وساهم الطابع التكنولوجي في أيجاد طرق جديدة للصراع بديلة للحرب المباشرة بين الدول، حيث ساهمت الآليات التكنولوجية في مساعدة المنظمات والدول في التنسيق بين جهودها والتفاعلات فيما بينها الكترونيا بعيداً عن الاتصال المباشر، وأدت الثورة التكنولوجية الى تغير شكل الحرب وأدواتها والفاعلين فيها مما ساعد...
المقدمة:
على مر التاريخ، كانت هناك العديد من المخاطر التي تهدد أمن الدول، وأحد هذه المخاطر ظاهرة الإرهاب، التي زاد خطرها مع التقدم التكنولوجي والتقني، فأصبحت طريقة إدارة الإرهاب أكثر تطورًا، وصار من الممكن تدمير البنى التحتية للدول دون إطلاق رصاصة من خلال استخدام الجماعات الإرهابية للفضاء الإلكتروني لشن هجمات إرهابية باستخدام بعض البرامج المعقدة، وجاء ظهور التهديد بالاستخدام السلبي لتلك المعطيات التكنولوجية من قبل مهددات كثيرة، وظهرت مسميات تعبر في مجملها عن أنشطة غير سليمة للفضاء الإلكتروني على نحو يؤثِّر في طبيعته ودوره ويؤثر بالتالي على أهميته الاستراتيجية في النظام الدولي، ومن ضمن تلك المسميات وأشهرها مفهوم (الإرهاب الإلكتروني).
وهو نوع جديد من أنواع القوة، فالقوة لم تعد مقتصرة على القوة الصلبة والتي تتمثل في القوة العسكرية والاقتصادية، والتي تحتكرها الدول بشكل عام، وليس كل الدول وانما الدول الكبرى، وانما هذا النوع لم يعد يقتصر على الدول فقط وانما كل من له القدرة على امتلاك المعرفة التكنولوجية والقدرة على استخدامها وتوظيفها لتحقيق أهدافه.
وحدد جوزيف ناي ثلاثة أنواع من الفاعلين يمتلكون القوة الافتراضية وهم:
- الدولة: لديها القدرة على تنفيذ هجمات الكترونية، وتطوير البنية التحتية الالكترونية وممارسة السلطة عليها داخل حدودها.
- الفاعلين من غير الدول: يستخدمون القوة الافتراضية لأغراض هجومية بالأساس مثل اختراق المواقع الالكترونية واستهداف أنظمة الاتصالات الدفاعية.
- الأفراد: الذين يمتلكون المعرفة التكنولوجية والقدرة على توظيفها، ويكون هناك صعوبة بالغة في الكشف عن هويتهم وبالتالي يصعب ملاحقتهم (1).
وساهم الطابع التكنولوجي في أيجاد طرق جديدة للصراع بديلة للحرب المباشرة بين الدول، حيث ساهمت الآليات التكنولوجية في مساعدة المنظمات والدول في التنسيق بين جهودها والتفاعلات فيما بينها الكترونيا بعيداً عن الاتصال المباشر، وأدت الثورة التكنولوجية الى تغير شكل الحرب وأدواتها والفاعلين فيها مما ساعد على اختلاف درجة التهديد وآثاره وطبيعته ومصادره وظهور حرب الشبكات وحروب الفضاء الإلكتروني، وأصبح الارهاب جريمة عابرة للحدود القومية من حيث النشاط والخطط والتمويل والأعضاء، وتصاعد نشاط الجماعات الارهابية عبر الفضاء الإلكتروني وتعزيز بعدها العالمي وتم استخدام المنجزات التكنولوجية في ممارسة الارهاب، والتي استطاع الارهابيون من خلالها تحقيق أضرار غير متوقعة وهائلة تتجاوز التهديدات التي تمثلها الدول لبعضها البعض، اذ استغلت الجماعات الارهابية بكافة أشكالها وأنماطها الفكرية المزايا الالكترونية كعنصر حيوي لدعم وتحقيق أهدافها، وتحولت بعد أن كانت مجموعات قلائل من الأفراد متوزعة جغرافياً الى مجتمع افتراضي غير محدد الأبعاد الكمية (2).
