أصابع الاتهام في حادث انفجار الأجهزة اللاسلكية إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد، وإن هذا الانفجار يحمل كل السمات المميزة لعمليات الموساد، لقد زرع شخص ما متفجرات صغيرة أو برامج ضارة في داخل أجهزة النداء، وعلمتُ أيضاً أنها تم توريدها مؤخرا...

"البيجر" هو جهاز اتصال إلكتروني لا سلكي صغير ومحمول، اخترعه المهندس الكندي ألفريد غروس عام 1949، ويُسمى أيضا جهاز النداء اللاسلكي، يمكن استخدامه للتواصل داخل المؤسسات أو ضمن مجموعات ومنظومات مختلفة، ويعمل ببطاريات قابلة للشحن، ويستقبل رسائل مكتوبة واتصالات وإشارات صوتية وضوئية.

استخدامات البيجر

تُستخدم أجهزة البيجر -وتُسمى أيضا أجهزة البليب- للتواصل مع الزبائن في المطاعم والمقاهي، أو في المستشفيات والمراكز التجارية الكبيرة، أو في كل مؤسسة تريد تسيير منظومة جماعية والتواصل معها بسهولة، وكانت تُستخدم أيضا في التواصل بين الأشخاص قبل ظهور الهواتف المحمولة.

وتعمل أجهزة البيجر ببطاريات الليثيوم -التي قد تعمل أياما متواصلة- وقد تم تطوير النسخ الأولى من هذه الأجهزة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وشاع استخدامها مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن نفسه قبل انتشار الهواتف المحمولة.

وفي الأصل كانت منظومة أجهزة البيجر تعمل عبر موجات اتصال لاسلكي، يتم إرسالها من هوائيات متخصصة، ومع التطور التكنولوجي بدأت تستوعب تقنيات التواصل المتطورة مثل التطبيقات الذكية وتقنيتي البلوتوث والواي فاي.

جهاز استقبال موجات راديو

يعمل جهاز البيجر باستقبال موجات وإشارات من جهاز إرسال، يحولها إلى رموز مكتوبة أو صوتية أو حركات اهتزاز، تخبر حامل الجهاز بأن رسالة وصلته.

وبلغ عدد مستخدمي البيجر في أواسط تسعينيات القرن العشرين أكثر من 61 مليون شخص حول العالم، وتراجع هذا العدد إلى نحو 6 ملايين شخص عام 2016.

كانت المؤسسات الصحية في الولايات المتحدة الأميركية من أوائل مستخدمي هذه الأجهزة في خمسينيات القرن العشرين، وفي الستينيات تم تطويرها للاستخدام في مجالات أخرى، بما فيها الاستخدام في الاتصالات الشخصية.

جهاز أكثر أمانا

ويستخدمه الأطباء وموظفو المستشفيات في التواصل بينهم، واستدعاء بعضهم البعض بدون ضجيج وبطريقة تحافظ على الهدوء اللازم لبيئة رعاية المرضى، وأيضا تفاديا لذبذبات الهواتف المحمولة وتأثيرها على المرضى وعلى الأجهزة الطبية.

أما المطاعم فتجد هي الأخرى في أجهزة البيجر وسيلة فعالة في تنظيم عملها، لأنها تمكنها من التواصل السريع بين الموظفين في سلاسل العمل المختلفة لديها، وتسهّل أيضا تنظيم استقبال وتوزيع طلبات الزبائن.

ومما تتميز به أجهزة البيجر -إضافة إلى أسعارها الرخيصة- أن لها شبكة اتصال خاصة، كما أنها قوية ومصممة لمواجهة الظروف القاسية والاستعمالات المتكررة والاستخدام طويل الأمد.

وهذه الأجهزة كذلك صعبة الاختراق لأنها في الغالب لا تكون موصولة بشبكة الإنترنت، وتعمل بتقنية أمواج الراديو اللاسلكية على ترددات محددة وبرموز خاصة، وذلك هو ما يفسر استخدام حزب الله اللبناني إياها للتواصل بين أعضائه.

