اعتادت اسماء ان تلبس السواد في ايام شهادة الائمة المعصومين وفاطمة الزهراء (ع)، ففي يوم ما قبل شهادة الزهراء استعدت كي ترتدي السواد حزنا عليها.
ارادت ان تكون مصداقا لحديث الامام الصادق (ع): (شيعتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا).
فتحت الخزانة لتأخذ لوحات سود تعلقها على الجدار قبل مجلس تقيمه في بيتها مواساة لصاحب الزمان (عجل الله له الفرج) في ليلة استشهاد الزهراء (ع)، واذا بنظرها يقع على ثوب لصغيرها ممزق قليلا.. تنهدت لرؤيته بصوت عال، وقفت في مكانها متأثرة تجهش في البكاء تنادي "لولاك يا زهراء، لولاك يا زهراء لكنت في كل يوم اموت حسرة على ولدي".
بدأت تدور بموجة من الأحاسيس، فتحت على قلبها باب جروح قد اندملت، وبقيتْ آثارها ولوعتها في الذاكرة،
اذنت لذاكرتها ان تعيد صورا من الماضي حتى كأنها تسمع وترى تلك الاحداث وكأنها الان.
في مثل هذه الايام قبل عامين كتبت خاطرة في دفتر مذكراتها: نام ولدي بأمان في ليلة من ليالي الربيع وبعد ثلاث ساعات من نومه واذا به يستيقظ، لا لم يستيقظ!!! ولكنه يرتعش، انها اشبه بسلسلة من حركات الارتجاف في ذراعيه وساقيه وبدأ يصك اسنانه ويصدر صوتا كالشخير وعيناه مقلوبتان الى الوراء وبدأ فمه بالاعوجاج، حاولتُ ايقاظه لم يسمع ولم يستجب مع اني كنت اضرب على وجهه وارش عليه الماء، لقد كان فاقد الوعي تماما، وبعد 7 دقائق نام نوما عميقا دون ان يستيقظ، لم افهم ما حصل، فقط كنت اصرخ واستغيث بالأئمة (عليهم السلام)، وبعد ان عاد الى نومه اطمأننت قليلا، ولكني لم استطع النوم في تلك الليلة، اكتفيت بالنظر اليه، وعند الصباح سألته ما الذي اصابه ليلة البارحة، لم يتذكر شيئا، شعرت بالراحة، قلت في نفسي لعلها احلام اليقظة، وما كان يشعرني بالارتياح انه تناول طعامه ولعب مع اخيه بشكل طبيعي وكأنه لم يصب بأي مرض، ولكن سرعان ما عاد القلق والحيرة اليّ فقد نام ولدي عند الظهيرة وبعد ساعة من نومه عاد لما كان عليه في الليلة الماضية، ولكنها اصعب كثيرا واقل وقتا من سابقتها، كنت بلا شعور ادعو الله، واتوسل اليه بالأئمة (عليهم السلام) بصوت عال، ان ينجي ولدي لم اكن اعرف ما الذي يصيب ولدي ولكني قلقة...
وبعد ان هدأت اعصابه وعاد الى النوم، رأيت الدم يسيل من شفته السفلى، فقد قضمها بأسنانه، جلست الى جانبه افكر في ما أفعله له وما الذي يصيب ولدي كل ما دخل في النوم، تكررت هذه الحالة مرارا حتى جاءته النوبة ذات مرة واذا بولدي يتشنج ويرتجف، كان والده منتبها لحركاته فقام ووضع ثوبه بين اسنانه حتى لا يؤذي لسانه او شفتيه، تعجبت مما فعل! سألته، فتهرب من السؤال، قال لنأخذه الى الطبيب ليشخص حالته.
