q

تعني مفردة ملابس البالات، الملابس المستعملة، لها اسواقها، ولها تجارها أيضا، فهناك من يعمل بها من التجار، ويحقق أرباحا عالية، وهناك من يشتغل بها من الباعة، فيحققون موارد عيش لا بأس بها، على الرغم من المحاذير التي ترافق هذا النوع من العمل، ومنها مثلا، أن بعض ملابس البالات قد تتسبب بنقل أمراض جلدية تهدد صحة الانسان، وقد يضطر من يشتريها ويلبسها، الى صرف مبالغ تساوي أضعاف سعر هذه الملابس، كي يستعيد صحته.

ولكنها كما يقول بعض العاملين فيها، من الشباب على وجه الخصوص، تحقق مصدر رزق جيد لهم، وتنقذهم من البطالة، وتنقذ عائلاتهم من الفقر والحاجة والعوز، إضافة الى أسعارها التي قد تنخفض الى النصف أو أكثر عن الملابس غير المستعملة، وهذا هو السبب الذي يجعلها محط إقدام المشترين عليها، خاصة أن الكثير منها يبدو للناظرين بصورة جيدة، وكأنه غير مستعمل، فيندفع الأب لشراء هذا النوع من الملابس، وتقبل الامهات على شرائها بكثرة حتى تفرّح قلوب الأطفال، لاسيما في الأعياد وفي مناسبات الاعراس والختان والافراح بصورة عامة.

أحزان من أعماق الماضي

لا تفكر الأمهات بالمخاطر التي تحملها معها ملابس البالات، في حين ربما يخطر في بال الآباء أن هذه الملابس قد تنقل بعض الامراض الجلدية الى أطفالهم، ولكنهم مع ذلك يقبلون على شرائها، لأن دخلهم الواطئ لا يسمح لهم بشراء الملابس الجديدة عالية الثمن، أما الأطفال أو المراهقين، فإنهم يتلقفون هذه الهدايا بفرح وسرعان ما يلبسونها فرحين، ولا يفرقون بين الجديد والبالات، في بادئ الأمر، لكن تبقى هناك غصة في داخل الطفل، تجعله يفكر ويتساءل، لماذا لم تجلب أمي ملابس جديدة، ولماذا أبي يشتري لنا ملابس البالات دائما؟ أما الجواب فهو معروف لهؤلاء الأطفال.. إنه الفقر!.

(شبكة النبأ المعلوماتية)، لاحظت وجود باعة الملابس القديمة (البالات)، في مركز المدينة، وخارجها، في بعض الشوارع التي تزدحم فيها السيارات ذهابا وإيابا من والى الأحياء السكنية، على الرصيف المعبّد بالمقرنص، تنتشر عربات وطاولات من الحديد تتكدس فوقها الملابس المستعملة، وهناك ادوات وأماكن لعرض ملابس البالات، يتجمع عليها رجال ونساء احيانا تبدو اعدادهم كبيرة، ولكن النساء أكثر دائماـ يعلن البائع عن سعر موّحد للملابس التي يعرضها، عندما سنحت الفرصة، سألنا هذا البائع (ابو مجيد في الثانية والاربعين من العمر تقريبا) بعيدا عن المشترين بعض الشيء، سألناه: ما هو منشأ هذه الملابس.

- هناك تجار رئيسيين، يصرفون مبالغ كبيرة احيانا لشراء البالات، ويتم توزيعها على المحافظات، كما ان اسواق بغداد تكتظ بها، في سوق هرج بمنطقة (الباب الشرقي) وغيرها، تكثر باعة البالات، ويكثر عليها اعداد المشترين، خاصة في فصل الشتاء، أما المنشأ، فهو دائما من دول اجنبية، أوربية وغيرها، وقد تكون هذه الملابس من متبرعين، لكنها تباع للناس هنا.

• هل أرباحكم جيدة؟.

- نعم نحن نحقق أرباحا لا بأس بها، ونعيش منها، وإلا لما قمنا بهذا العمل، أحيانا يكتفي بعضنا بهامش ربح بسيط، لكن هناك من يصيبه الطمع، فيبيع بأسعار خيالية، خاصة اذا كانت الملابس بحالة جيدة، وكلما كانت المنافسة موجودة كانت الاسعار مناسبة للمشتري.

• هل صحيح أنها تنقل معها بعض الأمراض الجلدية؟

- نحن نسمع مثل هذه الأقوال، ولا نعرف مدى صحتها، ولكن هناك مصادر طبية اكدت وجود بعض الأمراض، ومع ذلك نحن محتاجين الى العمل، مثل حاجة الناس (الفقراء) لشراء مثل هذه الملابس، ويزداد شراء ملابس البالات في هذا الوقت اضعافا عن الفصول الاخرى.

