تمكن الملياردير الأمريكي الأكثر ابتكاراً خلال 3 سنوات من إدارة شركته بنجاح، الأمر الذي جعله أغنى شخصاً في العالم. لقد أوضح لفوربس بأنها البداية فقط، وأن على الشركات الأمريكية الحذر. على عكس غيرها من عمالقة التكنولوجيا في أمريكا، لا تملك (Amazon) مساحة عمل تقليدية. ولديها
تمكن الملياردير الأمريكي الأكثر ابتكاراً خلال 3 سنوات من إدارة شركته بنجاح، الأمر الذي جعله أغنى شخصاً في العالم. لقد أوضح لفوربس بأنها البداية فقط، وأن على الشركات الأمريكية الحذر.
على عكس غيرها من عمالقة التكنولوجيا في أمريكا، لا تملك (Amazon) مساحة عمل تقليدية. ولديها حوالي 45 ألف موظف ومسؤول تنفيذي في مدينة سياتل، من أصل 575 ألف موظف في كافة أنحاء العالم، يعملون في مبانٍ عديدة وشاهقة وسط المدينة، وفي حي ساوث ليك يونيون. فيما يسمى مقر (Amazon) برج اليوم الأول «داي 1 تاور»، وجاءت التسمية من القاعدة الثابتة لـجيف بيزوس، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ(Amazon) بأننا لا نزال في «اليوم الأول» من العصر الرقمي، وبناء على ذلك نشأت (Amazon) لتوها.
وقد ارتفعت مبيعات وأرباح الشركة، كذلك الأسهم بنسبة 270%على مدى 3 أعوام، و103% خلال 12 شهراً. بينما تقترب (Amazon) من التفوق على (Apple) لتصبح الشركة الأعلى قيمة في العالم، وبيزوس بوصفه اليوم الرجل الأغنى عالمياً بثروة صافية قدرها 160 مليار دولار.
على الرغم من ذلك، يتحدث عن (Amazon) كأنها شركة ناشئة أنهت مؤخراً جولة (Series A). يقول بيزوس (54 عاماً) الذي يثني أكمامه متباهياً بسواعده التي تشبه سواعد «باباي»: «من أجل تحقيق الأهداف العملية، علينا العلم بأن حجم السوق غير مقيد».
أما النمو فيبدو أنه ناشئ من كونه «محظوظا جداً» إذ إن سوق التجزئة، القطاع الرئيس الذي تعمل فيه (Amazon) ضخمة جداً كما هو الحال بالنسبة لسوق الحوسبة السحابية الذي كانت فيه (Amazon Web Services) رائدة في القطاع.
ويضيف الرجل الذي ينتظر أن تحقق شركته إيرادات بـ210 مليارات دولار هذا العام: «هناك العديد من الأعمال حيث يكون السوق مقيداً، لكن ليس لدينا تلك المشكلة.»
وإذا كان بيزوس رجل الأعمال الأكثر مهابة في العالم، فإن التوقع بأن يكون «غير مقيد» يجب أن يثير انتباه كل مديري الشركات. نعم، إنه قاسٍ وسيد المنافسات الطويلة، لكن قوته التي تولدت على مدى الأعوام القليلة الماضية، تتمثل في قدرته على تحويل (Amazon) إلى مجموعة شركات متجاورة على نطاق واسع.
لقد صنفت فوربس الشركات المبتكرة لـ8 أعوام، وعملت مؤخرًا مع 3 أساتذة إداريين لتحديد القادة الأكثر ابتكارًا في أمريكا. وبالتالي فإن التصنيف الذي اعتمد 4 معايير تتضمن: السمعة العامة والتأثير وخلق القيمة وعلاوة الابتكار، التي يحددها المستثمر للرئيس التنفيذي، تصدر فيه بيزوس بجدارة.
