إذا كنت من الحريصين على تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ربما لأنك ليس من أصحاب الحظ السعيد، فمن يعتاد على ذلك بشكل يومي ولساعات طويلة، سيتعرض لكمية كبيرة من الخطابات والمنشورات التي تحث على البغضاء والكراهية والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد وتهدد النسيج الاجتماعي...
إذا كنت من الحريصين على تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ربما لأنك ليس من أصحاب الحظ السعيد، فمن يعتاد على ذلك بشكل يومي ولساعات طويلة، سيتعرض لكمية كبيرة من الخطابات والمنشورات التي تحث على البغضاء والكراهية والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد وتهدد النسيج الاجتماعي.
سلسة من الموضوعات اليومية تأخذ حيزا واسعا على مواقع الشبكات الاجتماعية، وقد تتكرر هذه الحالة بشكل دوري، ما ان ينتهي الحديث بحادثة معينة، حتى تبدأ أخرى بالخروج الى الساحة لتأخذ نفس حجم التأثير وقد تكون أكثر قوة ولها ارتدادات على الواقع المجتمعي بشكل سلبي.
وفي هذا الصدد يقول رئيس جمعية الصحفيين الكندية برنت جولي إن "الانتشار المتسارع لخطاب الكراهية عبر الإنترنت أصبح مشكلة عالمية تهدد نسيج المجتمعات"، وذلك يوضح حقيقة ان جميع أجزاء الكرة الأرضية تعاني من نفس أسباب عدم الارتياح، ولديها نفس الهاجس الذي يؤثر على الاستقرار الاجتماعي، نتيجة الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل.
نقرأ جميعا وكعادة يومية الكثير من الأصوات الباعثة على الحساسية والفوضى التراشقية، وبذلك تكون أساليب وطرق الحديث مختلفة تماما عن الأعراف السائدة في مجتمع ما، وتقترب في كثير من الأحيان الى التنابز وتجاوز فرد على آخر، ربما يكون المُتجاوز عليه، من أصحاب الحق ويتميز طرحه بالواقعية والعقلانية، لكن بفعل عدم الرقابة الذاتية على ما ينشر وما تصدر من تجاوزات لا يوجد من يوقف الاعتداءات المتكررة.
لقد فتحت مواقع التواصل الاجتماعي المجال لإيجاد بيئة حوارية جديدة وبديلة عن البيئات الأخرى، فلم يعد يوجد تجمعات بشرية مثلما السابق، تنشغل في الحوار البناء، وتبادل الأفكار المعتدلة، ونجدها في الوقت نفسه تقضي ساعات طويلة في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدر خطابات وظيفتها الأساسية إثارة الفرقة والتباعد الاجتماعي وليس تقريب وجهات النظر وتجاوز الخلافات.
كثيرا ما تحرص بعض الأطراف على نشر الأفكار الهدامة في المجتمع، والتركيز على نقاط الضعف أكثر منه على النقاط الإيجابية او التي تؤدي الى رص الصفوف ومحاربة الأفكار الدخيلة على المجتمعات، ففي المجتمع الواحد وربما المتجانس في أكثر الأحيان، نجد الاختلاف قائم بصورة غير متوقعة تماما.
حتى بين الأصدقاء بالعمل او في منطقة السكن، تجدهم في الواقع يتمتعون بعلاقات يومية طيبة، ولا يتجاوزن الخطوط الحمراء التي يحتكم اليها مجتمع في مدينة او قرية، وغيرها من التقسيمات، بينما تحدث بين الكثير منهم خلافات وتراشقات على مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة اختلاف وجهات النظر حول الموضوع محل النقاش.
ولم يقف الخطاب عند الموقف بين الأصدقاء، فقد انتقل الى المستوى الديني والطائفي، ففي الفترات السابقة، اُثيرت العديد من المسائل التي سببت التصادم بين أبناء المجتمع والمنتمين لنفس الديانة مع اختلاف المذاهب، وقد استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي منصات لنشر هذه الأفكار المتطرفة التي تعمل على تفكيك المجتمعات دون تلاحمها.
ومن الآثار السلبية لمثل هذه الخطابات وبحسب جهات معنية بالصحة النفسية، فان خطابات الكراهية التي يتعرض لها الافراد بشكل مستمر على الانترنت، قد تؤثر سلبا على رفاه الشخص وصحته العقلية المؤدية في تقادم الأيام الى ظهور الطاقة السلبية على جميع مفردات المجتمع وعوامل نهوضه وتماسكه.
يمر خطاب الكراهية بمراحل وفترات ازدهار وانحسار متعاقبة، يعتمد ذلك على الأوضاع الاجتماعية السائدة، ففي الفترات التي تشهد استقرار نسبي، تعمل جهات على إثارة هذه القضايا لحصد ثمار ذلك بالتخاصم والانقسام الكبيرين، وقد يكون المستفيد من ذلك بمجمله بعض الجهات السياسية، التي لا يخدمها الهدوء الحاصل في البلد على المستوى الاجتماعي والسياسي.
الكراهية الافتراضية المتسعة في الفترات الأخيرة على مواقع الشبكات الاجتماعية هي نتاج طبيعي للكراهية الواقعية، فالسلوك العدواني بين الافراد، ينسحب بطريقة او بأخرى على الحياة والتصرفات داخل منظومة التواصل الافتراضي، وهو ما يرسخ ويؤسس الى مزيد من العنف بين الجماعات المختلفة والمنتمية الى بقعة جغرافية واحدة.
كل شيء تسيء استخدامه سيؤثر على مفاصل المجتمع دون شعور بمرور الوقت، وبالمحصلة النهائية ستكون مواقع التواصل الاجتماعي عامل من عوامل هدم المجتمعات وإثارة البغضاء، في الوقت الذي من المفترض لها ان تكون عامل مساعد على نبذ المشتتات والاشياء السلبية التي تنال من وحدة الصف وتعمل على انهيارها المتواصل.
اضف تعليق