نقصد بالنموذج الغربي بالتحديد مجموعة الأفكار وأنماط السلوك المرتبطة بحضارة وثقافة الغرب، من حيث الشكل الخارجي بما في ذلك طبيعة الملبس وتسريحة الشعر والمأكل والسلوك، ويمكن معرفة ذلك بالمعايشة المباشرة، أو عن طريق الإطلاع عبر وسائل الإعلام وأهمها السوشال ميديا، بالإضافة الى ما تقدمه الأفلام الغربية عن عاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم.
وقد اثر هذا النموذج على مجتمعات عديدة تتوزع مناطق مختلفة من قارات العالم الخمس، ومنها من استفاد منه بايجابية، بحيث أصبح هذا النموذج ملهما له، ومفجرا للطاقات في هذه المجتمعات، في حين كان هذا النموذج نفسه مؤثرا سلبيا على بعض المجتمعات ومنها العربية والإسلامية، فقد سعى النموذج الغربي لاختراق ثقافة المسلمين والعرب، ومسخها، وتثبيت نموذج الثقافة الغربية كبديل يتحول مع مرور الوقت إلى عائق وسد منيع ضد تطور مجتمعاتنا.
وخلف النموذج الغربي تأثيرات في جوانب عديدة منها الأزمات الأخلاقية والتفكك الأسري، والشذوذ، والانحرافات الأخلاقية الفردية، كذلك قام النموذج الغربي بتشويه باقي ثقافات وحضارات الأمم المختلفة وإخراجها عن مسارها التاريخي، بدرجة متفاوتة، فهناك من الحضارات والثقافات من فقد أصول هويته، وبوصلة وجهته التاريخية، تحت تأثير النموذج الغربي.
وأكثر الفئات تأثرا بالنموذج الغربي هم فئة الشباب حيث تأثر الشباب بثقافات الغرب في جانبيّ المظهر (الشكل)، والجوهر (التفكير والسلوك)، لذلك نرى تغييرا طرأ على أخلاقياتهم وملبسهم، وتعلموا بعض العادات غير اللائقة وغير المناسبة لمجتمعاتنا، أما الكلام عن أسباب تأثير النموذج الغربي بهذه المجتمعات وخصوصا بعض الشباب، فإن تلك الأسباب تعود الى جملة من النواقص يمكن توضحيها بعجالة لضيق المجال.
أولا عدم توفر مؤسسات ومراكز ثقافية تقوم بتوعية الشباب لكي لا يتأثر بالنموذج الغربي في جانبه السلبي، مع التركيز على كيفية الاستفادة من الإيجابيات، وترك ما لا يتناسب مع أخلاقنا وثقافتنا وعاداتنا وسلوكنا، كذلك الجهات التشريعية والتنفيذية في دولنا أن تضع القوانين والضوابط التي تحد من هذه السلبيات.
كذلك عندما لا يجد الشباب فرص عمل وتوعية وأماكن ثقافية، فإنهم يتجهون نحو تقليد ما هو سلبي من الثقافات والأخلاقيات الوافدة، بمعنى أن الشباب لا يتحملوا وحدهم هذا النقص، نعم هم مطالبون بالوعي والتسلح بالثقافة الأصيلة والفكر القويم النابع من عمق ثقافتنا، لكن هناك جهات أخرى تقع عليها نسبة كبيرة من المسؤولية، ومنها الجهد الحكومي والمنظمات الثقافية وسواها.
النموذج الغربي وتأثيره المضاد
ونظرا لأهمية هذا الموضوع قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) بجولة استطلاعية وطرحت بعض التساؤلات حول هذا الموضوع على المختصين والمهتمين، وكان مضمون السؤال: (ما مدى تأثير النموذج الغربي على فئة الشباب؟.
أجابنا الدكتور (جاسم نوري/ علم نفس) بقولة: تعد أزمات النموذج الغربي من خصائص وجوده، بل هي من دوافع تطوره المستمر، وتقدمة المتصاعد، لأنها تمثل عمليات تصحيح مستمر بالنسبة للمجتمع الغربي نفسه، فالفلسفة والأفكار في الغرب وحتى العادات تتميز بالديناميكية والتغيير المستمر، فهذا النموذج يرفض التحجر على حال واحد ويسعى للتغيير المستمر.
وأكمل نوري قائلا: وهذا هو السبب أو الدافع الأهم في اندفاع بعض شبابنا نحو هذا النموذج، حيث يقوم بعض الشباب بتقليد النموذج الغربي لأنة يتغير بين الحين والآخر.
