسلاخ من الدين إما بإدمانهم العكوف على كتب أهل الضلال والحيرة والشك كشأن أدهم، أو بمصاحبتهم وألفتهم ومن يشككهم في دينهم ويهون عليهم الطعن فيه أو التحير من بعض شرائعه، مجانبين في ذلك أهل الإيمان ساخرين من نصائحهم، لازمينهم بالتحجر وضيق الأفق!، ومبتعدين رويداً رويداً عن الصراط المستقيم خشية أن يقول قائلهم ولو بعد حين "لقد خضت البحر الخضم, وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذين نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لي".
ولمعرفة شاملة عن موضوع الإلحاد وأسباب توسع نطاقة في العالم كان لابد لنا سؤال الدكتور "ضرغام كريم كاظم" المختص في الدراسات القرآنية وعلوم الفقه عن هذا الموضوع فكان جوابه (كما معروف بأن الإلحاد هو عملية إنكار وجود الخالق سبحانه وتعالى وهو ذو مراتب ومستويات مختلفة, ولا يقتصر على إنكار الله فقط بل يتوسع الى إنكار اللوازم الخالقية والنعم الالهية والسبب الاساسي في أنتشار الالحاد هو الإنفتاح الخاطىء الذي واجهه العالم العربي وأيضا ظاهرة العلمانية التي تفشت في المجتمعات العربية بصورة غريبة, والتي تدعوا الى فصل الدين عن السياسة وتطبيق المبادئ التي تصر على إن الدين هو كبت الابداع و التطور!, واما تأثر الشاب العربي بهذه الفكرة, يعود الى عدم الوعي الكامل و إفتقارنا لمؤسسات خاصة تعنى لصد عمليات التبشير بقضية الالحاد.
و عن سؤال "هل من الممكن أن يؤدي التعمق في الدين أو العلم الى مرحلة الشك او الحاد" قال:
إذا كانت هنالك قراءة خاطئة للدين والفهم من الممكن أن يسبب الالحاد, اما بالنسبة للعلم فبالعكس.. لان العلم هو عبارة عن حقائق وجودية, اذا تم الوصول الى هذه الحقائق بالصورة الصحيحة فإنها سوف تعزز الوجود الالهية وتسقط الشك.
بالنسبة للعلماء والشخصيات الكبيرة التي وصلت الى مرتبة الشك فذلك يعود الى الازدواجية الحاصلة في تنشأته وتربيته او إنه لم يكبر على الاسس الدينية الصحيحة, وعندما اصطدم بالموروث الغربي و الإكتشافات الغربية, انبهر ورجع الى تراثه وضرب به.. وهذا الانبهار أدى الى تنحيه عن الدين.
و جوابه عن سؤال "كيفية الحد من ظاهرة الإلحاد وماهي الطريقة المثلى للسيطرة عليه" فقد كان:
تغيير المناهج الدراسية التي تتضمن النظريات والافكار الخاطئة والتي من الممكن أن تزرع الشك في نفوس الاطفال وتؤثر على تنشأتهم تنشئة صحيحة, إنشاء مؤسسات بحثية والنزول الى مستوى الشباب في الجدال.. وإستعمال الاسلوب الخاطف المتمثل بالوجبات السريعة الفكرية، وتثقيف العوائل عن طريق وسائل الاعلام وإقامة الدورات الدينية والعلمية, وتشديد الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي وبتر الاذرع الخفية التي تحاول وتسعى الى نشر الافكار المسيسة و السامة في المجتمع.
نظرية داروين والحلقة المفقودة
ظن الكثيرون أن محور الخلاف حول نظرية دارون هو ادعاؤها بأن الإنسان يعود أصله إلى القرود، ومع أن هذه نقطة جوهرية في النظرية إلا أنها ليست كل شيء، فإننا سنرى أن هذه النظرية وضعت لتأصيل عقيدة ورسم معالم منهج لحياة مجموعات من البشر رأت أنه لا بد لها من ربط علمي وتبرير منطقي لمعتقدها وسلوكها في الحياة.