في الواقع، أخبرني وارن بافيت في العام الماضي، بعد أن سألته عن أهم العقليات المثيرة خلال 8 عقود في السوق: «إن ما فعله بيزوس وما سيفعله، يعد أكثر الإنجازات الرائعة التي شاهدتها. ولأنه عمل في قطاعين مهمين في آن واحد وواجه المنافسين بسهولة، أصبح في الواقع قائداً عظيماً، وحقق نجاحات كبيرة في أهم القطاعات».
على الرغم من أن بيزوس وبافيت أشارا إلى البيع بالتجزئة والحوسبة السحابية، إلا أنه غير محدد بأسلوب معين؛ أولاً، بفضل (AWS) الشركة التي تشتهر بتركيزها على النمو أكثر من الربحية، وحققت في النهاية مليارات الدولارات، كما يملك بيزوس مصداقية السوق لإعادة استثمارها بالأسلوب الذي يريده. ثانياً، إن النطاق الذي تحتاجه (Amazon) للنمو يتطلب المبادرة عملياً.
وأخيراً، من خلال الهيمنة على قطاعي التجزئة والخدمات الرقمية الذي تعتمد عليه أغلبية القطاعات الأخرى، فإن بيزوس اليوم في مكان يسمح له بالانتقال إلى أي مجال آخر يجد فيه قيمة مضافة. إنه يدير مليارات الدولارات في 4 أسواق على الأقل: الصحة والترفيه والإلكترونيات الاستهلاكية والإعلانات، التي تضم العديد من الشركات التي لا تخشى منافسة (Amazon). وليس غريباً أن تحقق الأسواق تريليونات الدولارات التي أشار إليها بيزوس.
وفي الوقت الذي كشف فيه أقرانه الرائدون في بداية العصر الرقمي عن مخططاتهم، كان بيزوس حريصاً دائماً على السرية ويخفي مبادراته الجديدة بنفقات كبيرة، ويتظاهر بعدم اهتمامه بالازدهار في المقام الأول. وحين اشتهر بيزوس، أصبحت تصريحاته ومقابلاته نادرة على الرغم من أنه يملك (Washington Post). كما يرفض الحديث عن دونالد ترامب، الذي انتقده وانتقد صحيفته على تويتر، لكنه يدرك بوضوح أنه مستهدف.
وعندما سئل بوصفه رئيساً لشركة إعلانات صاعدة، فيما إذا تعلم دروساً من المتاعب التي واجهتها (Facebook) العام الماضي، كانت إجابته موجزة وسياسية ولا يمكن تصورها. أجاب بـ»لا»، هذا الرجل المؤيد للتعلم من الشركات، متوقفاً لبضع ثوانٍ ومؤكداً على أنه لن يناقش الموضوع. كما طرحت عليه أسئلة حول ما إذا كانت ستتحول (Amazon) إلى شركة بيانات، فأجاب الرجل الذي يدير شركة تعتمد على البيانات: «لم أفكر مطلقاً في (Amazon) بهذه الطريقة». وعندما أشير إلى أنها أداة على الأقل، تدخل بيزوس بسرعة وقال: «إحدى العديد من الأدوات».
مع ذلك، في صباح اليوم الذي مضى فيه يشرح لـفوربس كيف يدير الابتكار ويختار المجال الذي يتوسع فيه، ظهر مخطط لمستقبل (Amazon).
وبالنظر إلى حجمها، فإنها تتوسع في كافة الاتجاهات، وكل اتجاه يبشر بريادة أكبر. وحتى قبل 5 أعوام، بدا حريصاً على محاولة بيع كل شيء للجميع، ليصبح بذلك أكثر ما يزعج تجار التجزئة وتجار الجملة.
إلا أن المبتكر العظيم اليوم يعمل في مجالات مختلفة.
في هذا العصر غير المحدود، أهم كلمة في (Amazon) هي نعم. وبهذا يشرح بيزوس بشكل صحيح التسلسل الهرمي التقليدي للشركات: «لنفترض أن مسؤولاً تنفيذياً صغيراً يأتي بفكرة جديدة يرغب في تجربتها. عليه أن يقنع رئيسه، ورئيس رئيسه، ورئيس رئيس رئيسه، وهكذا.. لذلك أي كلمة «لا» في التسلسل يمكن أن تقضي على الفكرة بأكملها». وهذا هو سبب نجاح الشركات الناشئة بسهولة، إذ حتى لو قال 19 مستثمراً «لا»، فإن الأمر يحتاج فقط إلى الشخص الـ20 ليقول «نعم» لاستكمال العمل على الفكرة.
