بعد أن شغل تفكير والديه كثيراً، قرر الطفل مرتضى في إحدى الليالي الأكثر طمأنينة وسلاماً والتي أمضاها في حضنِ أمهِ أن يعترف لها وهي تمطره بالقبل وتسأله عن سبب كآبته وحزنه منذ يومين، فردّ عليها بصوتٍ هادئٍ متلعثم ومليء بالعفوية والصدق: لماذا يتشاجر توم وجيري دائما!؟.
ربما استطاع مرتضى أن يعبر عن حزنه وتساؤلاته، لتسعفه والدته بكلامٍ يتناسب مع عقله ليتفهم الأمر ويدركه شيئاً فشيئاً، وهو أن ليس كل ما يشاهدهُ على التلفاز واقعٌ وانّ اغلبهُ من الخيال، لكن هنالك الكثير من الأطفال غير مرتضى لم يستطيعوا ان يعبروا عن مدى تأثرهم وحزنهم مما يشاهدونه، يمنعهم صغر سنهم وعدم إدراكهم او انشغال الأهل عنهم، فتترك في عقولهم عدة تساؤلات وعلامات استفهام لتتحول الى افكار واعتقادات ومفاهيم سلبية تظهر على سلوكهم دون ان يشعروا بها او يعرف ذووهم تفسيرها.
شخصية السوبر مان
ولكي نلقي الضوء على هذا العالم الطفولي الغامض استطلعت (شبكة النبأ المعلوماتية) آراء بعض الأمهات حول هذا الموضوع والطريقة التي عالجنّ بها هذه المشكلة.
بدأنا مع (ام كيان) التي قالت: أفلام الرسوم المتحركة والألعاب التي ترد إلينا تأتي من مجتمعات وثقافات مختلفة ومنها مغايرة عن ديننا وتقاليدنا وكذلك هناك احداث ومشاهد هدّامة لنفسية الطفل فيكون الغرض منها الربح والتسويق فقط دون مراعاة الاخلاق والسلبيات الناتجة عنها، مثل الشخصية الكارتونية التي ارادت ان تصنع لعبة فسرقت من غرفة اخيها اشياء ومن مكتب والدها لتقوم بصنع لعبة لها وبهذا يطبقون المقولة (الغاية تبرر الوسيلة) وهذا يشجع ويدفع الاطفال لا ارادياً لفعل أي شيء في سبيل تحقيق غاياته وهذه افكار ومفاهيم خطيرة اذا زُرعت في عقلية الطفل واقتنع بها خصوصاً ان هناك تعلّقا وحبا كبيرا يتكون بين الطفل وبعض الشخصيات الكارتونية ومحاولة تقليدهم!!، وقتها سيقوم الطفل بنفس ما فعله بطله، فهو غير مدرك انها شخصيات خيالية، لذلك انا دائما افهمه المقصد الصحيح من وراء هذه الافعال.
بينما روت ام حسن قصتها الغريبة لنا فقالت: لم اكن اتوقع يوماً ان افلام الكارتون لها تأثير بهذا الشكل على ابني، فقد كان يتكلم اللغة الفصحى، ويقلد بعض حركات الشخصيات الكارتونية ووجدته أمراً لا مشكلة فيه، لكننّي أٌصبت بالدهشة وأرتفع ضغطي من شدة الصدمة حين اخبرني ابني الكبير كيف وقف اخوه الاصغر (حسن) في أول يوم له في المدرسة وسط الشارع وامام السيارة المسرعة القادمة نحوه وحين صاح به اخوه خائفاً محذرا، أجابه بكل قناعة (خليها ادوسني آني سوبر مان ما راح اموت)، ومنذ ذلك اليوم وانا اتخذ كل الاجراءات الوقائية عن مضار التلفاز، فقد منعته من بعض المسلسلات وكذلك بدأت انبههُ واصحح له معلوماته حول الشخصيات الكارتونية خشيةً وخوفاً من ان يقلدها وأضع يدي على قلبي واحمدُ الله كثيراً كلما تذكرت ذلك الموقف وان ولدي لم تدهسه السيارة.
أما (ام محمد) فقد قالت في رأيها وجوابها: انا اراقب كل ما يشاهده ابني من مسلسلات كارتونية واصحح له المعلومات والمفاهيم المغلوطة التي يبثونها في قصص افلام الرسوم المتحركة مثل الابطال الخارقين الذين يأتون من السماء لينقذوا العالم كــ (سوبر مان) وهذا يتعاكس تماما مع كلامي له عن قدرة الله وخلقه والتركيبة البشرية وكيف خلق الله ادم وحواء، لذلك اقول له دائما ان الله وحده القادر على فعل كل شيء، وهذه مجرد تسلية وترفيه وليست لها أية صلة بالواقع.
