غادروا مدنهم وقراهم الى المجهول بعد ان حاصرهم الموت من كل جانب، هذا هو حال النازحين العراقيين، بعد أن شهدت خمس مدن عراقية صراعاً عسكرياً بين القوات الحكومية ومسلحي تنظيم داعش الذي اقتحم مدنهم وحياتهم وبيوتهم فجأة.
هناك معاناة كثيرة في قصصهم المؤلمة من لحظة خروجهم من بيوتهم، في رحلة رافقتها مشاهد الموت والمخاطر وصولاً الى معاناة اكبر، فالنازحون يعيشون اليوم ظروفاً غاية في التعقيد من فقدان الرعاية الصحية والخدمات الاساسية الى الطعام وفرص العمل وما شابه، وفي ظل ما يقاسيه النازحون العراقيون بعد هروبهم من عصابات داعش، يحل فصل الشتاء بكل قسوته مضيفاً الى محنتهم معاناة جديدة .
فقد وصل عدد النازحين الى مدينة كربلاء ما يقارب (١٢٧٠٠) عائلة حسب مصدر موقع عين العراق نيوز بتاريخ ٢١ يناير ٢٠١٥ واكثر من ٥٠٠٠ نازح غير مسجل وهناك ممن سكنوا الحسينيات المنتشرة على الطريق بين كربلاء والنجف، وواجهوا صعوبات كثيرة لان تلك الحسينيات غير معدة للسكن فيها لفترة طويلة، وعلى الرغم من وصول عدد من الخيام المؤقتة لهم إلاّ انها لم تكن كافية قياسا الى اعداد النازحين الكبيرة .
نفترش الأرض في العراء
من معرفة أوضاء النازحين، زارت (شبكة النبأ المعلوماتية) بعض العائلات النازحة، وتحدثت لنا السيدة (نجلاء عبد القادر) البالغة من العمر ٢٧ سنة وهي نازحة من مدينة الموصل سهل نينوى، والآن مقيمة مع اسرتها في كربلاء في منطقة حي العباس بفندق (قصر الامير)، تقول "خرجتُ من المدينة في أحلك الظروف واصعبها برفقة زوجي واولادي الاربعة بعد ان خيم الرعب على اجواء المدينة وخرج كل اهلها ووجدت نفسي امام امر واقع : اما البقاء ومواجهة الموت في اية لحظة بعد وصول المعارك بين القوات الحكومية ومسلحي داعش الى أزقتنا او الرحيل. خرجنا من البيت فوراً في الساعة الثانية عشر ليلاً وبلا شعور اتجهنا حيث يتجه بعض الهاربين من المعارك وبعد مسير قارب ٤ ايام بتاريخ ٨/٦ وكنا متأملين خيرا وأمنا بقوات البيشمركة ولكن للاسف انسحبوا قبلنا، وفي نفس الساعة سقط سهل نينوى، وكان بين سيطرة الاكراد وداعش مئة متر فخرجنا خائبين خائفين نبحث عن مكان آمن وخلال الايام الاولى من التنقل كنا نفترش الارض في العراء، حتى وصلنا الى مدينة كربلاء المقدسة، وها نحن هنا منذ عدة اشهر عانينا فيها الكثير بدءاً من معاناتنا من العيش في اجواء حر الصيف اللاهب وعدم توفر الخدمات الاساسية في ظروف اكثر قسوة ومواجهة برد الشتاء وتفشي الامراض ونقص الاغذية والرعاية الصحية مما تسبب في حالات وفاة لعدد من الاطفال وكبار السن، وتضيف النازحة" لقد فقدنا كل شيء إلا الأمل برحمة الله".