اخذناه الى طبيب اطفال حاذق وبعد ان شرحنا حالة ولدي بالتفصيل بدأ يسألنا عن اذا كان يعاني من مرض او اذا كان قد اصيب بحادث؟ قلت لا لا يعاني من مرض ولم يصب بحادث، سألني الطبيب اذا كان ولدي في المدرسة وهل يشكو من مشكلة في الحفظ، قلت ان ولدي في الصف الاول وهو ذكي ولا يشكو من مشكلة، فسألني سؤالا كان بالنسبة لي صدمة!! لقد كان يتكلم ببطء وهو ينظر لي ولزوجي، انه يشفق علينا، يقول هل عندكم وراثة بمرض الصرع!! اجاب زوجي لا، اما انا فأجبته بسؤال؟ دكتور هل ولدي مصاب بهذا المرض؟ لم اكن اريد ان اصدم بجواب الطبيب "نعم" ولكن يبدو ان هناك صدمة اكبر، رفض ان يجيب الطبيب قبل اجراء تحاليل، قال لنتأكد اولا اذا كان لديه نقص السكر في الدم، تصحبه هذه الاعراض او نقص الكالسيوم والمغنيسيوم، اجرينا التحاليل ورجعنا الى الطبيب، فقال ان التحاليل سليمة، قلت اذا ممَ يشكو ولدي؟ اجاب الطبيب ان لم يصب بحادث في رأسه وليس لكم وراثة بمرض الصرع، فإن هذه الأعراض تدل على "جلطة دماغية" او ورم في الدماغ!.
خرجنا من غرفة الطبيب بعد ان قرر ان نجري لولدي "رسم كهربائي للمخ" بواسطة جهاز يسجل بدقة النشاط الكهربائي للمخ وذلك بواسطة اسلاك تثبت على الرأس حيث تسجل الاشارات الكهربائية للخلايا العصبية على هيئة موجات كهربائية ويتم تكرار هذا الاجراء لرصد نوبات المرض والموجات الكهربائية خلال نوبات الصرع.
وكتب له اجراء" الاشعة المقطعية والرنين المغناطيسي" والتي تحدد الاورام الدماغية.
لا أستطيع ان اصف حالتي حينما كان ولدي ينبهني الى صوت الهاتف الذي رن كثيرا دون ان انتبه، ولكن كنت انظر في عينيه كم هو جميل وكم هو ذكي وكم انا احبه فأنا ام، لقد عرض علية زوجي ان نأخذه الى طبيب اخر اخصائي في امراض الدماغ والاعصاب وذهبنا الى الطبيب وشرحنا له حالة ولدي والتحاليل التي اجريناها، لم يكن تشخيصه يختلف عن تشخيص الطبيب السابق، اصبت بخيبة امل كبيرة، كان هاتفي يرن انها والدتي انها تخبرني ان الليلة هي ليلة استشهاد الزهراء وان يوم غد عندهم طبخ طعام ومجلس عزاء للسيدة الزهراء (ع) لا تنسي الحضور مبكرا، قلت لها اني في طريقي اليها.
دخلت على والدتي وكانت تهيئ بعض الامور الخاصة بمجلس العزاء ليوم غد، سألتني ماذا هناك قلت لها ان (مرتضى) مصاب بمرض الصرع (هكذا شخص مرضه الطبيب) لم استطع ان اخبرها اكثر، قالت لا تأخذي بكلام الطبيب، قلت انهم طبيبان لهما نفس التشخيص.
بكت لبكائي قالت اسمعي ان الليلة هي ليلة استشهاد الزهراء (ع)، توسلي الى الله بالزهراء فانها وجيهة عند الله، ما توسلت الى الله بالزهراء إلا واعطاني مسألتي، قلت لها اعلم ذلك شاهت مرارا ان توسلت امي بالزهراء واغاثتها، أخبرتني امي قائلة، لقد قضيت عمري في خدمة اهل البيت وفي هذا اليوم سأطلب اجر خدمتي من اهل البيت (ع) بأن يدعون الله بشفاء ولدك، وانت توسلي بالزهراء في هذه الليلة وتذكري كيف قضت الزهراء هذه الليلة مع اولادها وهي متألمة، مظلومة باكية وابكي لبكائها.