تماشياً مع ذلك، بنى بيزوس شركة (Amazon) وفقاً لما يسميه «أكثر من طريقة للإجابة بنعم» بشأن «الحل ذو الطريقتين» تحديداً، وهي القرارات المستندة غالباً إلى التحسينات التدريجية، التي يمكن التراجع عنها إن ثبت افتقارها إلى الحكمة والرأي السديد. إذ بإمكان مئات المديرين التنفيذيين الموافقة على فكرة ما، وهي فكرة يمكن للموظفين النظر فيها وتقليبها ونقدها.
يقول جيف ويلك، مساعد بيزوس العريق الذي يدير عمليات تجارة التجزئة والمستهلكين في (Amazon): «نحن وبيزوس على دراية بعجزنا عن الابتكار أو التجريب دون ارتكاب بعض الأخطاء. هذه هي الأفكار التي نحتفي بها. وفي الحقيقة، نريد لها الانتشار في كل الأرجاء. كما أن بيزوس ليس بحاجة لمراجعتها، وأنا كذلك».
لكن، فيما يتعلق بالأفكار والمسلمات الأعظم شأناً، التي تعرف أيضاً بأنها «الحلول التي تحتمل طريقة واحدة» وتغير مسار الشركة، يفتخر بأنه «خير من يتمهل». وهو يبحث عن 3 صفات، أولها الأصالة. يقول: «لا بد لنا من الإتيان بأفكار متميزة أو مختلفة. ولا يمكن تكرار طرحها». أما الثانية فهي الحجم. يضيف: «نحن محظوظون ببعض الشركات الضخمة التي أسسناها بمرور الوقت، ولا يمكننا بذل جهودنا وطاقاتنا لتحقيق نتائج بسيطة ومتواضعة».
أما آخرها فيتمثل في العائد على الاستثمار الكافي في وادي السيليكون. يوضح: «لا بد حتى لشركاتنا الضخمة من تحقيق عوائد جيدة على رأس المال».
في النهاية، تنبع الأفكار التي تلبي تلك الشروط الـ3، كما يقول بيزوس، من أحد نموذجين؛ إما بالنظر إلى احتياجات العملاء، كأن يقال «لقد لاحظنا أن الناس يميلون إلى كذا، فلنحاول تقديم منتج لهم». وإما البحث عن العملاء لطرح منتج لهم، كأن يقال «نحن نتقن صنع منتج قيم، فلنبحث عن العملاء».
تنبع عظمة شركة (Amazon) من نموذج العمل الأخير. كان بمقدور بيزوس، وهو شخص يستشعر الفرص غير المستغلة بطبعه، الاكتفاء بالتركيز على تقديم نفسه بوصفه مؤسس متجر الكتب الأشهر في العالم، مثلما تشتهر شركة (Etsy) بالمشغولات الحرفية وشركة (Zappos) التي تملكها (Amazon) بالأحذية.
لكن بيزوس، بإتقانه بيع الكتب، أيقن بقدرته على الاستعانة بهذه الوسائل- التي تتعدد من إدارة المخزون إلى محركات البحث الذكية- لمزاولة أنشطة مشابهة، فتوجه في البداية إلى الموسيقى وأقراص الفيديو الرقمية، ثم إلى ألعاب الأطفال والأجهزة الإلكترونية، فكل ما يمكن بيعه بالتجزئة. ثم استفاد مجدداً من تلك المعرفة بجرأة (ونجاح) بسماحه بتعامل شركة (Amazon) مع البائعين المستقلين، الذين كانوا منافسيه في السابق، مرسخاً إرثه كمدير شركة تجارة تجزئة تحويلية أو وسيطة، سائراً على خطى قلة من أمثال سام والتون، وآرون مونتغومري وارد، ويوليوس روزنوالد أحد مالكي شركة (Sears Roebuck).