منذ أن قام داروين بوضع نظريته الإلحادية انبرى له عدد كبير من العلماء الأوروبيين ودحضوا النظرية على مختلف مستوياتهم، ولكن للأسف نتيجة للسيطرة اليهودية على الإعلام والتوجه الثقافي والعلمي في أوروبا بالإضافة إلى ما كانت تشهده أوروبا آنذاك من انطلاقات علمية وثورات صناعية فقد تم العمل بقسوة على عدم نشر الحجج والبراهين التي دحضت النظرية، ومما يؤسف له كذلك انتشار هذه النظرية في العالم العربي والإسلامي وكأنها حقيقة علمية بالرغم من أنه في أوروبا وأمريكا لا زالت تعرف بأنها نظرية، ومما يزيد الأمر سوءًا لدينا قلة الاهتمام بالرد عليها ونشر حجج وبراهين الأوروبيين العلمية ضد النظرية وعدم الاكتراث بآثار النظرية ومقاصدها الحقيقة مما جعلنا لا نعي ولا ندرك كثيرًا مما يمر بنا كمسلمين وكعرب من مخططات مع تكرارها في معظم بلدان العالم الإسلامي على نفس النسق والوتيرة، وخاصة ما تم في المنطقة العربية والإسلامية خلال نهاية القرن التاسع عشر واستمرارًا بالقرن العشرين والحادي والعشرين.
لن نستفيض في الرد على هذه النظرية حيث إن المسلم المؤمن بالله يعرف مدى سخافة هذه النظرية وفقدانها لأبسط المقومات والأدلة العلمية ووضوح الخطوط الإلحادية الجبرية على ملامحها وتأصل العنصرية اليهودية الصهيونية في صياغتها ونشرها والترويج لها.
استحالة تكون جزيء البروتين الواحد حتى بالطرق الاحتمالية عن طريق الصدفة فقد بَيَّنَ العالم السويسري (تشارلز يوجين جاي) أن فرصة تكوين جزيء واحد بروتيني عن طريق الصدفة هي (1/16010) وتطلب هذه الصدفة إلى (24310) سنة للحدوث، بالإضافة إلى أنها تستهلك أضعافًا مضاعفة مما في الكون بأسره من ذرات هيدروجين وأكسجين وكربون ونيتروجين وكبريت.
أنه حتى بعد اكتشاف الأحماض الأمينية ودورها في التخلق فلا زالت فرصة تكوين أحماض نووية من نوع (DNA) والـ (RNA) مشابهة في احتمالاتها إلى فرصة تكوين جزيء بروتيني واحد.
بناءً على ما ذكر أعلاه فإن فرصة تكون خلية واحدة لم تأتَّ زمنيٌّا بعد، علاوة على تكون بقية المخلوقات والكائنات الأخرى، أي أنه لن تظهر حياة مثلما نرى ونشاهد الآن وقد تبين من الحفريات والمحفوظات المختلفة أن ظهور الحياة على وجه الأرض قديم جدٌّا يعود إلى ملايين من السنين خلت.
و أما بالنسبة للإنسان والذي اعتبره داروين وأمثاله متطورًا من القردة شكّل عقبة كَأْدَاء أمام داروين ودعاة التطور, وذلك لأن الإنسان لديه صفات يمتاز بها عن القردة والحيوانات منها الصفات العقلية والكلامية والسمعية والأحاسيس والمشاعر والقراءة والكتابة والتأليف والقدرة على الاختراع والاكتشاف وغيرها من الصفات الهائلة العظيمة لدى الإنسان يستحيل ربطها بنظرية التطور، ذلك لأن بين الإنسان والقردة قفزة نوعية هائلة لا تستطيع النظرية تفسيرها، لذلك لجأ داروين وأشياعه إلى مسألة الحلقة المفقودة بين القرود والإنسان، ومن ثم قام جماعة من مؤيدي النظرية بمحاولات مضنية وعاجزة بوضع تصورات ونظريات مختلفة في مخلوقات الحلقة المفقودة وهل هو نوع واحد أم أنواع متعددة متباينة ومتطورة إحداها من الأخرى؟، وما هي الفترات الزمنية التي عاشوا فيها؟، وكيف انقرضوا ولماذا لا يوجد أي منهم بالرغم من وجود حتى أضعف فصائل أسلافهم من القردة كما يزعمون؟.
إن جميع العقائد والديانات السـابقة تشير إلى أن البشر كان لهم أب وأم (آدم وحواء) وأن البشـرية تفرعت من هذين الأبوين، وأن الله تعالى هو الذي خلق آدم وحواء وأنزلهما إلى الأرض، وكثير من الديانات السابقة تستخدم نفس كلمة آدم (Adam)، كما أن معظمها تحكي قصة إغواء إبليس لهما وتسببه في خروجهما من الجنة ونزولهما إلى الأرض، ومعظمها تنعت إبليس وأتباعه وذريته بالعداوة واللعنة وتسميه الشيطان (Satan) وتسمي أتباعه بالشياطين (Satanists).