وفي الإطار نفسه التقينا بالباحث الاجتماعي (سلمان احمد) فأجابنا عن سؤالنا قائلا:
إن مجتمعاتنا لم تستطِع حتى اليوم أن تخرج من موقع القوة والثقة في الذات على النموذج الغربي، وتجربته وأن كل ما تعرفه عنه يأتي أما من ممثلين فاشلين لهذا النموذج، وأما من خلال من ناصبوا النموذج الغربي العداء كما في بعض ممثليه الذين لم يحترموا ثقافات المجتمعات، وتعالوا على الحضارات الأخرى.
والتقينا أيضا بفتاه تبلغ من العمر (20) سنة، وهي طالبة جامعية (سارة علي) اختصاص تربية انكليزي، فأجابتنا عن سؤالنا قائلة:
يرى الشباب ثقافات وتقاليد وعادات جديدة غير موجودة في مجتمعاتنا، وتكون ممنوعة عليهم،ولا يجوز لهم القيام بها لأنها تخالف ثقافاتنا وعاداتنا وربما مبادئنا الدينية التي نشأنا وترعرعنا فيها، ولكن بعض الشباب يرغبون بالممنوع، تبعا للقول المعروف، (كل ممنوع مرغوب)، كذلك يوجد لدى الشباب الحافز لمعرفة كل شي جديد وغير مطروق، لذلك يسعى بعضهم للقيام بتقليد النموذج الغربي في الملبس أو سواه.
وأجاب الصحفي (محمد الموسوي) عن السؤال نفسه بالقول:
إن بعض الشباب في مجتمعاتنا يقومون بتقليد الغرب من خلال الثياب والطعام واستخدام بعض الكلمات وطريقة لفظها، وهم يعتقدون أن القيام بمثل هذه الأمور يعد من متطلبات العصر، ويقع ضمن منطلق يمسى بالتحضر، وأسباب هذا التقليد هو وجود أوقات الفراغ القاتلة التي يقضيها الشباب في متابعة صيحات الموضة الغريبة.
أما (حسين عبد الله، 27 عاما) فأجابنا قائلا:
ربما يقوم بعض الشباب بتقليد الغرب لأنهم لا يشعرون أن هناك من يراقب أفعالهم هذه، لا من قبل المؤسسات المختصة ولا الرقابة الأسرية، كذلك غياب الوازع الديني وشعور الشباب باللامبالاة وغياب القدوة الحسنة والمثل الأعلى، كل هذه الأمور تجعل الشباب ميالا للشكل الغربي الفارغ، فيكون أسرع من غيره من حيث الوقوع تحت تأثير بعض العادات الغريبة السلبية.
كيف نحد من تقليد الشباب للنموذج الغربي
إن مهمة زرع الثقافة الأصيلة في نفوس الشباب وعقولهم تقع على عاتق المؤسسات الثقافية والدينية والإعلامية، وكذلك على الأسرة والحكومة، من خلال توفير فرص عمل لكي يفرغ الشباب طاقاتهم فيها، ولسد حاجاتهم المادية، ولابد من التأكيد الدائم على المخاطر الكبيرة التي تنتج عن تقليد النموذج الغربي السطحي، وأثرة النفسي والبدني على الشاب وعلى أسرته والمحيط من حوله.
كذلك لابد من تقوية الوازع الإيمان لدى الشباب وترسيخ مفهوم الحلال والحرام، وعمل ندوات إعلامية بهدف نشر الوعي بهذه الظاهرة، وإفهام الشباب بحسن استغلالهم لوقتهم، فالاستغلال الجيد للوقت خير معين على مواجهة هذا التقليد والانحرافات التي يسببها وقت الفراغ، وكذلك القيام برحلات ترفيهية وتعلميه مع الشباب بهدف تلبية حاجاتهم العقلية والمعرفية من جانب، ومن جانب آخر تقديم الخدمات الترفيهية لهم، ومهم جدا أن يتم فتح دورات تخصصية لتنمية مهاراتهم الإبداعية خلال الترفيه، وتوفير مراكز شبابية تهتم بالشباب كالمراكز الثقافية والأندية الرياضية، والاهتمام بالناحية التربوية التي تركز على زرع القيم والمبادئ الإنسانية التي تجعل من الشاب واثقا من نفسه ومن حاضره ومستقبله.
اضف تعليق