تفجير جماعي لأجهزة حزب الله

في يوم 17 سبتمبر/أيلول 2024 أعلن حزب الله أن المئات من مقاتليه وآخرين من المواطنين اللبنانيين أصيبوا بجراح متفاوتة الخطورة بعد انفجار أجهزة "بيجر" كانوا يحملونها، واتهم إسرائيل بالوقوف وراء هذه التفجيرات.

ووقعت هذه التفجيرات في مناطق عديدة في لبنان بينها الضاحية الجنوبية لبيروت ومدن البقاع والنبطية والحوش وبنت جبيل وصور وطرابلس وبعلبك وغيرها.

وبدوره، قال وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض إن 9 أشخاص قُتلوا وأُصيب نحو 2750 بانفجار أجهزة الاتصالات المذكورة، مضيفا أن أكثر من مئتين من الجرحى حالتهم حرجة، وكشف أن معظم الإصابات كانت في الوجه واليدين وفي منطقة البطن.

وفي السياق ذاته، أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن أجهزة الاستدعاء "بيجر"، التي يحملها المئات من عناصر حزب الله وانفجرت بشكل غير متوقع كانت من شحنة جديدة تلقاها الحزب في الأيام الأخيرة.

وقال مسؤول في حزب الله إن مئات المقاتلين لديهم مثل هذه الأجهزة، وتكهن بأن برامج ضارة ربما تسببت في تسخين الأجهزة وانفجارها، وأضاف أن بعض الناس شعروا بأن هذه الأجهزة تسخن، ولذلك تخلصوا منها قبل أن تنفجر.

كما نقلت وكالة الأناضول عن الخبير اللبناني في الاتصالات هشام جابر قوله إن عملية تفجير أجهزة "البيجر" تقنية رفيعة جدا لا تستطيع إسرائيل إجراءها وحدها، وإنما بمساعدة حلفاء. بحسب موقع “الجزيرة نت”.

شركة غولد أبولو

أكدت شركة "غولد أبولو" التايوانية أنها سمحت بظهور علامتها التجارية على أجهزة بيجر التي انفجرت في لبنان وسوريا، ولكنها كانت من صنع شركة مقرها في عاصمة هنغاريا بودابست.

وقالت الشركة إن أجهزة النداء "أيه آر-924 بيجرز" التي يستخدمها "حزب الله" تم إنتاجها وبيعها من قبل شركة "باك" التي تم تفويضها لاستخدام العلامة التجارية لشركة "غولد أبولو" في بعض المناطق.

وأضافت: "تم تصنيع أجهزة النداء من قبل شركة "باك كونسلتينغ كيه إف تي"، ومقرها بودابست".

وجاء في البيان : " وفقا لاتفاقية التعاون، فإننا نسمح لشركة "باك" باستخدام علامتنا التجارية لبيع المنتجات في مناطق محدّدة، ولكن تصميم وتصنيع المنتجات هي مسؤولية باك وحدها".

ويعتقد خبراء أن المواد المتفجرة تم وضعها في أجهزة البيجرز قبل تسليمها واستخدامها في عملية تسلّل متطورة لسلسلة التوريد.

من جهته، قال رئيس شركة "غولد أبولو"، شو تشينغ كوانغ، للصحفيين الأربعاء إن شركته لديها اتفاقية ترخيص مع "باك" على مدى السنوات الثلاث الماضية.

وأضاف "لقد تعاونت هذه الشركة معنا وتمثل العديد من منتجاتنا.. أرادوا أيضا صنع أجهزة النداء الآلي وسألوني عما إذا كان بإمكانهم استخدام اسم علامتنا التجارية"، مشيرا إلى أن المنتجات المتورطة في الانفجار صممتها شركة باك.