أما بالنسبة لمرض الإيدز فقد كشف مجموعة من العلماء الألمان أن حقيقة ظهوره كانت في الشاذين الفرنسيين في فرنسا في أواخر السبعينيات حيث ظهرت تقارير طبية فرنسية مفادها أن هنالك مرضًا يصيب الجهاز المناعي في الإنسان مما يتسبب في إصابته بجميع أنواع العدوى وعدم قدرته على المقاومة ويؤدي إلى الوفاة وأن الملاحظ في المرض أنه ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي أو الدم، ولم يستطع الأطباء الفرنسيون التعرف على حقيقة المرض بينما كانت تتزايد الحالات بين الشواذ من الرجال الفرنسيين، وهرعت الهيئات الفرنسية المؤيدة للشواذ بالضغط على حكومة الرئيس ميتران للقيام بخطوات لاحتواء المرض الذي سيهدد كل طريقة الحياة الغربية، فاتخذت الحكومة الفرنسية إجراءات منها إحاطة هذه الحالات بالسرية التامة وعدم السماح بالحديث عنها حتى في المؤتمرات الطبية إلا بإذن مباشر من الرئيس وتحويل كل الحالات إلى معهد باستير المتخصص في الأبحاث الطبية المتقدمة.
ولكن حالة الكتمان هذه لم تستمر حيث خرجت للعيان في ضجة إعلامية كبرى من أمريكا عندما أصاب المرض مجموعة من الممثلين والفنانين الأمريكيين المعروفين بشذوذهم الجنسي وعلى رأسهم الممثل (روك هدسون) والذي تمّ نقله إلى معهد باستير في باريس حيث مات بعد ذلك، وعندما أخذ المرض بالانتشار مثل النار في الهشيم في أمريكا عقد الرئيس الأمريكي وقتها رونالد ريجان لقاءات متعددة مع نظيره الفرنسي ميتران وتبنيا نفس السياسة الفرنسية وأضافا إلى ذلك ألا تقوم أي جهة فرنسية أو أمريكية بإرجاع ظهور المرض إلى أمريكا أو فرنسا أو أوروبا.
إن معظم المؤيدين لهذه النظرية هم من اللادينيين (العلمانيين)، الماسونيين، الصهاينة، وفي بعض المراكز العلمية العالمية يعتبر الاعتقاد بهذه النظرية والعمل بها وترويجها من أساسيات الترقية والتمكين والشهرة.
وفي بداية القرن العشرين (أثناء الاستعمار الهولندي لإندونيسيا) اكتشف عالم هولندي أثناء قيامه بعمليات حفر في منطقة جاوة بإندونيسيا، آثار جمجمة تشبه الجماجم البشرية وتختلف عن جماجم القرود وتتميز هذه الجمجمة بكبر حجمها عن الحجم الطبيعي لجمجمة الإنسان العصري.
وكان هذا الاكتشاف بمثابة النصر لدعاة التطور حيث تسارع العلماء الداروينيون إلى الجزم بأن إنسان جاوة (كما سموا صاحب هذه الجمجمة) يمثل الحلقة المفقودة أو إحدى سلالاتها وتهافتت التأليفات والندوات والمحاضرات التي أخذت تؤيد بل وترسم صور حياة هذا المخلوق وطرق عيشه وحياته وكيف أنه بدأ بالسير على قدميه مع انحناء في ظهره وأنه أخذ يسكن الكهوف وما إلى ذلك، وعند إجراء عملية تقدير لعمر هذه الجمجمة عن طريق الكربون المشع وجد أنها تعود إلى حوالي مليوني سنة، ثم توالت الاكتشافات فوجد إنسان مدغشقر الذي قدر عمره بثلاثين ألف سنة، ثم إنسان إفريقيا الذي قدر عمره بحوالي عشرين ألف سنة، وإنسان جبال الألب الذي قدر عمره بحوالي ستة آلاف سنة.
