إن الأمر المطلوب والمُلح في هذه المرحلة، التي نتفق على أهميتها وخطورتها، هو المراجعة الشاملة وباستمرار لمنظومة التربية والتعليم ورصدها، ومحاولة التأثر الإيجابي فيها بعمق، وأبعادها عن التأثيرات الفكرية والأيديولوجية المنحرفة، وان توضع الآليات والخطط الواضحة للنهوض مجدداً بهذا المرفق الحيوي...
تحتل التربية كمفهوم اهتمام مختلف الباحثين والدارسين في العلوم التربوية والاجتماعية والنفسية، ومَرد هذا الإهتمام يعود الى علاقة التربية بعملية بناء الإنسان، والكيفية التي يتم بموجبها تكيف هذا الإنسان مع بيئته. والتربية بهذا المعنى هي عملية نمو الفرد نمواً تدريجياً في جسمة وعقله وأخلاقة، وتتضمن مجموعة من الإجراءات المتداخلة، تهدف بالنتيجة الى تحقيق أهداف وغايات تربوية واجتماعية واقتصادية. وعادةً ما تنبثق السياسة التربوية والتعليمية لأي مجتمعٍ من فلسفة العصر التي تعيش فيه، على اعتبارها جزءا من أهداف هذا المجتمع، وهي وسيلة وأداة فعالة لتحقيق أهداف أي مجتمع يسعى الى بلوغ مراحل متقدمة من التنمية والتطور.
ان الحديث عن النظام التربوي والتعليمي في العراق، حديث ذو شجون، لارتباط هذه الحقل الحيوي بالتأثيرات الفكرية والأيديولوجية، وبعض التوجهات السياسية، والتي كانت تهدف الى تكريس النظام التربوي من أجل تحقيق غايات محددة، وكان ذلك على حساب المنهج العلمي والطرح الموضوعي الذي يجب توفره في المنهج الدراسي.
وقد بلغ هذا الأمر ذروته خلال العقود الأخيرة، عندما كانت الديكتاتورية تتبني مشروعا يهدف الى أدلجة النظام التربوي والتعليمي بكل توجهاته ومعطياته التربوية والتعليمية.
ويمكن تلمس ذلك من خلال تصفح المناهج الدراسية، ولا سيما الأنسانية منها، والتي كان لسياسة التبعيث والعسكرة أثرٌ واضحٌ وجلي بين صفحات تلك المناهج، ولجميع المراحل الدراسية.
ومن المعروف ان أمر وضع المناهج الدراسية، ومنذ تأسيس الدولة العراقية في مطلع القرن العشرين، لم يأت اعتباطاً، بل الأمر كان مقصودا ً ومدبرا ً، وأهم ما يمكن ملاحظته على تلك المناهج، إنها لم تأخذ بنظر الإعتبار حالة التنوع الثقافي والأحتماعي الذي عرف به المجتمع العراقي، مما أدى الى غياب النزعة الوطنية في تلك المناهج.
وكان لأشراف ساطع الحصري على السياسة التعليمية والتربوية في العراق، مع بداية العهد الملكي، أثر واضح على النظام التربوي عموماً، وذلك بسبب مغالاته في تكريس النزعة القومية المتطرفة في مجتمع تعددي متنوع كالمجتمع العراقي، ولقد برز أثرها لاحقاً على حساب النزعة الوطنية، التي كان العراق بأمس الحاجة اليها، مع بداية تأسيس دولته الحديثة.
والمشكلة ان تلك السياسة التعليمية لم تًعالج، ولم يطرأ عليها أي تغيير، اذ استمرت عمليات التهميش والإقصاء لأهم وأغلب شرائح المجتمع. وهكذا كانت بصمات التشويهات الفكرية والأيديولوجبة واضحة ً على المناهج التعليمية في العراق، منذ وضع اللبنة الأولى لهذه المناهج على يد ساطع الحصري المعروف بتوجهاتة الفكرية، وحتى انهيار الديكتاتورية.
فقد وجد أصحاب هذه التوجهات ان أفضل الطرق الكفيلة بنشر معتقداتهم وما يؤمنون به من مفاهيم أيديولولجية، وبغض النظر عن طبيعة هذه المفاهيم، هو قطاع التربية والتعليم، لما يمتاز به من خصوصية الانتشار وتفرعه بين أوساط المجتمع.
إن الأمر المطلوب والمُلح في هذه المرحلة، التي نتفق على أهميتها وخطورتها، هو المراجعة الشاملة وباستمرار لمنظومة التربية والتعليم ورصدها، ومحاولة التأثر الإيجابي فيها بعمق، وأبعادها عن التأثيرات الفكرية والأيديولوجية المنحرفة، وان توضع الآليات والخطط الواضحة للنهوض مجدداً بهذا المرفق الحيوي، والأهم من ذلك هو العمل الجاد والدؤوب لتنفيذ هذه الخطط و توفير كل مستلزمات إنجاحها.
اضف تعليق