لقد كان ينبغي للقصة الانتهاء هنا. لكن (Amazon) المهيمنة على العالم الغربي، كانت تقدم كذلك حلولاً ناجعة للمعضلات التكنولوجية واللوجستية، وبدلاً من اعتبار هذه المهارات والقدرات مجرد إضافات إلى النشاط الأساسي، اعتبرها جيف بيزوس أنشطة بحد ذاتها. فأدى توظيف مطورين بدوام جزئي، بسبب الحاجة إليهم، إلى ظهور (Mechanical Turk) إحدى أولى مواقع التعهيد الجماعي في العالم.
كما قاد تأسيس بنية تحتية فعالة للتوصيل، على نحو مذهل، إلى ظهور خدمة شركة (Fulfillment by Amazon) وتسببت البراعة في جني الأموال مقابل كل عملية شراء تنفذ إلى ظهور شركة (Amazon Pay).
الأهم من ذلك هو شروع شركة (Amazon) في بناء قدرات هائلة لتخزين بياناتها في السحابة، وإدراك بيزوس حينها رغبة شركات أخرى في تخزين بياناتها بدورها. وحققت (AWS) في عام 2017، إيرادات بنحو 17.5 مليار دولار.
حتى تلك المفاهيم أو المبادئ التي تتبادر إلى الأذهان بسبب الاهتمام بالعملاء، تجلب فوائد تعتمد على أصحاب المهارات. فجهاز (Kindle) للقراءة الذي طرحته (Amazon) في قطاع صناعة الأجهزة الإلكترونية للمرة الأولى في عام 2007، يعد مثالاً على ذلك. ويذكر جيف ويلك، الذي أتى من شركة (AlliedSignal) احتجاجه الذي تقدم به إلى مجلس الإدارة قائلاً: «لا أوافق.
أعتقد بأننا سنتخلف، على الأرجح، عن وقت التسليم المقرر. وستغدو عوائدنا منخفضة جداً. كما لن ننتج قدراً كافياً منها وسنخيب آمال العملاء. إن صناعة الأجهزة الإلكترونية ليس مجال عملنا، فنحن شركة تنتج البرامج الحاسوبية».
وقال بيزوس: «إني مستعد للتنازل عن كل ما ستحققه الشركة، ولا زلت أعتقد أن الرؤية السديدة لشركتنا تتمثل في إجادتها صناعة الأجهزة الإلكترونية، لذلك، يتعين علينا البدء بالتعلم». وهذا ما حصل؛ فجهاز (Kindle) منتج يثير الشجون في شركة (Amazon) لأنه يرتبط بدخول الشركة هذا القطاع للمرة الأولى. ولأنه يذكر ببدء الشركة في تجارة الكتب، لكنه لم يحدث تغييراً أو تحويلاً في الشركة، وتوالت إخفاقات الأجهزة، كالهاتف الذكي (Fire).
غير أن قرار بيزوس قاد في النهاية إلى إنتاج سماعات أو مكبرات صوت (Amazon Echosmart) الثورية بحق.
يقول ضاحكاً: «لقد خضنا تجربة طويلة في صناعة الأجهزة مع قدوم هذا اليوم، لكننا لم نكن نتمتع بهذه المهارات قبل ذلك. ويجدر بك أن تكون صبوراً، حين لا يقتصر الأمر على تعلم مهارة ما، بينما قد يتطلب الجهد الذي تبذله وقتاً ليثمر». وبمعنى آخر، إذا تأملت المهارات التي تتعلمها (Amazon) الآن، لعرفت ما ستبدأ في بيعه عما قريب.