غير أن حدثًا مهما عظيما في تاريخ البشرية قد وقع قبل حوالي سنتين عندما قام مجموعة من العلماء في جامعة أكسفورد ببريطانيا باستخدام الطرق المتطورة الحديثة في الأحياء الجزيئية بمعرفة عدد الكرموزومات ونوعية المادة التي كانت تنتجها خلايا هذه المخلوقات لعمل الدم، وقد كانت دهشتهم شديدة عندما وجدوا أن جميع هذه المخلوقات كانت لديها ستة وأربعون كروموزومًا وأنها تنتج نفس المادة لعمل مادة الدم من نفس الجينات وبنفس الترتيب وهي مادة الهيموجلوبين، وقد حدت هذه الدهشة ببعض هؤلاء العلماء إلى أخذ عينات من زملائهم وبعض العاملين فوجدوا أن تركيبة المادة وخصائصها هي نفسها واحدة، أي لا يوجد هنالك فارق بين إنسان جاوة، وإنسان مدغشقر، وإنسان أفريقيا، وإنسان جبال الألب والإنسان الحالي الذي يعيش في هذا العصر، وأن الفارق الوحيد هو تفاوت الحجم.
لقد كان هذا الاكتشاف بمثابة الصدمة الهائلة التي دكّت أركان النظرية الإلحادية وأخذ بعض العلماء ممن كانوا أنصارها يعيدون حساباتهم، فقد عاد مجموعة منهم إلى الموقع الذي وجد فيه الجمجمة (لإنسان جاوة) وأعادوا الحفر والتنقيب وقد كانت اكتشافاتهم مثيرة، حيث إنهم وجدوا آثار أدوات ومعدات كان يستخدمها ذلك الإنسان تدل على قدرة عالية في التصنيع والتخطيط، وإن ذلك الإنسان كان على قدر عال من الذكاء والمدنية والحضارة بشكل يستحيل أن يكون عبارة عن كائن بدائي يمثل الحلقة المفقودة كما كانوا يزعمون.
وقد حدا ذلك بكثير من هؤلاء العلماء إلى مراجعة مواقع بقية المكتشفات حيث تأكد لديهم ـ بما لا يقبل الشك ـ أن أولئك الأشخاص كانوا بشرًا مثلنا وليسوا كائنات (قردية) متخلفة.
لقد احتضرت نظرية داروين بعد هذه الاكتشافات على يد دعاتها، ولكن للأسف لم يستغل العلماء المسلمون هذا الانتصار فينقضوا بقية ما أحدثته هذه النظرية المشؤومة على نظام العالم الحديث.
وقد اكتشفت في الحبشة في الآونة الأخيرة بقايا هيكل عظمي لأنثى أظهرت الدراسات الأولية لها بأن عمرها يعود إلى ثلاثة ملايين سنة ونصف تقريبًا، وتمّ تسميتها باسم (لوسي) ويحاول أنصار الداروينية الآن إظهار أنها ربما تنتمي إلى إحدى السلالات التي سبقت البشر ـ بزعمهم ـ ولكن الدراسات الأولية لم تظهر ذلك، وأكد بعض الباحثين أنها إن كانت من الجنس البشري فإنها ستكون كإنسان جاوة أي سوف لن تختلف عن البشر الحاليين.
إن نظرية داروين هي في الحقيقة (نظرية إنكار الخالق) حيث إن مجمل النظرية تقوم على أن الوجود قام بدون خالق، وإن بداية الكفر إنكار وجود خالق لهذا الكون وهذه المخلوقات من حولنا والادعاء بأنها قد خلقت وأوجدت نفسها وطورت وظائفها وأشكالها وبيئاتها بنفسها، وأن بداية الخليقة كانت صدفة وتطورها إلى أشكال وأنماط مختلفة إنما جاء نتيجة لتعاملها مع الظروف البيئية والمناخية والجغرافية المختلفة.
وقد كان رأي الدكتور "مصطفى محمود" ضمن إحدى محاضراته التي كانت تدور حول فكرة الالحاد ونظرية داروين على إنها نظرية فاشلة جدا, ولا يستطيع العقل البشري إستيعاب التطور الحاصل في الجنس البشري بانه نتاج ذاتي, اي من تلقاء نفسه دون تدخل يد الهية... فعندما نشاهد التطور الحاصل في انواع الساعات كالساعة الرملية, الشمسية... وصولاً الى الساعة الالكترونية, فإننا وبلاشك سنعرف بان خلف هذا التطور والابداع في طريقة التصنيع, يد بشرية فكيف لنا إنكار وجود خالق الكون الذي ابدع في تصوير هذه الكائنات الدقيقة والمخلوقات العظيمة!
