q
التكنولوجيا بمراحلها وادواتها المتعددة لها وجهين مختلفين، أحدهما سلبي وآخر إيجابي، ومن المظاهر السلبية هو توظيف مواقع التواصل الاجتماعي لنشر التفاهة في حجر المجتمع وليس استخدامها لتحسين شؤون الحياة وادارتها بما يدعم القواعد القائمة والسنن المتبعة منذ مئات السنين...

تغلغلت التفاهة في اتجاهات عديدة حتى وصلت الى الحياة العامة واستولت عليها، كجزء مهم من النظام الاجتماعي القائم في مجتمع ما، وهنالك من ساعد على انتشار او تعميم التفاهة، اذ ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي بشكل كبير حتى تسيدت طبقة التافهين وتصدروا المشهد.

ويعرف آلان دونو مؤلف كتاب "نظام التفاهة" بأنها النظام الذي تكون الطبقة المسيطرة فيه هي طبقة الأشخاص التافهين.

اكتساح التفاهة للشبكات الاجتماعية ينبئ عن خواء الحالة الداخلية لهذه المواقع، والتي لم تتمكن من تحييد العناصر المسيئة لها، رغم اعتمادها عليها لتصدير افكارها المنحرفة او الهدامة لمنظومة القيم الاجتماعية، فهي لم تضع اساسيات ومعايير ثابتة تحفظ من خلالها هيبتها كما فعلت وسائل الاتصال الأخرى.

حافظت الجريدة على رصانتها وتأثيرها على القراء طيلة عقود من الزمن، لم تزحزحها وسيلة عن مكانتها، حتى مع ظهور الراديو الذي جذب اليه نخبة من المستمعين وربما اتهمه البعض بانه سرق القاعدة او الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الصحافة، لكن ومع مرور الوقت اتضح ان لكل وسيلة جمهورها لم تتمكن التفاهة من اختراقها.

وكذلك التلفاز الذي دخل الوطن العربي في خمسينات القرن الماضي، استطاع ان يأتي بجديد وخلق إضافة في المجال المعرفي لدى الأشخاص العاملين في الحقل الإعلامي والمتلقين، وكُرست اغلب مضامينه لخدمة المجتمع وتدعيم وتعزيز القيم السائدة والحفاظ عليها دون المساس بها او تقليل من شأنها.

لكن ذلك اخذ بالتراجع والانصهار بصورة تدريجية، وغزت البرامج التافهة اغلب المحطات التلفازية، انخفضت نسبة المشاهدة وقل الاعتماد على التلفزيون باعتباره الموجه للمجتمع عبر ما يبثه من أفكار ورؤى بناءة لجميع الشرائح، ولم يقف الحد عند ذلك حتى تسلل عنصر التفاهة الى مواقع التواصل الاجتماعي.

من الطبيعي ان يرد الى ذهنك ان انتشار نظام التفاهة على الشبكات الاجتماعية بدأ مبكرا، مقارنة بالوسائل التي سبق ذكرها، فبعد ان كانت محط انظار واهتمام شرائح المجتمع كافة، تحولت الى عبئ آخر يضاف الى الأعباء الاجتماعية، سمحت للمغمورين الظهور واحتلال مواقع من الأفضل ان يشغلها منتجو المحتويات العلمية الرصينة والهادفة.

فتجد من يعلن عن دراجة (التكتك)، او أي سلعة اخرى لديه ملايين المتابعين والمعجبين بطريقة تقديمه لمضمونه الإعلاني، فكثيرا ما تتجاوز مفردات المعلنين اللياقة والآداب العامة، مؤدين انحدارا بالذوق العام، وبالرغم من ذلك يزداد الاعجاب بهم وتتسع قاعدتهم الجماهيرية.

الشعبية الكبيرة التي كونها هؤلاء قادت الى ظهور شخصيات أخرى، واخذت الاعداد بالتزايد، بيد ان جميعهم يشتركون بنفس الصفة وهي اللعب على عنصر التفاهة الذي لم يترك جانبا الى وتطرق اليه، ولم يترك شريحة الا واستهدفها ونال قسطا كبيرا من افرادها بصرف النظر عن مستوى ثقافتها.

وكردة فعل على ذلك الانتشار ارادت الحكومة العراقية تفعيل قانون محاربة المحتويات الهابطة، والذي تم توظيفه بشكل غير صحيح خلافا للهدف المعلن منه، واتجهت من خلاله لتكميم بعض الافواه المؤثرة، فالتطبيق اصطبغ بصبغة سياسية واضحة لم تتمكن الحكومة من اخفاءها.

ليس من باب إطلاق التعميمات بل من منطلق عرض حالة الشبكات الاجتماعية، فقد أصبحت التفاهة فيها اتجاها عاما سائدا في السنوات الأخيرة، تشعر وكأن التتفيه تحول الى منهجية لها من يدفع باتجاهها وتفعيل دورها.

ربما نكون مجبرين على التعرض للمضامين التافهة، ليس لأننا معجبين ببعضها، لكن لنعلم الطريقة التي يفكر فيها التافهين وهل يهدفون الى معالجة قضية معينة من القضايا التي تشغل الرأي العام؟

التكنولوجيا بمراحلها وادواتها المتعددة لها وجهين مختلفين، أحدهما سلبي وآخر إيجابي، ومن المظاهر السلبية هو توظيف مواقع التواصل الاجتماعي لنشر التفاهة في حجر المجتمع وليس استخدامها لتحسين شؤون الحياة وادارتها بما يدعم القواعد القائمة والسنن المتبعة منذ مئات السنين.

اضف تعليق