لقد تنبه العالم الى مدى جعل الشركات المالكة للتقنية العالمية ومحركات البحث والتطبيقات بمكانة تتحكم في مصائر الشعوب، والاهم من ذلك ربما تسعى الأنظمة الحاكمة الى فك هذا الارتباط الوثيق مع الشركات العالمية التي تحتكر المعرفة وتعطيها بالتقسيط الى عملاءها الدوليين، اذ يمكنها فك الشراكة الى الاستقلالية...
لم يتوقع ملايين المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وانستغرام وواتساب من الاضطرار الى البحث عن بديل يعوضهم عن الصمت الاجباري الذي حصل نتيجة توقف تلك المواقع عن العمل، فقد اعيد علينا أيام صوم زكريا الثلاث، لكن بفارق الزمن هذه المرة الذي امتد لسبع ساعات متواصلة.
ماذا حدث تحديدا؟ شركة Cloudflare (كلاود فلير) للبنية التحتية اجابت باختصار، وبينت السبب هو توقفت أنظمة فيسبوك عن التحدث إلى الإنترنت الأوسع، واصفة ذلك كما لو أن "شخصًا ما سحب الكابلات من مراكز البيانات الخاصة به (فيسبوك) مرة واحدة وفصلها عن الإنترنت"، ولاحقاً عرفنا أن العطل نجم عن "تغيير خاطئ في إعدادات الخوادم" التي تربط من خلال الإنترنت هذه المنصّات بمستخدميها.
التوقف كان للبعض مجرد انزعاج بسيط وسرعان ما ذهب مع عودة التطبيقات الى العمل بعد ساعات التوقف، لكن الامر ليس كذلك بالنسبة لمالك الشركة بالدرجة الأساس وكذلك الشركات المرتبطة بالعمل مع تلك التطبيقات التي تعتبر الاوسع انتشارا حول العالم.
فقد بلغت خسائر الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك" أرقاماً هائلة تصل نحو قرابة 7 مليارات دولار خلال ساعات وفق ما أعلنته وكالة بلومبيرغ، إثر توقف التطبيقات الثلاث الاشهر عن العمل، فيما شهد سوق الأسهم ارتباكاً حاداً أثر على البورصات العالمية.
أضف الى ذلك ان أسهم شركة "فيسبوك" سجلت تراجعاً بنسبة 5.63%، بعد توقف تطبيقات "فيسبوك" وإنستغرام" و"واتساب" إثر عطل تقني، كما إثر توقف هذه التطبيقات على البورصات العالمية بشكل غير مسبوق، فقد هوى مؤشر "ناسداك" المجمع لأسهم التكنولوجيا في بورصة نيويورك إلى أدنى مستوى في أكثر من 3 أشهر، مدفوعاً بخسائر حادة لأسهم شركات أمريكية عملاقة.
ضلال الحادثة لم يتوقف عند خسارة الشركة المالكة اذ تسبب العطل في ارباكات وخسائر لملايين المستخدمين، شركات وأفراداً، حول العالم، في وقت يتزايد الاعتماد على الإنترنت في العمل مع تفشي فيروس كورونا.
حادثة الانقطاع المؤقت هذا برهنت عن قضية وهي تحكم عدد قليل من سكان العالم بمصائر الشعوب من جوانب عدة، اهمها الناحية الترفيهية، فقد كشفت استطلاعات للرأي ان الانقطاع قاد لحالة عدم ارتياح وانزعاج من قبل المستخدمين الذي اعتادوا على قضاء ساعات طويلة بالتصفح، اما من الناحية التجارية نتج عن الخلل الحاصل ارتباك في التبادل التجاري على مستوى العالم، فالكثير من المعاملات التجارية تجري من خلال هذه التطبيقات بصورة سريعة ومباشرة.
كما ان الحدث كان كافيا لتعرية الهشاشة التقنية التي تتمتع فيها شركة فيسبوك، ومصادق ذلك عدم قدرة دخول موظفي الشركة الى المقر، ما يشير الى وجود إخفاق كبير بالعمليات البرمجية، فلولا هذا الخلل لتمكنت الطواقم من العمل وتلافي المشكلة بأسرع وقت ممكن، لإثبات القدرة التقنية التي تمتلكها امام الشركات المماثلة على الصعيد الدولي.
لقد تنبه العالم الى مدى جعل الشركات المالكة للتقنية العالمية ومحركات البحث والتطبيقات بمكانة تتحكم في مصائر الشعوب، والاهم من ذلك ربما تسعى الأنظمة الحاكمة الى فك هذا الارتباط الوثيق مع الشركات العالمية التي تحتكر المعرفة وتعطيها بالتقسيط الى عملاءها الدوليين، اذ يمكنها فك الشراكة الى الاستقلالية في اتخاذ القرار التكنولوجي والتحكم وفق ما تريده.
ربما جميع الاحتمالات السابقة لا تخضع لمعايير الحقيقة وقد يكون ما حصل مجرد بالون لمعرفة مدى ردود الأفعال الدولية، وما ستقوم به الدول من خطوات تجاه هذه الشركة، وبالتالي، يتعين عليها اخذ الحيطة والحذر وعّد العدة لمنع الوقوع بمثل هذا الخلل، لكي لا تقع بأحراج جديد امام مستخدمي التطبيقات بجميع انحاء العالم.
اضف تعليق