الاطفال تحت ضغط المعاناة
فجأة يرى المرء نفسه مرمياً خارج ارضه التي وُلِد فيها، فالمرأة تجد نفسها فجأة مرمية خارج منزلها، اما الاطفال فيجدون انفسهم وقد انتزعت منهم العابهم واشياءهم انتزاعاً من غير ذنب اقترفوه، او جرم ارتكبوه، هذه الصورة تشكل حال النازحين الذين فقدوا بين ليلة وضحاها كل شيء على يد العصابات التكفيرية والاجرامية المسماة بـ داعش، السيدة سعاد وعد الله البالغة من العمر ٣٣ سنة نازحة من الموصل من منطقة سهل نينوى أيضا، قالت لشبكة النبأ " حالياً اقيم في غرفة بعدما كان لي بيت كبير وسيارة، وكنت اعيش في نعيم، والان افقد الامان والاستقرار وزوجي مُعاق من اثر انفجار وقع في مدينتنا، ووصل لنا خبر عن استشهاد والده في هذا الانفجار، فذهب مسرعاً ليتأكد إن كان الخبر صحيحاً أم لا، وعندما كُشِف عن الجثث رأى جثة والده مقطعة الأشلاء، وفي هذه اللحظة لحظة صدمته برحيل والده هزّ المكان انفجار جديد، ففقد زوجي عينه اليسرى، وجُرحَت عينه اليمنى التي بات بصرها ضعيفا جداً، بعثنا تقريرا عن حالة زوجي المأساوية الى وزارة الصحة ولكن دون جدوى، والآن يعاني زوجي من انكسار نفسي وضعف حاد بالنظر، كذلك يعاني (هو ونحن) من البطالة، فلا احد من أرباب العمل يقبل بتشغيله بسبب ضعف عينه وانطفاء الاخرى، علما أن جميع أولادي كانوا من الطلاب المتفوقين، لكنهم الآن تركوا مدارسهم بحثا عن رزق في الشوارع لكسب لقمة العيش
لقد تحطَّمت حياتنا
تضيف النازحة نفسها، نحن فقدنا الأمل بالعودة الى بيوتنا، وتحطمت حياتنا واحلامنا، ومع أننا نعيش اليوم في مكان آمن في ربوع كربلاء المقدسة، لكن الانسان لم يخلقه الله تعالى لكي يأكل وينام فقط، لذلك اقول تحطمت حياتنا، واشارت سعاد " بعضهم يقول لنا بأننا لم ندافع عن مدينتنا ولكن هذا الكلام غير صحيح، كنا ندافع عنها قبل ان يأتي الاكراد وسحبوا منّا كل ما لدينا من اسلحة، لذلك لم يبق لدينا اي سلاح لندافع به عن انفسنا وأرضنا، فخرجنا منها مكرهين حفاظا على ارواحنا فقط وتركنا كل ما نملك خلفنا.
نقص في الأموال والمؤن
وكان لشبكة النبأ المعلوماتية حوارا مع السيد عامر الموسوي مدير وصاحب فندق (قصر الامير) الذي يسكن فيه النازحون، فقال السيد الموسوي "لقد واجهنا صعوبات كبيرة عند استقبال هؤلاء النازحين، إذ لم يكن لدينا مبالغ كافية لإعالة هذا العدد الهائل من الناس، وكان عددهم يقارب (١٥٠٠) شخصا، ولم نكن مهيئين لتقديم الخدمات الاساسية لهم مثل الملابس والادوية والمواد الغذائية، وقد كنت اذهب الى كندا كي أجمع لهم التبرعات من اجل توفير بعض احتياجاتهم وقدر الامكان، ثم تكلمت مع ادارة العتبة المطهرة حول معاناة النازحين، فأسهمت مشكورة معنا في توفير كل ما يحتاجه النازحون، حتى من ناحية الحجاب، فقد اتصلتُ وتعاملت مع احد المعامل لشراء ما يقارب (٣٠٢) عباءة، ليتمكن النسوة النازحات من زيارة الامام الحسين واخيه ابا الفضل العباس (عليهما السلام). ونحن بدورنا كناشطين مدنيين نناشد الحكومة المحلية ودوائر ومؤسسات الإغاثة في الدولة والمنظمات الانسانية الى اتخاذ التدابير السريعة لمعالجة قضايا النازحين الأساسية، خاصة أن الامر لم يعد طارئا بل بات واقعا يجب ان نتعامل معه بتنظيم متواصل وصحيح.
واخيرا هذا مشهد واحد من واقع النازحين، ومع الاشادة بما تبذله الجهات الرسمية والدينية والأهلية، لتذليل مصاعب هؤلاء، ومحاولة توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم الاساسية، إلا أن سقف المقدَّم لهم من المساعدات لا يزال دون المستوى، علما أن اوضاعهم ينبغي ان يتم التعامل معها لا على اساس كونها طارئة، بل هم يستحقون من الجهات المعنية مراعاة اكثر، للتقليل من معاناتهم وفقدانهم لبيوتهم ومدارسهم وممتلكاتهم.
اضف تعليق