وها هو اليوم يقبل على التعرف إلى قطاع الرعاية الصحية. إنه أكبر قطاعات الأعمال في أميركا، ويستحوذ على 18% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن أقلها فاعلية. وقد أعلن بيزوس ووارن بافيت ورئيس مصرف (JPMorgan Chase) التنفيذي، جيمي ديمون، عن توحيد جهود شركاتهم الـ3 لتعيين الرئيس التنفيذي البارز أتول غواندي، رئيساً للمبادرة غير الربحية، والرامية إلى تقديم عناية أفضل مقابل تكاليف أقل لموظفيهم، في إطار سعيهم لابتكار نموذج قابل للتطوير، يمكن تكراره واستنساخه.
إنه مسعى ليس باليسير، فهذه الشركات توظف 1.2 مليون موظف. ولو أضيف إليهم من يعيلونهم، لصار أشبه بدراسة أولية محدودة تشمل جميع سكان ولاية أوريغون أو ولاية كونيتيكت.
لكن موقف بيزوس ثابت تجاه نوايا (Amazon) هنا. إذ يبادر بقوله حتى قبل تلقي سؤال شامل عنها: «هذه مبادرة خيرية كما تعلمون. إنها مختلفة اختلافاً كلياً». ويتفق معه بافيت، بقوله قبل بضعة شهور موضحاً: «بعد الإعلان عنها، أوهمنا أشخاص قالوا: «نرغب بالانضمام، فقلنا: «ليس لزاماً عليكم ذلك».
لقد استولوا على كل ما نملك، هذا إذا كنا نملك شيئاً على الإطلاق».
وأضاف بافيت: «نحن لا نعلم إلى أين سنذهب بالضبط. لكننا نأمل العثور على قارة أخرى، فلا نظل هنا معرضين لاستغلال الآخرين في يوم من الأيام».
في جميع الأحوال سيفوز بيزوس بينما تصقل (Amazon) مهاراتها لتشكل خمس الاقتصاد المحلي. في حين، إن أي تطورات تطرأ على بافيت وديمون «ستظل داخل الكيان غير الربحي» على حد قول بيزوس، و»يمكن لكل شركة أن تباشر مبادراتها الخاصة». بينما بدأ بيزوس بالفعل؛ ففي يونيو/حزيران، وافقت (Amazon) على دفع نحو 1 مليار دولار مقابل (PillPack) شركة ناشئة توصل طروداً يومية معدة مسبقاً للوصفات الطبية. وهذا ما تبرع فيه الشركة: الإنجاز والتعديل حسب الطلب والجدارة. كما يعد مشاركة جديدة في قطاع الرعاية الصحية.
في هذا السياق يدخل بيزوس مجال الإعلانات، إذ أظهر أحدث أداء ربعي لـ(Amazon) رقماً مذهلاً: فالشركة تسير قدماً لتخطي ما مقداره 8 مليارات دولار من إيرادات الإعلانات هذا العام- أي ضعف مجموعها في العام الماضي تقريباً. وما المانع؟ فغوغل تعرف ما يهمك شراؤه، وفيسبوك يمكنها استنتاج ما تميل إلى شرائه، إنما هذه الشركة فتعرف ما تشتريه بالفعل، أو حتى ما تنوي شراءه.
هذا يثير قضايا عدة؛ بيزوس يتحدث باستفاضة عن شغف المستهلكين، لكن هناك قلة من العملاء يريدون استهدافهم بالمزيد من الإعلانات. لكنه يرى أن الثقة التي بنتها شركته مع عملائها، ستضمن للشركة ألا تتعدى حدودها- وإن العملاء بالمقابل سيحسنون الظن بقراراته. يقول: «هذه النقطة مهمة جداً، لذلك لن أفعل شيئاً للمخاطرة بها، فهي تتيح توسيع الأعمال». وإذا اتخذ بيزوس هذه الخطوة، فمن السهل أن نتصور دخول مشارك ثالث قوي إلى ثنائي غوغل وفيسبوك المهيمن في مجال الإعلانات.
