الأخطاء الإملائية والنحوية بتزايد مخيف في وسائل التواصل الاجتماعي، لافتات الشوارع لوحات الاعلانات، في لغة التخاطب بين الافراد، تهجنت العربية بلغات أجنبية اخرى، وأحيانا تدخل فيها أرقام ورموز للدلالة على حالات معينة، على الرغم من ان التكنولوجيا الحديثة هي مصدر للتطور والتنمية المباشرة...
الأخطاء الإملائية والنحوية بتزايد مخيف في وسائل التواصل الاجتماعي، لافتات الشوارع لوحات الاعلانات، في لغة التخاطب بين الافراد، تهجنت العربية بلغات أجنبية اخرى، وأحيانا تدخل فيها أرقام ورموز للدلالة على حالات معينة، على الرغم من ان التكنولوجيا الحديثة هي مصدر للتطور والتنمية المباشرة، الا ان الاستخدام السلبي سبب خللا كبيرا في عدة جوانب، اللغة الام هي من أحد المفاصل التي اصيبت بالداء.
اذ اننا نلاحظ التراجع الكبير في الاستخدام الامثل لها، وحتى اللغة الاعلامية نجد هناك الكثير من المغالطات النحوية والصرفية، ذلك يعود الى عاملين أحدهما إداري يمثل المناهج الدراسية وطرائق توصيل اللغة للدارسين، والآخر اجتماعي اذ ان الاندفاع الكبير في تعلم لغات اخرى بطريقة غير منظمة وصحيحة ادى الى تداخل كبير بين اللغات.
التضاد اللغوي
المتخصص في فلسفة الاعلام في جامعة بغداد الدكتور اكرم الربيعي يرى ان "الإشكالية ليست في اللغة العربية وإنما في طريقة الاستعمال والتوظيف، فاللغة العربية زاخرة بالمفردات ومن يتقن استعمالها سيكون بليغا ومقنعا في رسالته".
وحدد الربيعي المشكلة في الابتكار باللغة خارج قواعدها الصحيحة اذ انه يخل بالمعنى، واكد على ضرورة التمييز بين الكلمات التي تحمل اكثر من معنى وكلمات التضاد اللغوي عند الاستعمال.
واشار الى ان "للاعلام اهمية خاصة في التركيز على سلامة اللغة، لأن المتضادات في اللغة تؤدي الى انحراف المعنى، لذا يقتضي استعمال الكلمات المباشرة التي تدل على المعنى المباشر لتلافي سوء الفهم والتفسيرات المتناقضة".
واوضح الربيعي ان "استعمال اللهجة العامية يقلل من فعالية اللغة التي هي لغة القرآن الكريم فلا يجوز استخدام العامية بكثرة والحفاظ على اللغة العربية، اذ كثرت الأخطاء اللغوية في مواقع التواصل الاجتماعي إلى الحد الذي وصلت إلى درجة الإسفاف، فالاخطاء الاملائية والنحوية اخذت حيزا كبيرا في هذا العالم الافتراضي التواصلي.
المنظومة التعليمية
اعتمادهم على طرائق قديمة لا تتناسب مع تطور الزمن واستخدام الوسائل الإيضاحية القديمة من اهم الاسباب التي ادت الى ضعف اللغة العربية التي تعد هوية الفرد، هذا ما اكده الدكتور عمار اسماعيل المتخصص في البلاغة جامعة الموصل مواصلا حديثه "ان ضعف التعليم في المدارس والجامعات أدى إلى ضعف اللغة العربية، فلا يمكن تطوير لغة من اللغات والنهوض بها على المستوى النظري فحسب، بل يجب أن تتظافر الجهود من أجل تحسين أوضاع المنظومة التعليمية، فالأمر يحتاج منا عناية واهتماما كبيرين للارتقاء بالتعليم وتعزيز الانتماء الفكري والثقافي واللغوي لدى أجيالنا الناشئة.
وعزى اسماعيل الاسباب الى مؤثرات دخيلة مثل المصطلحات الأجنبية من الدول المحتلة لبلادنا، اذ أصبحت أكثر استعمالا من لغتنا العربية، مما أدى إلى نشوء لهجات ولغات تخاطب جديدة بين أفراد المجتمع كالتي تجمع بين اللغتين العربية والإنكليزية أو العربية والفارسية.
