لم تكتف مواقع التواصل الاجتماعي بالتأثير على علاقاتنا الاسرية والاجتماعية بل وصل التأثير الى العادات والسلوكيات المتعلقة بعاداتنا الغذائية وأسلوب الطعام وكيفية تحضيره، الامر الذي يؤكد الأدوار المهمة والمؤثرة لهذه المواقع وإعادة تشكيل وصياغة حياة جديدة للأفراد المستخدمين لها...

لم تكتف مواقع التواصل الاجتماعي بالتأثير على علاقاتنا الاسرية والاجتماعية بل وصل التأثير الى العادات والسلوكيات المتعلقة بعاداتنا الغذائية وأسلوب الطعام وكيفية تحضيره، الامر الذي يؤكد الأدوار المهمة والمؤثرة لهذه المواقع وإعادة تشكيل وصياغة حياة جديدة للأفراد المستخدمين لها.

ومن مظاهر التأثير التي طرأت على حياة المجتمعات هو الإقبال الكبير على الاكلات الغربية من قبل الاسر من خلال طلبها في المطاعم او تحضيرها في المنازل، ويعود السبب الى كثرة متابعة ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من أنماط معيشية للمجتمعات الاخرى.

تنقل لنا مواقع التواصل الاجتماعي مظاهر الحياة في دول تختلف عن مجتمعاتنا على جميع المستويات، اذ تصور لنا التفضيلات العائلية بالنسبة لتلك المجتمعات، في محاولة لإشاعة تلك الأنماط في الأوساط الاجتماعية العربية، وقد نجحت في تحقيق جزء كبير من اغراضها.

ومن بين الأغراض الأساسية لهذا العرض (استعراض حياة المجتمعات الأخرى)، دفع الافراد الى اتباع أساليب معينة قد يكونوا مجبرين عليها، كما تحتم عليهم لبس أزياء وملابس مخالفة لموروثنا وعاداتنا القديمة، لكننا سرنا مع الركب الاجتماعي مجبرين.

وفي هذا الإطار، شهدت عادات الأكل والأنماط الاستهلاكية المرتبطة بها، لدى العراقيين على سبيل المثال، تحولات نوعية واضحة في أسلوبها وطريقتها، وذلك بسبب التأثيرات الجذرية للمنصات الرقمية، وخصوصاً منصة تيك توك، التي أصبحت محركاً سلوكياً فاعلاً لآلاف الناس، فيما يتعلق بالتخطيط لنوعية الوجبات الغذائية، وكيفية تناولها، واختيار الصحي منها، اذ وضعت اغلب الاسر خلف ظهرها الطرق التقليدية لاكتشاف الوجبات المتمثلة بالبرامج التلفزيونية وكتب الطبخ.

ولا يقتصر تأثير مواقع التواصل الاجتماعي من ناحية العادات الغذائية على المجتمعات العربية، ووفقاً لدراسة حديثة أجريت في بريطانيا بمشاركة 2000 شخص، تبيّن أن 49 بالمئة من البريطانيين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي لاكتشاف الوصفات الجديدة للطعام.

ولا يقتصر هذا التأثير على توصيات الطعام فحسب، بل امتد إلى ارتفاع مبيعات الأطعمة، إذ أدت منصات التواصل الاجتماعي إلى زيادات ملحوظة في مبيعات بعض المنتجات والوصفات الغذائية، حيث تشير الدراسة إلى أن مبيعات الخيار ارتفعت بنسبة 100 بالمئة، والطماطم بنسبة 103 بالمئة بسبب وصفات غذائية مثل "سلطة الخيار" و"خبز الطماطم المجمد" التي انتشرت في الفترات الاخيرة، وجذبت ملايين المشاهدات، ودَفَعَت المستخدمين إلى تجربتها في مطابخهم.

ولم يقف دور الشبكات الاجتماعية عند هذا الحد، بل استطاع المؤثرين على هذه المواقع ان يساهموا في تشكيل خيارات غذائية جديدة للمستخدمين، اذ بينت الدراسة أن 55 بالمئة من البريطانيين يشترون منتجات معينة شاهدوها في مقاطع المؤثرين ومنشوراتهم على المنصات.

وقد تجسدت التأثيرات لمواقع التواصل على الافراد بتفضيل نوع الوجبات التي يتناولونها، اذ أصبح هناك ميل لتناول وجبات صغيرة بجودة أعلى بدلاً من الوجبات الكبيرة السابقة، وهو توجه يمكن اعتباره مفيداً للبيئة والاستدامة، ويجسد وعياً كبيراً بأهمية المحافظة على الغذاء والتقليل من الهدر الذي كنا نشهده في السنوات الماضية في بعض الدول.

إن هذا الارتباط الواضح بين السلوك الغذائي للمستخدم وتأثير المنصات الرقمية بمختلف أنواعها عليه، يعكس مدى عمق تأثير التكنولوجيا وتدخلها في قرارات الإنسان اليومية حول مختلف احتياجاته، ويجسد في الوقت نفسه، قدرة الشبكات الاجتماعية ونجاحها في دفع الفرد لخيارات غذائية ربما تختلف الى حد ما عما كان عليه في السابق.

اضف تعليق