أو المسلسل الكارتوني الشهير (كامبل) فليس فقط احداث المسلسل وحواراته وافكاره تثير الريبة، وانما تكوين الاسرة الغريب ولا اعرف ما هو الهدف من ورائها!!، فالأم قطة والأب ارنب والابن الاكبر قط والاولاد الآخرون ارانب، فهذه التركيبة الغريبة للشخصيات تشوش افكار الطفل ولا يستطيع ان يبني ثوابت عقلانية يؤمن بها كونها تعاكس المنطق والواقع الذي يعرفه الطفل.. وأضافت قائلة: على الام متابعة ما يشاهده ابناؤها وتصحح المعلومات والمفاهيم والتأكيد عليهم دائما، بأن ما يشاهدونه مجرد ترفيه ليس إلاّ وهذه افضل وسيلة لجعل الطفل لا يتأثر بما يشاهده.
العنف بين توم وجيري
في حين أن أم مهيمن لها رأي مختلف، قالت فيه: أنا امنع طفلي الصغير من مشاهدة أفلام كارتون التي لا يوجد فيها عبرة او غاية واضحة وهادفة او لا تتلاءم مع تقاليدنا ومعتقداتنا اما عن افلام كارتون (توم وجيري) فهي تقول: لقد منعته عنها تماماً لما فيها من مشاهد عنف وقسوة فوجدتها قد تربك أفكار ابني ولا يستطيع تفسيرها، ربما اتركه يشاهدها بعد بلوغه السن الذي أجده فيه قادرا على أن يميز بين الخطأ والصواب والواقع والخيال.
أم رضا لها رأيٌ شاركتنا به حيث قالت: هناك علامات وحركات (ماسونية) موجودة في المسلسلات الكارتونية مثل (فتيات القوة) و(سامبا) وغيرها، كذلك يوجد لقطات نستطيع ان نسميها إباحية مثل (الأحضان والقبلات) في بعض المشاهد ولهذا انا حريصة على متابعة المسلسلات الكارتونية مع أولادي كلما سنحت لي الفرصة وأصحح لهم بعض المشاهد التي ربما يفهمونها بالخطأ فتترك انطباعا سيئا في شخصيتهم ومنعهم من الأفلام التي اجدها توحي بأفكار واخلاق تتعاكس مع تقاليدنا وتعاليم الدين الإسلامي.
من جهتها وصفت ام علياء حالة ابنتها حين قالت: لقد قرأتُ منذُ زمنٍ ان الأمريكان يسمون التلفاز بـ (صندوق الغباء) كذلك رغم انهم دولة صانعة للأفلام الكارتونية إلاّ انهم يحددون ساعات قليلة لأولادهم في مشاهدة التلفاز وصلت الى ساعتين في الأسبوع والتي يعتبرونها الساعات الصحية والمفيدة، لكنّي لم اقتنع بهذا الكلام وبالتالي لم أطبقه على صغيرتي فقد تركتها تجلس أمام التلفاز لساعات طويلة فيما انا أقوم بأعمال المنزل لكني انتبهت أنها أصبحت كسولة وخاملة وبدأ يزداد وزنها وقليلة الكلام، بعد ذلك أول شيء فعلته هو تقليل ساعات المشاهدة كما شجعتها لمساعدتي في الأعمال المنزلية وفتح حوارات معها وتركها تعبر عن ما يجول بخاطرها.
ختاما، إن من حق أطفالنا علينا أن يترعرعوا في بيئةٍ صحية وسليمة والمحافظة على عقولهم من التشويش والإرباك الذهني الذي تنتجه المشاهد والأفكار الهدامة الموجودة في برامج القنوات الفضائية، وأول شيء ينصح به خبراء التربية، اختيار القنوات الفضائية المراعية للضوابط الأخلاقية التي تتوافق مع تقاليدنا وتوجهاتنا الدينية والأخلاقية .
ثانيا: تنقية المعلومات التي ترد اليهم وتنمية المفاهيم والقيم الأخلاقية وغرس حب الله وروح التعاون فيهم
ثالثا: تحديد ساعات المشاهدة والطلب من الأولاد منذ الصغر إطفاء جهاز التلفاز بعد انتهاء برامجهم ليتعلموا الانضباط الذاتي والتحكم بأهوائهم ولا يكونوا مأسورين له.
اضف تعليق