وأهم هذه المؤثرات: عدم التخاطب باللغة الفصحى بين الطالب والمعلم في المدارس والجامعات، اضافة الى المناهج المملة والمتبعة في التدريس وخلوها من الموضوعات المشوقة للطالب، كذلك عدم الاهتمام بمادة الإنشاء إذ تعد عصارة القواعد النحوية والصرفية، وهي الغاية المرجوة من دراسة النحو والصرف إذ إن المعلم يقوم من خلاله بتوجيه الطالب لإخطائه وتصحيحها من الناحية اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية، وبين اسماعيل "ان عدم توجيه المعلم للطالب لحب المطالعة وقراءة الكتب الخارجية والروايات والمجلات التي لها دورا كبيرا في تنمية المهارات الحوارية واللغوية.
السوشال ميديا والتعليم
لم يتفق اللغويون المعاصرون على مصطلح الابتكار السلبي في اللغة من حيث الاستعمال والدلالة فقد تتعدد مفاهيمه فهو يحتاح الى تحديد دقيق، اذ ان للعربية خصوصية ينبغي مراعاتها تنأى عن سائر اللغات، والابتكار فيها لا يصح الا في ضوء المعايير والمواد اللغوية. الباحث في اللهجات العربية ماجد الخياط نفى امكانية نكران احدهم إن للتكنلوجيا أثر سلبي على اللغة، وخاصة بعد انتشار اللهجة العامية من جهة، وابتكار لغات بديلة مثل الفرانكواراب من جهة اخرى وهي استخدام حروف لاتينية بدلا من العربية، الاكثر تأثيرا هو غياب المبادرين للحل، فلا نجد من يطالب بتصحيح هذا المسار حتى من اهل الاختصاص، ولا حتى يقومون بتصحيح بعض الاخطاء الاملائية والنحوية.
ويذكر الخياط حديثا السبعينات اذ اطلق اساتذة اللغة العربية في كربلاء حملة للحفاظ على اللغة، وبدأوا يتحدثون الفصحى في حواراتهم العامة في الاسواق والمقاهي ومازال البعض منهم لحد الان يلتزم بهذا العهد.
ويرى ان لمواقع التواصل الاجتماعي "السوشال ميديا" بالاضافة الى الميديا نفسها تأثيرا سلبيا فتداول اللغة العامية في التعليق والنشر وتقبلها من الاخرين وباللهجات العربية كافة كان له دور كبير في اندثار اللغة، فنحن لا نعول على غير المتعلمين او غير المثقفين بأن يكتبوا باللغة الفصحى.
إذ تقع المسؤولية على النخب المثقفة التي يجب ان تحاول ان تصحح المسار على الاقل ان لا تكون منشوراتها باللغة العامية، فضلا عن وسائل الاعلام التي بدأت تنتقي صحافيين وإعلاميين لا يجيدون التحدث باللغة الفصحى، ساهمت بشكل كبير في تراجع الالتزام بضوابط الاعلام واللغة على حد سواء.
ويؤكد الخياط " حتى افلام الكارتون التي كانت اساس لكل طفل وانطلاقته نحو الفصحى بدأت تنسحب الى اللهجات بل حتى المسلسلات المدبلجة ومن هنا يجب ان يبدأ تصحيح المسار بالزام المؤسسات الاعلامية بالالتزام باللغة العربية".
المناهج المملة
الدكتور صبحي قصاب دكتور علم اللغويات في جامعة البعث في حمص بين "ان أية لغة في العالم لا تتمكن في النفوس إلا بالسماع والتحدث، العربية الفصحى تراجعت لأنها لا تُستخدم على نحو تعليمي مقصود في البيت والمدرسة، من قبل جميع مدرسي المواد فهذا له دور كبير في ترسيخ قضية السماع عند المتلقي فكثرة سماع التركيب يؤدي إلى تقليده من دون تفكير وأيضا في وسائل الإعلام وهو أمر هام جدا.
قصاب اجمل الاسباب في" غياب المعرفة الكافية في اسباب المعرفة وتدريس اللغة، عدم التخاطب باللغة الفصحى بين الطالب والمعلم في المدارس والجامعات ، اضافة الى عدم تشجيع الطلاب على التحدث بها.
وطرح قصاب سببا مهما لهذا التراجع وهي المناهج المملة والمتبعة في التدريس في الجامعات، خلوها من الموضوعات المشوقة للطالب، اقتصارهم على جمل وعبارات متكررة في كل مرحلة من المراحل الدراسية تجدها في كل منهج.
السيادة الوطنية والعناية الرسمية باللغة
إن اللغة هي هوية الامم فالانسان بدونها بلا هوية وبلا روح وبلا عقيدة، التمسك باستخدام اللغة العربية الفصحى يحافظ على حيوية الانتماء للوطن، يعمق التواصل مع التراث العربي الثقافي الأدبي والفكري.