حين تمشي وسط مباني سياتل الشاهقة، فإن أكثر مبنى يلفت انتباهك في حي (Amazon) متجر أغذية يبرز في أسفل برج «داي ون». فيما يعد شراء الشركة لـ(Whole Foods) بقيمة 13 مليار دولار في العام الماضي، ثاني أهم مبادرة اتخذتها في مجال متاجر البقالة. أما الأولى فكانت (Amazon Go) وهي تجربة شراء في متجر تقليدي مساحته 1800 قدم مربع افتتح في يناير/ كانون الثاني الماضي. وربما يكون متجر الأغذية (Go) الأكثر تمتعاً بصفات الشركة.
فقد شدد بيزوس دائماً على الاقتصاد في الإنفاق، وهنا يتسوق موظفوه (والقليل من سكان سياتل وسائحيها) لشراء غدائهم. وبفعلهم ذلك فهم يقدمون للشركة كماً كبيراً من البيانات لصقل مهاراتها. والأهم من ذلك فإن (Go) توضح ما هو ممكن حين تتلاقى جوانب عدة من عمليات (Amazon) الكثيرة؛ إذ تجمع المعرفة المكتسبة من عمليات الشراء لدى (Whole Foods) ومن إمكانات (Amazon) المتطورة في الخوارزميات والمعدات، في شكل الذكاء الصناعي وتقنيات الكاميرا والمجسات التي تتكامل لتحدد ما أخذ من الرفوف أو أعيد إليها ومن أخذه.
كذلك من (Amazon Pay) الذي يدير عمليات الشراء بإتقان، بمجرد أن يسجل تطبيق الشركة المدخلات. فأن تأخذ علبة حليب بالشوكولاه يشبه سرقة المحلات- إذ ليس هناك نقطة تفتيش عند الخروج أو مسح ضوئي. وإذا كانت الرعاية الصحية والإعلانات تمثل توسعاً ضخماً في أعمال الشركة، فإن (Go) تمزج بين ما هو ممكن على جميع المستويات. أما (Prime) فأهم جانب من جوانب عملها. وهي في الأساس أداة تسويق، وطريقة على تشجيع الشراء وإيجاد إيرادات اشتراك متكررة (نحو 10 مليارات دولار في عام 2017) بطريقة مماثلة لما تفعله متاجر التجزئة (Costco)
و(BJ›s Wholesale). لكن مع نموها، تطورت لتقدم لمشتركيها وتعدادهم 100 مليون مشترك مزايا عدة. وهذه المزايا تنشئ خطوط أعمال فرعية لا حصر لها. إن (Prime) تفسر كيف بدأت (Amazon) بتخطي (Netflix) فمن المتوقع أن تنفق 5 مليارات دولار على البرامج هذا العام، منها مسلسل (Marvelous Mrs. Maisel) الشهير.
في غضون 3 أعوام فقط، أصبح (Prime Day) وهو 36 ساعة سنوية من الصفقات الخاصة للأعضاء فقط، في ظل إنفاق المشاركين مليارات الدولارات على 100 مليون منتج في يوليو/تموز الماضي- عطلة تسوق يتخللها هوس لا يفوقه سوى الجمعة السوداء ويوم الاثنين بعد عيد الشكر.
والوصول إلى (Prime) هو ما يعين (Amazon) على جعل تجار التجزئة الخارجيين يدفعون المزيد من المال مقابل خدمة (Fulfillment) التي تتيحها الشركة.
كما تدعم (Prime) استراتيجية متاجر الشركة التقليدية، فعمليات الاستلام والتسليم خلال اليوم نفسه تتطلب وجوداً مادياً أكبر، مما يساعد في المقابل على التوسع إلى جميع الأنشطة التي لم تتمكن (Amazon) من مزاولتها سابقاً كالأغذية، لأنها من المنتجات القابلة للتلف ولا تنسجم مع نموذج أعمال الشركة التقليدي.
