عمليات التجميل أخذت حيزا كبيرا في عالم اليوم، مع انه يرجع تاريخ جراحة التجميل الى الأطباء في الهند القديمة، وتحديدا الطبيب الهندي الكبير (سوسروثا (Susrutha الذي استخدم ترقيع الجلد في القرن الثامن قبل الميلاد، واستمر استخدام هذه التقنيات حتى أواخر القرن الثامن عشر وفقاً للتقارير المنشورة بمجلة )جنتلمن_Gentleman’s Magazine أكتوبر 1794)، ولكن في الآونة الأخيرة بات يتكلم الصغار والكبار عن عمليات التجميل، إذ يرغب حتى الشاب الذي لم يتجاوز عقده الثاني أن يصغر أنفه، وتلك الفتاة تتمنى أن تجري عملية لفكها لتبدو أجمل.. وأصبح ملايين الناس يخضعون لهذه العمليات سنوياً كي يصلوا إلى الشعور بالرضى والثقة بالنفس، ولكن ماذا لو لم تحقق عمليات التجميل تلك الأماني، وماذا لو يكون وقت الشعور بالرضا قصيرا جدا؟.
ونظرا لانتشار عمليات التجميل والهوس الاجتماعي المستغرَب بها، كان لـ (شبكة النبأ المعلوماتية) جولة استطلاعية في بعض الأوساط التي تهتم بعمليات التجميل، بالطبع نحن لا نعارض الاهتمام بالجمال لأن الله جميل ويحب الجمال، لكننا نتكلم عن الاهتمام الزائد بهذه العمليات واصطناع الحجج لإجرائها حتى لو كانت فائضة عن الحاجة، إضافة الى عدم الشعور بالرضا تجاه ما خلق الله، فلندع التشوهات جانبا ونهتم بالعمليات التي لا تغير من الواقع شيئا سوى القليل.
السخرية من أشد الأسباب صعوبة
تقول (سارة) إحدى اللواتي أجرين عملية جراحية في هذا المجال: أنا خضعت لعملية التجميل قبل أن أتجاوز عقدي الثاني لأن مظهر أنفي لم يعجبني وكنت مصدر سخرية واستهزاء الأقرباء في الجلسات العائلية، كنت اكره مظهري الى ان تخلصت من أنفي القديم وأنا أحب مظهري الجديد ولم اشعر بالندم في حينها، ولكن بعد ان أجريت عملية التجميل شعرت بالندم لأن الوجع كان يقتلني وتورم وجهي من شدة الألم، ولكن هذا الوضع لم يستمر كثيرا، فبعد أيام تغير كل شيء وفرحت جدا برؤية منظري الجديد.
وأما (صالح حسين) وهو رجل ثلاثيني خضع لعملية تصغير المعدة كي يتخلص من وزنه الزائد ويصبح رشيقا، لكنه يقول: مثل أي عمليّة جراحيّة طبيّة قد تُسبب عمليّات التجميل بعض المخاطر المحتملة، والتي تتراوح من المخاطر البسيطة إلى المعقّدة وتحتاج معظم عمليّات التجميل وخاصةً المعقدة منها لوقت طويل للتعافي كعمليتي التي كانت التكلفة المادية لها باهظة جدا، وبعد مرور شهور عديدة من الآلام المستعرة، عدت الى حياتي السابق وتعافيت من الألم لأنه لم يكن باستطاعتي حتى الضحك حيث أن موضع العملية كان يؤلمني، ولم يكن باستطاعتي أن أتناول أي شيء سوى السوائل وأصبحت أعاني من الضعف التام وأُصاب بالغيبوبة، ولكن بعد أن دفعت مبلغ عشرة آلاف دولار تقريبا كمقابل لهذه العملية وبعد مرور ثلاث سنوات عاد وزني كما كان، وبقيت هناك آثار جروح على بطني وأصبحت شبه مشوه.