ومن الأمثلة على هجمة الكترونية ارهابية دولية:
ما فعله جماعة (ماركس هيس) عندما هجموا على البنتاغون اذ أن هذه المجموعة توصلت إلى (50) جهاز حاسوب عسكري في البنتاغون ومجموعة شركات متعاقدة معها ومعمل الطاقة النووية في لوس الاموس ومعمل أرجون القومي وقسم النظم الفضائية للقوات الجوية وعدد من القواعد العسكرية المنتشرة في العالم، وطبقاً للتقارير أن نظم البنتاغون قد هوجمت (250) ألف مرة بمستوى نجاح وصل إلى (160) ألف مرة وكان صاحب النجاح فتى بريطاني عمره 16عاماً، أطلق على نفسه ( راعي بقر) ويعمل تحت إشراف رجل يستعمل البريد الإلكتروني يسمى (كوجي)، وبنظر الخبراء أن هذه المعلومات ليس لها أهمية استخباراتية لأن المعلومات الموجودة داخل وزارة الدفاع الأمريكية والمعرضة للاختراق كانت تخص أموراً لوجستية وهذا في حد ذاته يعتبر كافياً للكشف عن قدرات الأمة الدفاعية ونواياها مثل نشاطها داخل مستودع معدات أو ذخيرة (3).
وفي السياق ذاته قام تنظيم القاعدة باستغلال الإنترنت لتحقيق أهدافه سواء العسكرية أو الدعائية، فالكثير من العمليات الإرهابية التي يقوم بها التنظيم يلعب فيها (Google Earth) الدور الأكبر وفقاً لما أكده العديد من الخبراء، ورغم السيطرة المحكمة على الشبكة الدولية إلا أن ذلك لا يمنع ظهور التي عادةً ما تستخدم الإنترنت وسيلة إعلامية لها، توصل من خلالها رسائل زعيمها أسامة بن لادن– قبل وفاته- أو نائبه أيمن الظواهري و بنفس التقنية خططت جماعة (لشكر طيبة) الباكستانية الارهابية لهجمات بومباي عام 2008 (4).
ومن ناحية تدمير واقتحام شبكات المعلومات وهو ما يعرف (بالتجسس الالكتروني)، وإطلاق ونشر فيروسات التي تساعد على تدمير أجهزة ومؤسسات الدولة، والتأثير على العلاقات الدولية وهو ما تجلی بشكل واضح في واقعة " تسريب وثائق موقع ويكيلكس "عندما قام" جوليان أسانج "صاحب الموقع بنشر وثائق وبرقيات من الخارجية الأمريكية والتي أثرت بشكل كبير على الصورة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية وعلى شكلها أمام الدول الأخرى ومن ثم كان لذلك تأثير في علاقتها ببعض الدول (5).
الخاتمة:
ونتيجة لهذا التوسع في استخدام الانترنت ودخوله إلى العديد من المجالات من المتوقع أن تكون الحرب الإلكترونية السمة الغالبة، إن لم تكن الرئيسة بين الدول اذ تعتبر الهجمات الإلكترونية من أخطر الأسلحة الفتاكة في العصر الحديث سياسياً واقتصاديا، وكذلك تعتبر استعمار من نوع وشكل جديدين، اذ إن سلاح الهجمات الإلكترونية سيكون له دور مهم ومؤثر في النزاعات الاقتصادية والسياسية بين مختلف دول العالم، والهجمات الإلكترونية جزء من تطور مصطلح الحرب والصراع، وينبغي الحيلولة دون أن تتحول المواجهات الافتراضية بين مختلف المنظومات إلى حرب حقيقية على أرض الواقع.
وعليه فإن الحروب القادمة ستكون بضحايا أقل ولكن خسائرها الاستراتيجية ستكون أكثر فداحةً وبدون حسم عسكري وكذلك الحرب الإلكترونية ستكون أكثر تدميراً في المستقبل ويمكن أن تتسبب في شلل بلاد كاملة وعزلها عن العالم، لذا تعتبر الهجمات الإلكترونية سلاح يعتمد على المعرفة العلمية أكثر من الاعتماد على المقدرات المادية.
اضف تعليق