الحرية مصطلح عميق يحمل في طياته الكثير من المفاهيم والتأويلات، وكل إنسان يحب أن يستثمر مبدأ الحرية للتعبير عن رغباته، وطريقة حياته المرجوة، وتلبية حاجاته الطبيعية، وتحقيق طموحاته وأحلامه، ومن هنا ننطلق لمعرفه المدى المفيد لاستقلاليه الشباب وتمتعهم بالحرية، مع أهمية تحديد كيفيه التطبيق والمقدار المناسب لهذه الحرية المعطاة لهم.
ومن الطبيعي أن يرغب الشباب بالاستقلال في شؤونهم الخاصة، ويعتبر ذلك من اقرب الطرق التي تؤكد حب الذات من الناحية الشخصية، فيشعر الشاب انه قد وصل إلى المرحلة التي تمكنه من الاعتماد على نفسه، وعدم الانقياد لرب أو ولي أمر الأسرة سواء كان الأب أو غيره.
لكن المتابع لشؤون الشباب سوف يلحظ الكثير من السلبيات التي قد يتسبب بها استقلالهم في السلوك أو اتخاذ القرارات، خصوصا إذا كان فضاء الحرية مفتوحاً لهم من دون تقييد، ويعود ذلك إلى التطبيق الخاطئ للحرية بسبب عدم فهمها وهضمها جيدا، ومن المظاهر التي يتسبب بها استقلالهم وتحررهم، هو الخروج على الآداب والعادات والتقاليد الموروثة من الأجيال السابقة، وعدم إطاعة الأوامر والنواهي الصادرة من الوالدين أو المربين.
مع تكرار محاولات الظهور بمظهر الكبار، واستخدام الخشونة والقوة للحصول على الرغبات والحاجات، وممارسة العناد تجاه الأشياء المختلف عليها، إلى غير ذلك من المظاهر التي تظهر بوضوح على المراهقين والشباب، للتعبير عن الرغبة في الاستقلال والتحرر من كل القيود والضوابط العائلية والاجتماعية.
وقد تكون الرغبة الموجودة في داخل الشباب للاستقلال وإعطائهم حرية كافيه، يكون لها فائدة تامة، لكن ذلك يعتمد على نوع الحرية المعطاة لهم، فإذا كان الشاب منطلقا من الحرية الموجهة وليس المطلقة، فإن ذلك يساهم في تحقيق التحرر والتخلص من القيود الخاطئة التي تحدد من تنمية الإبداع والابتكار عند الشباب الطموح، وتنمي لديهم البناء العلمي والثقافي والفكري.
كيف يفكر الشباب والمراهقون؟
كما أن الحرية في إطار الضوابط تساهم في تنمية القيم الإنسانية للشباب، أما إذا كانت الرغبة في التحرر والحرية بمعنى الإطلاق وعدم الانصياع للحدود التي تحفظ حريات الآخرين، فإن هذه الحرية المطلقة سوف تكون من دون أية قيود أو ضوابط، لذا لا شك أن مثل هذه الحرية لها مخاطر وآثار سلبية ستؤدي الى تدمير الأفراد والمجتمعات.
كثير من الشباب يفكرون في الخروج من نطاق الأسرة والبحث عن الاستقرار الشخصي أو الفردي، وذلك للتخلص من كثرة الصراعات بين الطرفين الأسرة والشباب، والابتعاد عن الأوامر والقوانين والالتزامات التي تحكم الشاب من قبل الأسرة، وكذلك لنيل الحرية المطلقة لتحقيق رغبات الشباب وأهدافهم، وقد يكون ذلك إيجابيا ويصب في صالح الفرد والمجتمع.
فقد يكون ذلك سببا بمساعدة الشاب للاعتماد على ذاته، ويساعد في تنمية الثقة بنفسه، وتوكيد شخصيته، وقد يكون سلبيا، فيما إذا أدى الى إصابة الشاب ببعض المظاهر المسيئة، ومنها على سبيل المثال الغرور والعجب الزائد بالذات، وعدم احترام الوالدين أو المربين والمعلمين، وعدم الاهتمام بالآخرين، والتمرد على القيم والضوابط الاجتماعية والأخلاقية.
حلول وأسباب هذه الظاهرة
ولصعوبة هذه الظاهرة ومدى تداولها بين أفراد المجتمع، وخصوصا الشباب منهم، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية)، بجولة استطلاعيه لمعرفه ما يدور بين الشباب حول هذه الظاهرة، وكيفية فهم أسبابها وطرح بعض الحلول الناجعة لها، وقد طرحنا بعض التساؤلات على الجهات والشخصيات المعنية، ومن يهمهم الأمر، وكذلك طرحناها على بعض المختصين بهذا الموضوع الذي يعنى بالشباب، وكان سؤالنا الأول:
مع انتشار وسائل المعلومات والتفكير ومنها شبكات التواصل الاجتماعي، هل تعد استقلالية التفكير لدى الشباب أمر ايجابيا أم سلبيا؟.