وقالت إحدى النساء (وقد فضلت عدم ذكر اسمها) رأيها عن "عملية التجميل" وهو رأي مثير للدهشة، حيث قالت: لقد ولدت وهناك تشوه في فكّي وعند مرحلة البلوغ أصبح الفك واضحا بشكل بارز، ومن المؤكد ان هناك كثير من الأطفال استغلوا هذه الفرصة لإبراز هذا العيب الخلقي وواصلوا السخرية مني، عانيت من تلك التصرفات التي كانت تنال مني كليا وتشعرني بحالة الانكسار، شعرتُ بيني وبين نفسي كأنني أحد الوحوش الضخمة، وكان عليَّ أن انتظر لأصبح أكبر سنا وأكون بالغة قبل ان ابدأ بإصلاح الفك وكنت دائما اردد لنفسي بمجرد ان اعمل تلك العملية سوف أكون سعيدة وجميلة، وحين تم إجراء تلك العملية وتجاوزتها كنت سعيدة لفترة قصيرة، وما ان تلاشى الحماس اتضح لي أنني رجعت مثلما كنت، وظهرتُ بشكلي الأول نفسه ولازلت احمل نفس المشاعر تجاه ذاتي، لقد كلفني الأمر أكثر من عشر سنوات من المجهود الشاق حتى أغيّر من النظرة التي انظر بها الى نفسي، حيث كنت اظهر بأنف معوج وفيه انعطاف وهناك نمش ينتشر في وجهي فوق أرنبة الأنف، وأكياس أسفل عيني وتوجد بقعة سوداء في جلدي، وظهرت زيادة بالوزن في جسدي أكثر مما أود، ولكن كل هذه التفاصيل استغرقت مني وقتا طويلا حتى أتعلم أن أحب نفسي كما أنا.
دوافع الاضطرابات النفسية
وأما رأي أخصائية "علم النفس" الأستاذة (فدك صدقيان) فقد كان كالتالي:
يلجأ كثير من الناس الى عمليات التجميل كي يكسب رضا الآخرين وودهم، هذا لا يعني ان جميع من يرغبون في عمليات التجميل يعانون من اضطرابات نفسية، ولكن هناك فئة من الناس تعاني من عدم الرضا وبنفسه وتظن انها قبيحة المنظر لذلك تبحث عن أي شيء لمعالجة هذا النقص، أو أي عمل يجعلها أجمل من قبل الآخرين، أو يخفي عيوبها، هناك فئة يطلق عليهم طبياً مُصابون بحالة "إدمان الجراحات التجميلية" plastic surgery addiction.
ومن مجموعة هؤلاء المدمنين على العمليات التجميلية فئة تُعتبر من المُعانين من إحدى حالات الاضطرابات النفسية لفصيلة الوسواس القهري، وهي الحالة النفسية التي تُدعى، ما يُمكن ترجمته، "اضطراب اعتقاد أن شكل الجسم غير سوي" Body dysmorphic disorder. هؤلاء يمتلكون ظاهرا طبيعيا جداً ولا يوجد في اجسادهم عيوب كبيرة ولكن يعتقدون بأنهم مشوهون ودائما يخفون تلك المنطقة عن الاخرين.
يقول الباحثون ومنهم (مايو كلينك) إن بعض المُصابين بهذه الحالة النفسية يعمدون إلى الإصرار بعناد على الطلب المكثف للعناية والإجراءات الطبية التجميلية التي لا داعي لها، وغالباً لا تحقق تلك العمليات لهم رضا نفسيا، بل ربما تجعل حالهم أسوأ. ويستطرد بالقول إن هذه العمليات والمعالجات تحمل بذاتها مخاطر المضاعفات المهمة كالالتهابات والوفيات. والشخص المُصاب بهذه الحالة لا يُقيم عادة وزناً أو أهمية لاحتمالات حصول مضاعفات خطيرة على صحته في سبيل إجراء تعديلات على شكله.
لذا فإن هوس عمليات التجميل قد جعل المهتمين به يعيشون بين الوهم والحقيقة وفي بعض الاحيان باتت هذه الحالة تدفع الانسان الى حالة من التيه والضياع، لذلك فعالم اليوم يحتاج الى أناس ودودين يبنون بعضهم البعض بأجمل ما يمكن، بدلا من الناس الذين يحفرون الحفر لبعضهم البعض ويستهزئون ببعضهم البعض! ولدنا لنضحك معا وليس لنضحك على بعضنا البعض.
كما قال بعضهم: العالم يحتاج الى كثير من الرجال الذين يدعمون النساء من خلال التصالح مع حقيقتهم وبالعكس... والعالم يحتاج الى أناس يحتفون بأجسادهم تماما بالطريقة التي خلقها الله ....بعيدا عن التشوهات الفكرية.
اضف تعليق