ان تباين التقاليد الاجتماعية والعادات والثقافات تختلف من مجتمع الى اخر، وينعكس ذلك على العائلة التي تعد صورة مصغّرة للمجتمع، فهناك قيم وتقاليد معروفة بين المسلمين، وخاصة تقوية العلاقات الاجتماعية من خلال التعاون والتكافل بين العائلات في المجتمع الاسلامي، كما ان الله تبارك وتعالى خلق الانسان بطبيعته يميل الى التعارف والاجتماع بالآخرين، ومد أواصر العلاقات بينهم كما ورد في الآية الكريمة (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).
وقد حاولنا من خلال هذا التحقيق، جس نبض العلاقات الاجتماعية، وخاصة الزيارات المتبادلة بين العائلات، في المناسبات، ودور الشباب في ذلك، وهل لا تزال الزيارات الاجتماعية كما كانت في السابق، أم تغيرت؟ وما هو دور الشباب فيها، وهم جزء مهم من العائلة، بل الجزء الواعي والمثقف كما يفترض به، لاسيما أن الكثير من العادات في العلاقات الاجتماعية قد تعرضت للتغيير او الانقراض، وربما حلّت محلها عادات بديلة بسبب انشغال الشباب في شؤون الحياة من دراسة وعمل، فالحياة المدنية الحديثة وما صاحبها من تغيرات اجتماعية وما تساهم به وسائل الترفيه الحديثة، شاركت بشكل فعال في إضعاف العلاقات الاجتماعية، كذلك يوجد تأثير على الشباب بسبب الوقت الطويل الذي يقضونه امام شاشات التلفاز والكمبيوتر والموبايل مثلا، وقد يكون ذلك على حساب تقوية الروابط الاجتماعية!.
وقد استطلعت (شبكة النبأ المعلوماتية) آراء بعض الشباب حول مدى مشاركتهم لعائلاتهم في الزيارات المتبادلة وتقويتها وكانت لهم آراء مختلفة، وكذلك الحال عندما استطلعنا آراء كبار السن، لنعرف الفرق بين ما كانت عليه الزيارات الاجتماعية بين الناس في الماضي، وكيف أصبحت في الوقت الحاضر؟.
حرية اختيار العلاقات الاجتماعية
فقد أجابت الآنسة (سجى/18 سنة) بعد أن وجهنا لها سؤالنا المذكور وقالت: انا لا ارغب بالخروج مع والدتي تلبية لأية دعوة كانت، سواءً من الجيران ام من الاهل، لأنني غالبا ما أكون مرتبطة بموعد محادثة مع صديقاتي على الفيسبوك، ولا اريد ان تفوتني، لان الحديث في العالم الافتراضي لا يحكمه انطباع عن المستوى المعيشي او التعليمي، فأنا أتحكم بمن اريد التعرف عليه، ومن لا اريد التحدث معه، هذا هو عالمي وهو يكفيني من حيث الشعور بالعلاقات الاجتماعية المتبادلة، كذلك هناك الكثير من القضايا الشكلية تفرض نفسها على العلاقات الاجتماعية في الواقع.
اما رأي الشاب (مصطفى/19 سنة) فهو لا يختلف كثيرا عن سجى كثيرا إذ يقول انه لا يخرج مع العائلة في الزيارات التي يقومون بها، لأنه مشغول بالموبايل دائما، ويقول انني اجد من يفهمني فيه، خاصة اصدقائي الذين هم في مثل عمري، وعندما سألناه عن علاقته مع اهله في البيت، فأجاب: الحقيقة، قليلا ما التقي بهم، فأنا أنام نهارا واستيقظ متأخرا، لذلك قليلا ما أتواصل معهم. وأضاف: ان أصدقائي أصبحوا جزءا من عالمي.
وهكذا تبدو هذه الاراء طبيعية او هي السائدة لجيل من المراهقين والمراهقات، اعتادوا على تلك الوسائل منذ نعومة أظفارهم، وهو جيل يختلف عن جيل الكبار في السن حيث جاءت هذه الوسائل كطفرة وتغيير في نمط الحياة بالنسبة لهم.
الجيل القديم يتفوق اجتماعياً
وعند استطلاعنا لآراء كبار السن اجابت الحاجة ام زهراء البالغة من العمر 68 عاما: في ايام شبابي لم تكن الحياة سهلة كما هي الان، اولادي يتحججون عندما اسألهم لماذا تتأخرون عن زيارتي، ويقولون انها مصاعب الحياة. وتضيف الحاجة ام زهراء قائلة: انا وزوجي المرحوم كنا نعمل في بستان لنا سوية، وكنا في كل يوم ليلا، اما نخرج الى زيارة الاقرباء او يزورنا احدهم، ولا يهمنا التعب وكان المجتمع كله هكذا، فهذه هي حياتنا اليومية، اما في المناسبات فكنا نعود المريض ونحضر زفاف من يتزوج، ونقدم المساعدة لمن يحتاجها، فقد كانت الحياة مع صعوبتها في الماضي أفضل واجمل بكثير من الآن.
الحاجة ام محمد البالغة من العمر 71 عاما تقول في جوابها: لقد تغير هذا الجيل عنا كثيرا، سابقا كنا نجتمع في بيت اهل زوجي كل يوم جمعة على مائدة الغداء، وتجتمع العائلة بالكامل، ونجتمع في بيت اهلي في نفس اليوم على وجبة العشاء، هكذا كنا ولم نتغير، فأنا عندما اجد صحتي تساعدني، اذهب لزيارة الاقرباء والجيران والاصدقاء، اما الجيل الجديد هو الذي تغير كثيرا، لقد استبدلوا الزيارات برسالة واتصال أو سؤال بالموبايل!.
رأي آخر للحاج (ابو حيدر 75) عاما يقول: انا اذهب لزيارة الاقربين في كل المناسبات، ولا افرق في ذلك بين الصغير والكبير، واسال عنهم جميعا، وهم يزوروني ايضا، ولعل هذا هو السبب الذي جعلني اعيش الى الآن وأمدّ الله تعالى في عمري فصلة الارحام تطيل العمر وتدر في الرزق كما جاء في الروايات عن اهل البيت عليهم السلام.
الرأي الاخير كان للسيدة (أم مهدي 45) عاما، ولعل رأيها فيه شيء من الصواب، تقول: انا أزور اقاربي واصدقائي في كل المناسبات، في الاعياد، وعند مجيئهم من العمرة، وعندما يتزوج احدهم، وفي باقي الايام اتواصل معهم عن طريق برامج التواصل الاجتماعي، فانا برأيي ان هذه البرامج والمواقع جاءت لتقرّب لنا البعيد وليس لتبعدنا عن القريب.
اضف تعليق