قضيت تلك الليلة اتوسل الى الله بالزهراء واقسم عليه بأيتام الزهراء ان يشفي ولدي، اما زوجي فقد قضى الليل يقنع نفسه ويقنعني بالسفر الى الخارج وعرضه على احسن الاطباء وهو مستسلم او يتمنى ان يكون صرع وليس جلطة دماغية او ورم دماغي، كان يبحث في الانترنت عن مرض الصرع ويتزود بالمعلومات وكيفية التعامل مع مرضى الصرع وكان يقرأ أن الصرع هو اضطراب مزمن يصيب الدماغ ويتأثر به الأشخاص من جميع الأعمار، ويصاب المريض بنوبات متكررة، هي عبارة عن نوبات وجيزة من الحركة اللاإرادية التي قد تخص جزءاً من الجسم أو الجسم كله ويصاحبها أحياناً فقدان الوعي، وتنجم هذه النوبات عن فرط الشحنات الكهربائية التي تطلقها مجموعة من خلايا الدماغ وقد تنطلق هذه الشحنات من أجزاء مختلفة من الدماغ، كما أن النوبات قد تختلف من حيث مدى تواترها، من أقل من مرة واحدة في السنة إلى عدة مرات في اليوم.
ويعاني نحو 50 مليون شخص حول العالم من الصرع، ما يجعله المرض العصبي الأوسع انتشاراً على الصعيد العالمي، ويعيش 80% من الأشخاص المصابين بالصرع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل،
ويستجيب الأشخاص المصابون بالصرع للعلاج في نحو 70% من الحالات، ولا يحصل نحو ثلاثة أرباع الأشخاص المصابين بالصرع الذين يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل على العلاج اللازم في أنحاء كثيرة من العالم بسبب الفقر.
لقد كان يحاول اقناعي انه صرع وليس مرض آخر وانه ممكن العلاج وسيعرضه على أحسن الاطباء خارج العراق، اما انا فقد توسلت الى الله بالزهراء كثيرا في تلك الليلة وقضيتها بالنظر الى ولدي والبكاء حتى طلوع الفجر، وبدأنا نعد الطعام الى ان جاء وقت مجلس العزاء، وبعد أن مضى يومان جاء موعد المستشفى واجراء اشعة الرنين والمفراس ولم تتكرر الاعراض بعد ما كان يعاني منها كل ما دخل في النوم.
اعترضت والدتي على اجراء الفحوصات تقول، هو لم يعد مصابا بأي مرض واختفت الاعراض منذ ليلة استشهاد الزهراء (ع) لقد شفي ببركة الزهراء (ع)، قلنا نريد ان نتأكد من ذلك بتقارير الاطباء للاطمئنان وذهبنا الى عيادة طبيب مختص بأمراض الدماغ وأجرى عليه فحص المفراس وبعد ذلك ذهبنا الى المستشفى واجرينا اشعة الرنين، وظهرت نتيجة المفراس في نفس اليوم وظهرت نتيجة اشعة الرنين بعد اسبوعين.
ان ولدي معافى تماما من الامراض التي شخصها أكثر من طبيب ببركة الزهراء (ع)، من اثر التوسل الى الله بشفاعة الزهراء فإنها وجيهة عند الله وانها تشفع لنا عند الله.
هكذا عاد ولدي الى حياته الطبيعية وعاد إلينا الأمل وغادرنا القلق والآلام والسهر والخوف من المجهول، كل ذلك بفضل التوسل بالزهراء (ع) عند الله تعالى، وهذا ما حدث فعلا، لقد عشت ذلك بنفسي، فحمدا لك يا إلهي، وشكرا لك يا مولاتي يا زهراء.
اضف تعليق