وبعد أعوام من نجاحها كمتجر لبيع الكتب، لدى الشركة اليوم 16 موقعاً ثابتاً لـ(Amazon Books) في 11 ولاية. وقد افتتحت حديثاً متجراً ثانياً من متاجر (Go) في سياتل. يقول بيزوس: «علينا تقديم شيء جديد ومميز. وهذا ما ستلحظه إذا انتبهت إلى استراتيجية المتاجر التقليدية التي ننتهجها». باختصار، أصبحت (Prime) بمثابة النظام العصبي المركزي للشركة، إذ تربط جميع الأقسام فيها وتعد وسيلة للتوسع إلى أسواق جديدة بينما تعزز نشاط التجزئة الأساسي. يضيف: «لا يمكن أن تكون عملاً مستقلاً، لأنها مرتبطة كلياً بعروضنا الاستهلاكية».
وبطريقة مشابهة، كما يلاحظ مع (Go) سيربط الذكاء الصناعي بشكل متزايد ما بدا سابقاً خطوط أعمال متفاوتة، من السحابة إلى التجزئة. لنأخذ على سبيل المثال (Echo) الناجحة بشكل كبير، والتي جعلت سؤال جيف ويلك حول (Amazon) هل هي «شركة معدات أم برمجيات» موضع نقاش. إنها أداة فاعلة تقوم على برنامج ذكاء صناعي، وهي تعزز مبيعات منتجات التجزئة ومحتوى (Amazon) وغيرها.
يقول بيزوس: «إن المثير للاهتمام في تعلم الآلة مقارنة بالتقنيات الأخرى هو تفرع نشاطاتها. ليس هناك فئة وحيدة من الأعمال أو الأنشطة الحكومية أو أي شيء آخر لا يمكن تطويره».
حتى المقر الثاني للشركة الذي تقول مصادر مطلعة فيها أنه سيتم الانتهاء منه مع نهاية العام، ينسجم مع تطلعات الانتشار في الشركة. (تتوقع مجلة فوربس أن يتم تشييده في واشنطن العاصمة، حيث توجد هناك قاعدة لبيزوس، تحتوي على المواهب والموارد والمؤثرين؛ وإلى جانب فيرجينيا وماريلاند، يمكن لبيزوس أن يختار ما بينها حتى يحصل على العرض الأفضل). فيما يرى أن المواقع الجغرافية لم تعد مهمة كثيراً بالنسبة للشركة. عندما تحتاج فرق منفصلة العمل معاً، «فإن ما يهمك هو أن تعقد هذه الفرق اجتماعات غير متكررة، وأن تضع خارطة طريق للمستقبل».
ثم يضيف: «إذا قمت بالتنظيم الجيد، فليس ضرورياً أن يكون الموظفون في المبنى ذاته أو المدينة ذاتها، لأنك تعمل وفقاً لخارطة طريق».
ومن المؤكد قطعاً أن خارطة الطريق تلك، هي كل ما يعمل بيزوس على تنفيذه، إذ يفوض العمليات اليومية إلى أشخاص آخرين. وإن التفكير بعيد المدى صفة أساسية في مسيرة شركته، والسيولة النقدية من (AWS) تمكنه من إدارة شركة التجزئة العملاقة بكفاءة عالية، إلى جانب الاستثمار في مجالات عدة. يقول: «نادراً ما أفكر فيما يحصل اليوم، فأنا أعمل على ما سيكون خلال 3 أعوام في المستقبل، ومعظم فريقي القيادي يفعل الأمر ذاته». ويضيف: «الأصدقاء يهنئونني بعد بيان الأرباح الفصلية، ويقولون أحسنت صنعاً. أما أنا فأجيب: شكراً لكم، لكن أرباح هذا الربع السنوي جرى التحضير لها قبل 3 أعوام. وأنا أعمل حالياً على الربع السنوي لعام 2021». إن هذه العقلية هي التي تثير قلق العديد من الشركات في مجالات عدة. يوضح بيزوس: «أطرح أفكاراً. ويمكن أن نجلس هنا لنناقش فكرة، ويمكن أن أملأ هذا اللوح بمئة فكرة في غضون ساعة واحدة. فإذا مر أسبوع دون اجتماعات لتبادل الأفكار، أشكو ذلك إلى مكتبي». على الشركات الأميركية الانتباه: إما أن تسارع إلى الابتكار، وإما أن يفعل بيزوس ذلك بدلاً عنها.
اضف تعليق