وقد أجابنا الشاب (عباس حسين) وهو طالب في كلية الهندسة قائلا: إن الشباب في هذه المرحلة يفكرون في الاستقلال، ليتمكنوا من بناء حياتهم، لكن هناك قيود وموانع كثيرة تقلل من عزمهم وتوجهم هذا، أما من ناحية نوع التفكير لدى الشباب فيما اذا كان ايجابيا أم سلبيا، فإن ذلك يعتمد على الظروف المحيطة بهم، وما احتوته أفكارهم من مشاكل وتجارب سابقه، فإذا كانت هذه الأفكار جيدة وايجابيه يكون أثرها إيجابيا على تفكيرهم، أما إذا كانت سلبيه فسوف تعكس أثرا سلبيا قد يقود الى عواقب غير جيدة، ويتأثر الشباب بمسببات كثيرة، منها التربية والبيئة وظروف الحياة القاسية التي يمرون بها، ونرى أن اغلب الشباب اليوم مستاءون ويشعرون باليأس، بالإضافة الى خوفهم من الحياة وما هو آتٍ في الأيام المقبلة، ويمكن للشباب التخلص من الأفكار السيئة، بالاستفادة من التجارب السابقة، وجعلها داعمة له لتحقيق لنجاح.
الحرية المفتوحة للشباب
سؤالنا الآخر: هل أنت مع حرية الشباب المقننة أم مع حرية الشباب المفتوحة؟.
فأجابنا الشاب (ولاء ظاهر)، خريج كلية الآداب جامعة بابل بما يلي:
يعتمد اختيار نوع الحرية على شخصية الشاب، وليس على الظروف المحيطة به، وأنا أفضل حرية الشباب أن تكون مفتوحة وبلا قيود، فالشاب يصل مرحلة يمكن يخطط لمستقبله وحده، لهذا ينبغي أن يكون حرا في اختياراته، لكن هناك شرط يجب توافره، وهو أن يكون الشاب قادرا على الاستقلال والقيام بالتصرفات الصحيحة.
ويكمل ولاء قوله: لقد عشت فترة دراستي في الجامعة بعيدا عن أسرتي، وكنت بحالة استقرار تامة، والآن اعتدتُ على الاستقلالية بعيدا عن أهلي، وعلى الرغم من السلبيات الكثيرة خاصة فيما يتعلق بالأعمال المنزلية، فإن حرية الشباب واستقلالهم تصقل شخصيتهم، وتزيد من الاعتماد على أنفسهم.
ويضيف قائلا: كل شاب يريد أن يبدأ حياته بحرية واستقلال، وخاصة في ظل المعاناة الدائمة، بما يحدث من صراع بين الأجيال، فلابد للأهل أن يتفهموا رغبات أولادهم، وأن يستوعبوا متطلباتهم، دون اللجوء إلى ترك منازلهم، ولكي يتمكنوا من معرفه الحياة، والتعلم من التجارب السابقة ليمضوا قدما نحوا مستقبل أفضل.
السؤال الثالث: لماذا يحدد الآباء حريات أبناءهم في السلوك والتصرف، هل هذا لصالحهم أم يقف في طريق تطورهم؟.
والتقيا الأستاذ أبو حسن (محمد حميد)، مدرس في أحدى المدارس في كربلاء المقدسة وولي أمر لأربعة شباب، فأطلعنا عن تجربته بهذا المجال: إن دور الآباء الرئيسي هو توفير عنصر الأمان والاطمئنان لأبنائهم، وتنمية ثقتهم في أنفسهم وتبصيرهم بنقاط الضعف والقوة، لذلك نرى الآباء يحددون الحرية للشباب لكي لا يقعوا في أفعال خاطئة، وأن يسيروا بالنهج الصحيح والفكر الذي يجعلهم منهم مفيدين بالمجتمع.
ويكمل الأستاذ (محمد حميد) قائلا: إن تحديد الحرية يكون لمصلحتهم، لان الشباب يكونون مندفعين، نحو تحقيق أهدافهم ولا يعلمون إن كان هدفهم صحيحا أم خاطئا.
سؤالنا الأخير: يشتكي بعض الشباب الطلاب من شدة تعامل بعض الأساتذة معهم، فهل الشدة صحيحة كمنهج تعليمي وتربوي أم لا؟.
أجابنا الأستاذ (جاسم محمد)، مدرس مادة الرياضيات في إحدى المدارس بالقول:
يجب علينا عدم التعميم في تعامل جميع الأساتذة على هذا النحو، وفيما يخص استخدام بعض القسوة مع الشباب فهذا أمر نراه صحيحا، لان اعطاء الحرية للشباب يدفعهم للقيام بأمور خاطئة، ومخالفة للقواعد العامة بسبب التفكير السلبي لدى البعض، أو حب الشاب في تجربه أمور جديدة، فيُجبر الأستاذ على التعامل معهم بشدة ليمنعهم عن هذه التصرفات والأفكار السلبية، وبرأيي يحتاج البعض من الشباب إلى هذا الأسلوب لإرشادهم والحد من تصرفاتهم، ويجب على الأساتذة معرفة كيفية التعامل مع البعض، لكي لا يؤثروا على حالتهم النفسية وتفكيرهم.
اضف تعليق