أرباح الملابس المستعملة

بائع آخر يتخصص في بيع ملابس الأطفال المستعملة (كريم عباس45 سنة)، سألناه عن سبب عمله في هذه المهنة، فقال:

• أنا صاحب تجربة في هذه المهنة، واعرف السوق جيدا، واعرف متى يزدهر سوق البالات، ومتى يصيبه الضعف والكساد، ملابس الأطفال هي الأكثر رواجا من سواها، فالامهات يقبلن على الشراء (بدون وجع قلب) وبدون تدقيق في أنواع الملابس كثيرا، المهم انها تحصل على (قمصلة أو بلوزة) لطفلتها او طفلها، تقيه البرد الشديد.

-هل تفرضون أرباحا كبيرة؟؟

يجيب البائع بصراحة: السعر يكون حسب حالة السوق، يعني اذا كان الاقبال شديدا نرفع السعر وترتفع معه الارباح، والحالة الانسانية لا تتدخل في وضع الارباح، حتى التجار الكبار يعرفون بحالة السوق، لهم عيون في السوق يخبرونهم، وفي هذه الحالة ترتفع الاسعار من المصدر الرئيسي، ونحن نرفعها ايضا، واحيانا نضاعف الارباح اذا كان (السحب) كبيرا، هناك من لا يرحم الناس الفقراء، المهم لديه أن يحقق اكبر قدر من الارباح، ولكن هناك من يرفض استغلال الناس وأنا منهم، نحاول ان تكون اسعارنا مناسبة، والمهم لدينا أن نحصل على رزق مناسب يكفينا لسد حاجات العائلة والاطفال والمدارس والاطباء الذين تكثر المراجعات لهم في الشتاء.

• هل تمنح للمحتاج ملابس بلا مقابل أحيانا؟.

- بصراحة، لا اتردد لحظة في هذا المجال، ولكن انا صرت صاحب خبرة في مهنتي، اعرف المرأة المحتاجة فعلا، فأعطيها ما تريد مجانا، او بنصف سعر الحاجة، ولكن هناك اشخاص نعرف انهم يحاولون خداعنا، نعرفهم من وجوهه او طريقة كلامهم، بعضهم يتكرر علينا فنعرفه، لكن المحتاج فعلا واضح لنا، ولا نتردد في مساعدته.

بعضهم لا يملك أسعار الملابس الجديدة

امرأة في (50 من عمرها) كانت تقلّب بالملابس القديمة المعروضة، علّها تعثر على ما تريد، سألتها عن حاجتها فقالت، اريد (سترة/ جاكيت) لطفلتي في الثالث الابتدائي، الهواء في الصباح بارد جدا، لا اذهب قبل أن اعثر لها على سترة جيدة تحميها من البرد، وعندما سألتها: لماذا لا تشترين سترة جديدة لها؟ قالت بدون تفكير: انا ارملة ولا املك سعر السترة الجديدة، ثم أضافت.. هذه الملابس تكفينا نحن الفقراء، فهي مخصصة لنا، أما الجديد فهو من حصة الأغنياء دائما!.

الطبيب (منتظر فالح)، قال عن الامراض المحتملة في ملابس (البالات): هناك نظام لاستيراد هذه النوع من الملابس، وحتى حملات التبرع التي تصل من خلالها هذه الانواع، تخضع لاجراءات صحية، أو يفترض انها تكون خاضعة للفحص قبل النزول الى الاسواق، او قبل توزيعها على الناس المحتاجين، هناك جهات صحية، تقع عليها مسؤولية التأكد من سلامة هذا النوع، ومنع غير الجيد من دخول البلاد، كذلك نحن ندعو التجار الذين يعملون في هذا المجال، أن يلتزموا بما أوصاهم به الاسلام حول سلامة العمل، كذلم لابد من التزام هؤلاء بالقوانين التي تتعلق بسلامة السلع التي يتاجرون بها، ولكن الرادع الذاتي هو الأهم دائما، فالتاجر الذي يخاف الله، يلتزم بسلامة السلع مهما كان ثمنها عاليا او واطئا.

في الختام، نعم التكافل مهم، وقد دعا الاسلام الى التعاون بين الناس في جميع الحالات ومنها الحصول على مصدر رزق مناسب ومشروع، فالعمل أمر جيد، والبحث عن الرزق أمر مشروع تماما، بل على الجميع أن يسعوا نحو أرزاقهم، ولكن الأهم أن لا يكون هناك ضرر للآخرين من تحصيل الرزق، حتى تكون الأرزاق فيها بركة، وتستفيد منها العائلة، ويكون ضميرنا مرتاحا، لأننا لا نتسبب بأي نوع من الأذى للآخرين.

اضف تعليق