الاختصاص في النحو واسلوبية القران الكريم الدكتور حسن العكيلي قال:" ان للفصحى واللهجات والعامية مستويات لغوية موجودة قديما وحديثا، كان القدماء افضل واحرص على العربية ومعالجة مشكلاتها مما نحن عليه الان، على المستوى الرسمي والعلمي والزهد فيها لدى المسؤولين اولا، وثمة مقياس معاصر يربط بين السيادة الوطنية والعناية الرسمية باللغة ناهيك عن عدم احترام الاختصاص والمختصين بالعربية والازدراء بهم احيانا.
واضاف" المدارس هي الاساس وهي البناء والغرس الذي نبني به ابنائنا فلا مناص من رصانته مدرسا منهجا علميا وتربية، والمدرسة ضمن المنظومة التعليم في العراق تحتاج الى اصلاح شامل.
واشار العكيلي الى "ان مواقع التواصل الاجتماعي هي اخطر وسيلة من وسائل التأثير بالمجتمع وتوجيهه وتعليمه، لاننا لم نوظفه في خدمة لغتنا، فمن خلال التواصل الاجتماعي انتشرت الفاظ وكتابات تدل على المستوى اللغوي المتدني والردئ لدى الغالبية العظمى من شرائح المجتمع ومنهم الطلبة والموظفين.
ضعف الاملاء ظاهرة مقلقة
تحسين صادق استاذ لغة عربية في احد المدارس الثانوية قال:"إن ضعف الطلبة في مادة الإملاء، أصبح ظاهرة مقلقة وهو جزء لا يتجزأ من ضعفهم الدراسي، بصورة عامة وهو لا يقتصر على مرحلة عمرية بعينها، بل أصبح سمة لأجيال بعضهم تخرج في الجامعة، لأن الطالب الذي لم يجد مع تقدمه في العمر من يُصحح أخطاءه، ستستمر معه هذه المشكلة وتشكل قاموسه اللغوي فيما بعد".
محمد جواد كاظم معلم لغة عربية للمرحلة الابتدائية بين "إن تدهور اللغة العربية سببه ضعف المناهج المدرسية التى بدورها تخرج أميين فى القراءة والكتابة باللغة العربية، والملام أولياء الأمور لعدم الاهتمام لنطق أبناءهم وينبهرون يتحدثه بلغات مزدوجة، وان حالة التغريب التي اصابت مجتمعاتنا العربية اضعف لغة الاجيال في التحدث والكتابة".
علي داوود معلم لغة عربية يرى ان الضعف في اللغة العربية سببه منافسة اللغات العامية للغة العربية الفصحى، لأن المستخدم يعتبر "العامية" أكثر تيسيرا للتعبير عن نفسه أو نشر أفكاره منها، مبينا ان تداول المفردات يرتكز فى الاساس على ما يتداوله الشخص يوميا باستخدام العامية.
وأضاف: إن من عدم استخدام الفصحى فى المجالات التقنية وركون المستخدم للمصطلحات الاجنبية، فمثلا اصبحنا نقول "تشييك" بدلا من "تدقيق"، "انشالله" بدلا من "ان شاء الله"، لسهولة الاستخدام من جهة ولأن المستخدم لم يجرب الفصحى، وكذلك عدم التفريق بين التاء المربوطة والهاء الضمير المتصل، اضافة الى كتابة النون بدل عن التنوين، وكتابة الحركات باحرفها وتعتبر هذه اخطاء كارثية بحق اللغة العربية اذ يجب ان تكون من بديهيات المتحدث بها والذي قضى اثنى عشرة عاما على الاقل يدرس القواعد العربية.
ويبدو مما تقدم ان القضية وطنية وتمس حضارة وعروبه البلد، لذا توجب السعي الجاد من اجل الخروج من متاهة التلاعب بالالفاظ واضعاف اللغة الام وتغييب مفرداتها الاصلية، وتبقى الحلول مرهونة باتباع اساليب حديثة لتقوية الفصحى لدى الدارسين وملاحقة اهل المعرفة الهفوات في النحو والصرف ومعالجتها، من خلال اقامة دورات للتدريسيين وتحديث الية التعليم، تفعيل دور المدارس وتعديل منهاج اللغة العربية وجعله اكثر قربا الى نفس الطالب، خصوصا ونحن نملك القواعد الذهبية للغة والاعجاز الالهي هو القران الكريم، واستثمار مواقع التواصل في نشر الاسس الصحيحة من خلال حملات توعية هادفة والنقد البناء ومراجعة طرائق التدريس في مستويات التعليم كافة.
اضف تعليق