وقدم تم الوصول الى قناعة تامة بإن نظرية داروين هي تقنية للإلحاد والكفر بالله العظيم، وكل هدفها هو إظهار سيادة العنصر الأوروبي والغربي (الأبيض) وتفوق اليهود وتبرير نزواتهم وجشعهم ورغباتهم الاستعبادية لبقية بني البشر.
وبعـد أن تبين البعد الشيطاني لهذه النظرية قامت بعض المؤسسات الغربية الواعية بمنع تدريس النظرية في المدارس والمعاهد كما حصل في مدارس ولاية كانساس بأمريكا، وكما قامت ولاية لويزيانا بإصدار قرار يقضي بأن داروين كان عنصريٌّا وأن نظريته عنصرية بحتة وليس لها صلة بالعلم، بالإضـافة إلى ذلك فقد قـام العديد من العلماء المرموقين في شتى المجالات بنبذ النظرية تمامًا وتوضيح أنها من أكبر السخافات البشرية في القرنين الماضي والحاضر.
فهل يعي المسلمون هذه الحقيقة ويكفوا عن التشدق بالنظرية التي ظهر زيفها لأصحابها قبل مناهضيها؟!.
و من أسباب انتشار فكرة الالحاد:
1- ادى انتشار هذه الظاهرة في أوربا وأمريكا الى انتشار الفلسفات المادية وهيمنة التكنولوجيا التي أصبحت تتحكم بكل شيء تقريبا، أما في الدول العربية الاسلامية فان هذا الانتشار أشبه ما يكون بالموضة التي يتناقلها دون وعي ولا تفكير.
2- هيمنة تجارب الحكم الفاسدة التي فشلت باحتواء غالبية المجتمع المتمثلة بالشباب فأفقدته ثقته بنفسه ودينه.
3- انشغال الاباء عن مناقشة شبهات ابنائهم فيؤسسوا بذلك التدين السطحي الذي لا يقوم على دليل حقيقي لدى أبنائهم.
4- بحث الشباب عن دليل محسوس لإثبات وجود الله, وهو امر ينسجم نفسيا مع مراحلهم العمرية ورؤاهم الثقافية مع جاذبية عرض بعض النظريات وبالأخص نظرية التطور لدارون, ونظرة تعدد الاكوان لهوكنغ فيعتبروها التفسير المتاح الذي تتبناه الكثير من المؤسسات التي تقدم نفسها ممثله للعلم وانها تمثل الاجابة العلمية لتساؤلات الشباب فيقتنع بها ذوي التفكير السطحي دون تمحيص او تدقيق, رغم أنها في حقيقة الامر لا تقدم اي اجابة للتساؤل عن كيفية النشأة الاولى.
5- النظريات الخاطئة والمنبوذة التي لازالت تدرس ضمن المناهج السياسية التي من الممكن أن تأثر على تنشئة الفئات العمرية الصغيرة والتي تكون قيد مرحلة النضج.
6- عدم تشديد الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي مما ادى الى انتشار المجموعات التي تستبشر بفكرة الالحاد بشكل مخيف, وفيض ما تبثه القنوات الفضائية من برامج تشكك بالدين دون وجود شخصيات واراء مقنعة ترد على هكذا برامج, وايضا ما توفره المواقع الالكترونية من فرص لتفاعل الملحدين فيما بينهم.
7- قلة الوعي العلمي و الديني والثقافي لدى الشباب التي من الممكن ان تؤدي الى قلة الثقة بعقيدتهم وبالتالي سيصنع الضعف لهم مكيدة سهلة للوقوع في مصيدة الكفر.
8-افتقارنا للمنتديات والدورات الدينية التي تعزز وتقوم الافكار و الاسس الدينية الصحيحة.
ومما سبق اخيرا يتضح لنا أن نظرية داروين وجميع الشبهات المزيفة التي يقدمها الناس تعود الى حقيقة واحدة الا وهي تأصيل للكفر بالله وإصباغ الصبغة العلمية المزيفة على قضية الكفر والإلحاد.
وهذا الكفر قديم جدٌّا وذكره الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال عن هذا النوع من الكافرين بالله تعالى: ((وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)) (سورة الجاثية اية 24)، وقد سمي هؤلاء الكفرة بالدهريين، وقد تصدى لهم القرآن الكريم في آيات كثيرة.
اضف تعليق