استخدام مواقع التواصل الاجتماعي اظهر بواطن الأشخاص وبينهم على حقيقتهم، وبعبارة أخرى حصلت تعرية بالمعنى المعنوي لها، أي كشفت المستور والمناطق المظلمة في الذات الفردية، التي بقيت محجوبة عن الآخرين طيلة الفترات التي سبقت ظهور مواقع الشبكات الاجتماعية...
لا شيء في الحياة غير قابل للتغير، الأمور تسير وفق ديناميكية سريعة، بموجبها اُدخلت العديد من الابتكارات والمصطلحات المرتبطة بمظاهر الحياة العصرية، ومن المظاهر الحديثة بزوغ شمس مواقع التواصل الاجتماعي التي تحكمت بحياة الافراد الى درجة التأثير على السلوك وأدت الى انحسار الكثير من القيم الأخلاقية السائدة في المجتمعات المحلية.
يقول خبراء الاتصال في معرض حديثهم عن تأثير التكنولوجيا على حياة الافراد، ان استخدام الانترنت يُحدث تغييرات على سلوك الافراد بالشكل الذي يجعلهم غير قادرين على العودة الى حياة ما قبل الاستخدام، وهذا بالطبع يشير الى حجم التأثر من قبل الافراد بهذه المواقع.
وقد أسهمت الشبكات الاجتماعية بالتأثير على القيم الأخلاقية في المجتمعات بصورة عامة، ولا يمكن ان نُخرج المجتمع العراقي من دائرة التأثير القوي لهذه المواقع، فكثير من الأشخاص بانت عليهم ملامح التغيير السلوكي، حتى كاد بعضهم يتسم بشخصيتين او ثلاثة في بعض الأحيان.
وتجد المدرس او المهندس او غيرهم من الوظائف والمهن المحترمة يعيشون حياة طبيعية مليئة بالاحترام والتواضع والتعامل السليم مع أبناء المجتمع، لكن ذاتهم يعيشون حالة لا تصدق لو تمت مراقبة تصرفاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي أحيان كثيرة ينتابك الشك في تبعية هذه الصفحات للشخصيات التي تعرفها عن قرب في الحياة الواقعية.
اذ يتسم تعاملهم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة، يتصرفون تصرفا مهذبا مع الجميع ولا يخرجون عن الإطار الأخلاقي الحاكم للمجتمع، وسرعان ما يتهاوى كل ذلك حين وصولهم الى الأجهزة اللوحية المعبئة بتطبيقات التواصل الاجتماعي، وتظهر الشخصية الحقيقية التي يحملها الفرد بداخله.
وبسرعة البرق يتحول إلى شخص فظا بعد أن كان وديعا، يشتم ويعتدي بعد أن كان لطيفا، يبتعد الى اقصى نقطة عن مظاهر الادب والاحترام الملازمين له طيلة تعامله مع الافراد في الواقع.
استخدام مواقع التواصل الاجتماعي اظهر بواطن الأشخاص وبينهم على حقيقتهم، وبعبارة أخرى حصلت تعرية بالمعنى المعنوي لها، أي كشفت المستور والمناطق المظلمة في الذات الفردية، التي بقيت محجوبة عن الآخرين طيلة الفترات التي سبقت ظهور مواقع الشبكات الاجتماعية.
وفي هذا الصدد يُطرح السؤال الآتي، هل شجعت مواقع التواصل الاجتماعي على ظهور هذه التصرفات غير الأخلاقية، ام انها فقط عاكسة لما يوجد من صفات شخصية للأفراد؟
اغلب الآراء تذهب بتجاه ان الشبكات الاجتماعية وفرت البيئة المناسبة لانتشار او ظهور هذه الاخلاق، وليس هي من غرست او عززت الأفكار او التصرفات السيئة في الشخصية الافردية، وبهذه الحالة اقتصر دورها على الوسيط الناقل او العارض لهذه الممارسات امام عدد كبير من المستخدمين.
يصاب المستخدم غير المتزن لمواقع التواصل الاجتماعي بشعور التحرر من المسؤولية الاجتماعية عند التصفح والتعليق على مختلف الموضوعات، ونتيجة لذلك تظهر جميع المخالفات الأخلاقية التي تعد من الانعكاسات السلبية او الآثار السيئة لهذا الوافد الالكتروني الذي غزى العالم.
الحقيقة التي لا يمكن ان تُحجب هي ان النظام الأخلاقي لا يمكن ان يهمل او يركن على جانب بلحظة من اللحظات او بزمن من الازمان، وعليه فان الاخلاق يجب ان تكون الخصلة المرافقة للفرد في حله وترحاله، ولا يمكن ان يتخلى عن هذا اللباس المعنوي عند الاختفاء عن الاعين، فهو يحظى بمراقبة دائمة من قبل محيطه الواقعي الذي لا يسمح بانحسار القيم الأخلاقية.
اضف تعليق