هذا ولم يكشف شو وممثلو "غولد أبولو" الآخرون عن مزيد من التفاصيل حول "باك" ولم يقدموا أي دليل على الاتفاق. وعندما تم الضغط عليهم للحصول على معلومات حول "باك"، التزم شو الصمت وغادر. وفق ما نقله موقع “RT”.

الموساد

ويوجه يوسي ميلمان، أحد مؤلفي كتاب "جواسيس ضد الكارثة" أصابع الاتهام في حادث انفجار الأجهزة اللاسلكية إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد".

وقال الكاتب الذي قدم مؤلفات أخرى تتحدث عن الاستخبارات الإسرائيلية، "إن هذا الانفجار يحمل كل السمات المميزة لعمليات الموساد، لقد زرع شخص ما متفجرات صغيرة أو برامج ضارة في داخل أجهزة النداء، وعلمتُ أيضاً أنها تم توريدها مؤخرا".

وأضاف ميلمان لصحيفة الغارديان البريطانية أنه يدرك أن "الكثير من الأعضاء في حزب الله يحملون أجهزة النداء هذه، وليس كبار القادة فحسب".

وأشار إلى أن حزب الله استخدموا الأجهزة اللاسلكية خشية أن تكون هواتفهم المحمولة خاضعة لمراقبة الاستخبارات الإسرائيلية لمراقبة اتصالاتهم وتحديد الهجمات الصاروخية.

وأوضح أن الحادث أظهر أن "الموساد قادر على اختراق حزب الله مراراً وتكراراً"، لكنه شكك في الجدوى الاستراتيجية للانفجارات المنسقة، قائلاً: "لن يغير ذلك الوضع على الأرض، ولا أرى أي تقدم فيه".

وقال موقع أكسيوس الأمريكي إن مساعداً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نشر تغريدة على إكس، تويتر سابقاً، ثم حذفها، تلمح إلى مسؤولية إسرائيل عن العملية، قبل أن يحذر مكتب نتنياهو وزراء الحكومة من التحدث علناً عن الوضع في الوقت الحالي.

الأجهزة اللاسلكية "غير آمنة"

ووصف اللواء محمد نور، الخبير الأمني المصري، "الحادث السيبراني" على أنه "صنيعة المخابرات"، موجهاً أصابع الاتهام إلى الدولة المنتجة للأجهزة اللاسلكية، التي وصفها بأنها "غير آمنة" على الإطلاق.

وأشار في حديثه لبي بي سي أنه خلال عمله في وزارة الداخلية المصرية سابقاً، كانت هناك تعليمات باستخدام الهواتف الأرضية للإبلاغ عن الحوادث الإرهابية والطائفية بدلاً من الأجهزة اللاسكية.

وأضاف أن ذلك حدث بعد استياء من وصول الأخبار الخاصة بالعمليات الإرهابية إلى الوكالات العالمية قبل وصولها إلى المسؤولين في مصر، ومع الالتزام بالتعليمات الجديدة وتجنب استخدام الأجهزة اللاسلكية، بات من الصعب وصولها إلى الوكالات قبل المسؤولين.

ويعلق مستشار شؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عامر الطبش على استهداف أجهزة الـ"بيجر" بأنه "لا يوجد بديل" للتواصل الآمن حالياً.

وقال الطبش إن هذه هي الرسالة التي رغبت إسرائيل في إيصالها إلى حزب الله، بعد أن حرمتهم من خصوصية "الهواتف الأرضية والشبكات الخاصة بهم والهواتف الخلوية والذكية والووكي تووكي [اللاسلكي]"، مضيفاً أنه لم يبق لهم إلا هذه الأجهزة التي بات بإمكان إسرائيل اختراقها.

وقد حمل حزب الله والحكومة اللبنانية إسرائيل "المسؤولية الكاملة" عن الهجوم، في حين لم تعلّق إسرائيل حتى الآن على الحادثة بشكل رسمي. بحسب موقع “BBC”.

اضف تعليق